د. مهدي كاكه يي – صمود الديانة اليزدانية وإستمراريتها

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (41) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

  1. صمود الديانة اليزدانية وإستمراريتها

في البداية أود أن أقدم إعتذاري عن حصول خطأ في ترقيم تسلسل الحلقة السابقة من هذه السلسلة من المقالات والتي تدور حول تواصل الدين اليزداني بعد إنهيار الإمبراطورية الميدية، حيث أن الحلقة السابقة هي الحلقة (40) وليست (39).

بعد ظهور الإسلام وإحتلال كوردستان من قِبل العرب، بدأت الديانة اليزدانية تصارع من أجل البقاء ضد الزردشتية السياسية الفارسية وضد العقيدة الإسلامية13. على سبيل المثال، تعاون الحكام الفُرس مع الدولة العباسية للقضاء على ثورات الخوراميين اليزدانيين في القرن التاسع والعاشر الميلادي، حيث قام بابَك الخورامي بثورة عارمة التي دامت من سنة 816 – 837 ميلادية ضد الحكم العربي الإسلامي14 (إسم “الخوراميين” متأتي من “خۆر” التي تعني بالكوردية “الشمس”).

ظلت الديانة اليَزدانية بفروعها المختلفة سائدة بين الشعب الكوردي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، أي الى قبل حوالي 800 سنة15. في القرن الحادي عشر الميلادي تم عقد تحالف بين الخلافة العباسية والترك السلاجقة وتم غزو بلدان غرب آسيا من قِبل السلاجقة الذين قاموا بالقضاء على الإمارات الكوردية التي كانت قائمة في المنطقة، من ضمنها الإمارة الروادية في أَذربيجان وجنوبي القوقاز والإمارة البرزيكانية في همدان والشدّادية في أرمينيا والدوستكية في وسط وشمال كوردستان وإمارة (شوانْكارَه) في بلاد فارس وإمارة (أَرّان) التي كانت قائمة في كل من أَذربيجان وأرمينيا وجورجيا الحالية15.

في النصف الثاني من القرن 16 الميلادي، أي منذ حوالي 400 سنة، أصبحت غالبية الكورد مسلمين واضطرّت فروع الديانة اليزدانية {إيزدي، يارساني، هلاوي (علوي)، الشبك، الدروز) إلى إقتباس بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والسبي والظلم والإهانة وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل. على سبيل المثال، سُمّي الملاك ميكائيل بِ(الشيخ أبو بكر) في الإيزدية، وأصبح علي بن أبي طالب شخصية مقدّسة رئيسية عند اليارسانيين والعلويين الكورد، وحلّت الأسماء العربية محل الأسماء الكوردية عند أتباع هذه الفروع اليزدانية، فالإسم الكوردي العريق (آدي) مثلاً، كان إسم أحد آلهة أسلاف الكورد الخوريين، أصبح إسمه عند الإيزديين إسماً عربياً وهو (عَدي)16 ونسبَ أمراء الإيزديين أصلهم إلى الأسرة الأُموية العربية، وإتخذوا بعض أسمائهم مثل إسم (مُعاوية).

صمدت فروع الديانة اليزدانية أمام كافة الضغوط والبطش وإستمرت الى يومنا هذا بسبب أصالتها الكوردية وترسّخها في المجتمع الكوردي وكونها جزءاً مهماً من ثقافة ولغة وتراث وتاريخ الشعب الكوردي التي حافظَ عليها أتباع هذه الديانات وتحمّلوا من أجلها المآسي والويلات، إلا أنهم لم يستسلموا، بل أصرّوا على حماية معتقداتهم الكوردية والثقافة الكوردية والتراث والتاريخ الكوردي وقدّموا ولا يزالون يقدّمون التضحيات والقرابين في سبيل الحفاظ على الهوية الكوردية المتجسدة في أديانهم.

هكذا حافظ الدين اليزداني على وجوده الى اليوم رغم المذابح والتهديدات والضغوط التي تعرّض له، إلا أنه نتيجة تفرّق وتشتت معتنقي الدين اليزداني جغرافياً، أصبحت لهذا الدين أسماء مختلفة، حيث أن في كل منطقة جغرافية، يعيش فيها معتنقو الدين اليزداني، تغيّر إسم هذا الدين وأخذ له إسماً خاصاً به في تلك المنطقة. هكذا إنبثق من الدين اليزداني، الديانة الإيزدية والهلاوية واليارسانية والدروزية والشبكية.

بالنسبة الى الدروز، فأن عائلة جانبولاد (جنبلاط) في لبنان التي تُدين بالديانة الدروزية، ينتمي نسبها الى الأمير الكوردي (منتشا = مند) الذي كان أميراً للإمارة الكوردية (كلس) و خدم الدولة الأيوبية في الشام و أصبح هناك والياً لناحية (القصير) الواقعة على مقربة من مدينة (أنطاكية) الواقعة في شمال كوردستان و بعدها أصبح أمير أمراء الشام و حلب. في عهد السلطان العثماني (سليمان)، تم إسناد منصب الإمارة الى إبنه (جانبلاد) و الذي إستمر في الحكم الى سنة 1016 هجرية (1584 ميلادية). في سنة 1630 ميلادية، إنتقل سعيد بك إبن جنبلاط زاده مع إبنه (رباح) الى بيروت و إستقرا هناك. علماً بأنّ العائلة الجنبلاطية كانت تعتنق الديانة الإيزدية17.

فيما يتعلق بِتسمية “العلويين”، يذكر البروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون “المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994″، بأن أصل كلمة “علوي” يعود الى الكلمة الكوردية “هَلاڤ” التي تعني بالكوردية “بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة” وكذلك “لظى النار نفسها”. إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى “ألڤي” التي تعني “لظى النار”. هذا الإسم له علاقة بالنار المقدسة في الديانات الكوردية القديمة.

المصادر

  1. إبن خلدون. تاريخ ابن خلدون. الجزء الرابع، صفحة 993.
  2. الطبري. تاريخ الطبري. الجزء الثامن، صفحة 622.
  3. عبّاس إقبال (1984). الوزارة في عهد السلاجقة. ترجمة د. أحمد كمال الدين حلمي، الطبعة الأولى، صفحة 29.
  4. جرنوت فيلهلم (2000). الحوريون. ترجمة وتحقيق فاروق إسماعيل، الناشر: دار جدل، الطبعة الأولى، صفحة 100.
  5. محمد أمين زكي (1948). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان – تأريخ الدول و الإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، مطبعة السعادة، مصر، صفحة 376 – 380).