الشيعة وحماقات السنة العراقيين- بيار روباري

لاشك بأن الكرد في جنوب كردستان، خسروا الكثير نتيجة الإستفتاء الذي أجروه قبل فترة الشهرين، وعارضه الدول المحتلة لكردستان، والقوى العظمى معآ. ليس بسبب عدم شرعيته أو قانونيته، وإنما بسبب تخوفهم من أن قيام دولة كردية، قد تؤدي إلى زعزعة المنطقة، وبالتالي إنهيار دول إخرى، تعيش فيها أقليات كردية كبرى كتركيا وايران وسوريا.

إن الشعور والزهو بالإنتصار، الذي أصيب بهاء قادة الحشد الشيعي الطائفي، ومعهم زعماء حزب الدعوة، بدءً من العبادي وإنتهاءً بالجعفري، بعد سيطرة قوات الحشد  الشيعي على مدينة كركوك، لا يعني بأن العراق العربي كسب وإنتهت أزماته القومية والطائفية والإجتماعية.

الحكومات العراقية السابقة، كانت تسيطر على كامل أراضي الإقليم، وتملك أضعاف ما يملكه العبادي اليوم من قوة عسكرية وإمكانيات إقتصادية، وإستعملت جميع أنواع القتل والتهجير، ومع ذلك لم تستطيع تطويع الشعب الكردي، وفرض حل ناقص ومهين عليه، وظل الكرد يرفضون أي حل لا يشمل مدينة كركوك الكردستانية، والمناطق التابعة لها. وحتى قبل ظهور تنظيم داعش الإرهابي على يد نظامي الأسد وأردوغان، وسيطرته على مدينة الموصل، كانت تلك المناطق المسماة بالمتنازع عليها، التي عادت وسيطرت عليها حكومة الشيعة، وجحافل الحشد الطائفي التابعة لها، كانت تحت سيطرت الحكومة المركزية، التي رفضت ولمدة عشر سنوات تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، المتعلقة بتلك المناطق، والتي تنص على ضرورة إجراء إحصاء سكاني فيها، ومن ثم إجراء إستفتاء ليقرر أهالي تلك المناطق، ما إذا كانوا يردون الإنضمام لإقليم كردستان، أو البقاء ضمن العراق العربي، وبذلك يتم تقرير مصير هذه المناطق بشكل دستوري وسلمي.

المشكلة في الحكام الشيعة اليوم، إنهم عادوا لممارسة نفس الحماقات السياسية السنية، التي كانوا يمارسوها بحق الكرد ولسنوات طويلة. أي إستخدام القوة، وتحريض الدول المجاورة عليهم، والتعاون مع تلك الدول (ايران، تركيا، سوريا)، لخنق الكرد ودفعهم للإستسلام. وهذه سياسة فاشلة كما نعلم، وستنقلب في النهاية على أصحابها وتجلب لهم ولبلدهم الضرر، كما حدث مع المقبور صدام حسين، بعد سماحه للجيش التركي بدخول الأراضي العراقية بعمق 30 كيلومتر بهدف ملاحقة الكرد، وتوقيعه إتفاقية الجزائر مع شاه إيران وتخليه عن شط العرب.

لن يستطيع العبادي وسيده الجنرال الفارسي قاسم سليماني، من فرض إرادتهم على الكرد، حتى لو قاموا بشراء زمم بعض الأقزام الكردية، وتخازل بعض الأخر وعدم

الوقوف في وجه المحتلين الطائفين الشيعة. فالكرد كالجبل يصعب تطويعه، وأنصح العبادي ومن وزمرته، بقرأة تاريخ الكرد جيدآ، لكي يتأكدوا بأنهم أمام مهمة مستحيلة.

وبسبب هذه الإعتقاد الخاطئ بالذات، وصل العراق إلى ما هو عليه الأن، لأن الأنظمة السياسية المتعاقبة، جميعها إعتمدت سياسة القوة، بدلآ من سياسة الإنصاف والتفاوض الجاد والحقيقي مع الشعب الكردي. وثانيآ، عدم تحقيق هوية وطنية قائمة على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وحفظ حقوق جميع الأقليات، وإشعارها بأنها جزء من وطن، لا يميز بين أبنائه على أساس الإنتماء المذهبي والعرقي، ولا يستخدم القوة كخيار ومنهج، لبسط إرادتهم على الآخرين ومصادرة حقوقهم.

الكرد ليسوا الطرف الوحيد، الذي لديهم تخوف من توغل الأحزاب الشيعية الطائفية في مفاصل الدولة، وتحويل العراق الى دولة دينية تحكمها رجال دين متطرفيين، ومرتبطين بالمرشد بقم. وبسبب هذا التوغل الفاضح، وإقصاء الطرف الكردي عن القرار السياسي والإقتصادي والأمني للبلد، دفعهم لإجراء الإستفتاء.

فها هم قادة السنة أنفسهم، يبدون تخوفهم وبشكل صريح، من هذا التغول الشيعي في مفاصل الدولة الرئيسية، وخاصة بعد ركب لهذا الغول أنياب طويلة (الحشد الطائفي) ودفعت أسامة النجيفي القيادي السني، أن يطالب الإدارة الأميركية بتسليح سنة العراق لمواجهة النفوذ الإيراني. ذلك أن السنة العرب، هم الأخرين لا يشعرون بالأمان، بعد زيادة نفوذ الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وسيطرتها على مناطقهم وإرتكاب جرائم منظمة بحق السنة، كما يفعلون مع الكرد في كركوك وتوز خرماتوا وغيرهم من المحتلة من قبل هذه الميليشيات الإرهابية، ويتخوفون من لبننة العراق ر.

وهذه المخاوف ليست مقتصرة فقط على الكرد والسنة وحدهم، بل هناك قسم مهم من  الشيعة أنفسهم يتخوفون من قيام هذه الدولة الدينية، ويرفضون ذلك بقوة، ويحذرون من أن تتحول تلك الميليشيات، الى دولة ضمن الدولة، كما هو الحال مع حزب الله الشيعي في لبنان.

 

وفي الختام، إن المراهنة على سياسة تقسيم الكرد، من خلال شراء ذمم البعض كما فعل صدام من جهة، ومن الجهة الإخرى زيادة الضغط العسكري والاقتصادي على الإقليم، لن تجدي نفعآ مع الكرد، ولا تسطيع ضمان وحدة العراق، التي ينادي القيادات الشيعية الذين يعملون خدمآ لدى مرشد الفرس علي خامنئي.

الطريق السليم لمعالجة القضية من جذورها ومرة للأبد، يكمن في تطبيق مواد الدستور

العراقي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة المركزية. إن الغرور والعنجهية، والإرتهان لإرادة الفرس والأتراك، لن يجلب للعراق الأمان والإستقرار مطلقآ.

وأخيرآ، لماذا يتنازل العبادي وحكومته الطائفية للفرس والأتراك، ولا يتنازلون لشعبهم من الكرد؟

11 – 11 – 2017