د. مهدي كاكه يي- الدين اليارساني

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (44) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

يذكر الپروفيسور إيزادي بأن الأديان الإيزدية واليارسانية والهلاوية (العلوية) هي إمتداد للدين اليزدانيw. يتم إعتناق هذه الديانات الثلاث التي تندرج تحت الدين اليزداني في مجتمعات معزولة نسبياً في المنطقة الممتدة من خراسان إلى الأناضول وجنوب إيران. تذكر المصادر بأنّ أسلمة معتنقي الدين اليزداني إزدادت في غضون القرن الثاني عشر الميلادي.w

هناك تشابه كبير بين الديانة الإيزدية واليارسانيةx وهذا التشابه يعود الى عناصر الإيمان القديمة التي كانت مهيمنة على الآريانيين الغربيبنy. بعض شعائر وطقوس ومعتقدات الإيزديين واليارسانيين مشابهة لتلك التي كانت سائدة في الديانة الميثرائية التوحيدية التي كان الآريون يعتنقونها قبل ظهور الديانة الزردشتيةz.

الفروع الرئيسية للديانة اليزدانية هي الإيزدية واليارسانية والهلاوية. يارسان والذي يُسمّى أيضاً (أهل الحق) عبارة عن أحد فروع الديانة اليزدانية القديمة التي كانت معتنقة من قِبل معظم الكورد قبل المد الإسلامي في كوردستان. هناك إعتقاد شائع بأن معظم الكورد كانوا يعتنقون الديانة الزردشتية قبل إعتناقهم الإسلام ولكن الوثائق التأريخية تشير إلى ان معظم الكورد كانوا من أتباع الديانة اليزدانية التي إختلطت كثيراً مع الزردشتية بعد ظهورها ولكنها حافظت على خطها العام المستقل عن الزردشتية، حيث أنّ الزردشتية نفسها أخذت الكثير من فلسفتها وطقوسها من الديانة اليزدانية. العقيدة الدينية لليارسانيين مشابهة للعقائد الدينية للهلاويين والدروز والإيزديين.

منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ظهر مصطلح (سان) الميتاني في وثائق حتوشا بمعنى (المسؤول أو السيد) حينما أطلق السائس (كيككولي) على نفسه (أسپا سان Aspa San) أي (سيد الخيول)23. الديانة اليارسانية هي فرع من فروع الديانة الميثرائية التي كان أسلاف الكورد الخوريون – الميتانيون يعتنقونها، لذلك من المرجح جداً أنّ إسم (يارسان) له علاقة بالكلمة الميتانية (سان) التي تعني (مسئول أو سيد) و تعني أيضاً (إله) وكلمة (يار) تعني بالكوردية (صديق، حبيب، صاحب) وبذلك يعني (يارسان) (عاشق أو حبيب الإله) أو (عاشق أو عابد اليزدان).

مصطلح “حق” (كما في أهل الحق) كثيراً ما يُساء  تفسيره كالمصطلح العربي ل”الحقيقة”. المعنى الحقيقي يتم تفسيره بوضوح من قِبل نور علي إلهي (توفي سنة 1974 ميلادية) من خلال الصورة المعاصرة للروح في فرع الدين اليارساني الذي تمّ تمييزه عن المصطلح العربي و في واقع الأمر ينبغي أن يكون مكتوباً “حَق” بدلاً من “حقّ” وينبغي أن يتم فهم معناه الصحيح من حيث الدلالة والجوهرab. هكذا فأن كلمة (حق) تعني (الروح أو الإله). يعتقد اليارسانيون بوجود خالق أعظم أساسي بالإضافة إلى 6 تجسدات للخالق في صور أو هيئات محددة ويتم تجسّد الخالق في هذه الهيئات في بداية عهد او فترة زمنية مهمة. من بعض هذه التجسدات حسب العقيدة اليارسانية هو المسيح وسان سَهاك والذي يُقال بأن ولادته كانت من عذراء. يؤمن أتباع الديانة اليارسانية بتناسخ الأرواح ويؤمنون أن الخالق الأعظم لا يدير شؤون العباد بصورة مباشرة بل عن طريق تجسدات ومنها 6 تجسدات لحد هذا العصر. إسم الكتاب المقدس لليارسانيين هو “سەرەنجام” وهو كتاب مكتوب باللغة الكوردية.

