حكاية شقاء وبؤس: الكاتب صلاح خليل حمدو‎

في أواخر صيف عام 1991م ، وبينما كنتُ في شقتي بحي ” يونس آباد ” في مدينة ” طشقند ” ، وإذ بأحد الأصدقاء يهاتفني مخبراً بأن جمعاً من الطلبة الكورد السوريين قد وصلوا لينضموا إلى زملائهم في جامعة طشقند .
استعلمت عن مكان إقامتهم المؤقت وفي المساء من ذاك اليوم كنت في حي ” بيشا كاش ” على مقربةٍ من مطار طشقند الدولي .
مبنىً قديم جداً وكأنه متحف أثري ، مزينٌ من الخارج برسومات وتماثيل ، عند باب البناء ، امرأة عجوز يسمونها ” فاختيورا ” ، تعمل كموظفة استعلامات .
ـ مرحباً أيتها الجدة .
ـ أهلا بك ماذا تريد ؟
ـ سمعت بأن لفيفاً من الطلبة السوريين الجدد قد حلوا ضيوفاً على البناء فهل تسمحين لي بالدخول للاستفسار عن أوضاعهم ؟
ـ هل تعرف أياً منهم ؟
ـ كلا ، لكنه واجبي ككورديٍّ يحتم عليَّ مساعدة أبناء الجلدة إن كانوا بحاجة إلى شيء، سيما وأنهم اليوم قد وصلوا ولا يعرفون اللغة الروسية .
ـ عجيبٌ وغريبٌ أمركمُ أيها الكورد !!!.
ـ ولماذا العجب يا جدتي وما الغرابة ؟؟!!.
ـ قلوبكم متآلفة ، مشاعركم متوحدة ٌ ، ومع ذلك فإنكم لا تمتلكون سيادة على أراضيكم ولم تظهر لكم دولة إلى الآن .
وقفت وأشارت لي بالجلوس إلى جانبها وتابعت :
ـ قد ذكرتني بموقفك هذا بالجنرال البرزاني ، هل سمعت عنه ؟!.
ـ بالطبع يا جدتي ولكن ما الذي دعاك كي تتذكري الملا مصطفى البرزاني وما علاقة حديثنا الآن بالراحل الكبير .
ـ كان ـ وعبر الترجمان ـ يحدثني عن حرصه على أبناء أمته ، على رغبته في إعلاء شأنهم . كنا نمضي أوقاتاً كثيرة نتجاذبُ أطراف الحديث . قد أحببته كثيراً .
قاطعتها :
ـ جدتي ، من فضلك ، عما تتحدثين ، هل تتخيلين ، هل قرأتِ عن الملا مصطفى ، فأصبحت تتصورين أنه كان معك يحادثك .
ابتسمت لي بعد أن طبعت قبلة على جبيني :
ـ لا يا حبيبي فأنا لا أتخيل.
أمسكت بيديَّ وسحبتني إلى الممر ومن ثم إلى المدخل ، كنتُ أتبعها بذهول وأنا لا أدري ما تقصده .
ـ من هذا المدخل الذي أنت دخلت منه الآن ، وعبر هذا الممر ، منهما كان الملا مصطفى البرزاني يدخل البناء ويخرج .
ـ ها!!! ، ماذا تقولين !!! ، هل تعنينَ بأن الملا مصطفى البرزاني كان هنا !!!؟؟؟.
أجلستني من ثم وحدقت فيَّ ملياً :
ـ نعم حبيبي ، وبعد أن ننتهي من حديثنا سأدلك على الغرفة التي كان يسكنها ، أنتَ بالطبعِ تودُّ رؤيتها ؟؟.
هجمت على الجدة أقبل يديها ورأسها :
ـ بالطبع يا جدتي .
ـ قد حدثني مطولاً عن جمهوريةٍ للكورد كان مع رفاقه قد أعدَّ لها البنيان في ” مهاباد ” وكيف أن الأقدار لم تشأ أن تقوم للكورد قائمة .
حضنتني الجدة طويلاً ، انطلقت من أعماقها زفرة وآهة ، أردفت :
ـ كان رجلاً بكل المقاييس . تعال بنيَّ كي أريك غرفته .