من وجهة نظر اليارسانيين، يتكون الكَون من عالَمَين متميّزَين مترابطَين، هما العالم الباطني والعالم الظاهري، ولكل منهما نظامه وقواعده الخاصة به. على الرغم من أن البشر يدركون فقط العالم الظاهري، إلا أن حياتهم تخضع لِقواعد العالم الباطني. من بين الركائز الهامة الأخرى لِنظام معتقدهم هي أن الجوهر الإلهي له مظاهر متتالية في شكل الإنسان والايمان بِتناسخ الأرواح (دۆناودۆن  Donawdon باللغة الكوردية). اليارسانيون لا يتقيدون بالشعائر والطقوس الإسلاميةac.

يرتكز الدين اليزداني على خمس مرتكزات أساسية وهي:

  1. النظافة: تعني نظافة الجسم والفكر وصدق الوعد وحُسن السلوك.
  2. الصدق: يعني إختيار الطريق الصحيح والإبتعاد عن الأعمال السيئة.
  3. الإبتعاد عن الأنانية وحب الذات والإنتصار على الرغبات الدنيوية.
  4. مساعدة الآخرين والتضحية في سبيلهم والعمل على توفير الرفاهية للناس.
  5. عدم إيذاء أو الإضرار بالنار والهواء والماء والتربة والطبيعة والإنسان والحيوانات والنباتات والأشجار والطُرق.

الدين اليارساني هو دين توحيدي وغير تبشيري. لا وجود للموت في هذا الدين، حيث يؤمن معتنقوه بتناسخ الأرواح. عند موت الإنسان تنتقل روحه الى جسد إنسان أو حيوان آخر. كما أن هذا الدين ليس له نبي أو رسول مُرسَل من الخالق لأن الرب يُظهر نفسه كإنسان في سبع مرات ويعيش بين البشر ويقوم بإدارة شؤونهم.

في هذا الدين هناك أربع طبقات دينية في المجتمع وهي إبتداءً من أعلى مرتبة دينية الى أدنى مرتبة: پیر، مام، باوه، العامة. يحتفظ معتنقو هذا الدين بالشوارب ولا يؤمنون بالشهادة الإسلامية ولا بالجنة والجهنم، حيث أن الجنة والجهنم موجودان في هذه الدنيا ولا يؤمنون بالثواب والعقاب في الآخرة. يقومون بالتعميد كما في المسيحية لتسمية أطفالهم عند الولادة. لا يصلّون، بل أنهم يقدمون النذور خلال إجتماعات دينية خاصة، تتم خلالها قراءة أدعية خاصة بهم. لا يصومون شهر رمضان، بل يصومون لمدة ثلاث أيام في منتصف الشتاء. لا يحجّون الى مكة، بل يحجّون الى ضريح (سان سهاك) الموجود في منطقة هورامان في الجانب الواقع في شرق كوردستان. لهم كتاب ديني مقدس إسمه (سَرَنجام) المكتوب باللغة الكوردية وجميعه عبارة عن أبيات شعرية. يؤمن اليارسانيون بوجود 7 قدّيسين ولا يلعنون الشيطان لأن الشيطان هو من مخلوقات اليزدان (الرب).

تُقدّر نفوس اليارسانيين بِحوالي 4 ملايين نسمة. يعيش اليارسانيون في إقليم شرق كوردستان وبالتحديد في محافظة کرماشان وأيضاً في جنوب كوردستان، في مناطق كركوك و مندلي و خانقين و في بعض القرى التابعة لمحافظة الموصل و في مدينة بعقوبة في محافظة ديالى. كما أنّ هناك أعداداً كبيرة من اليارسانيين الساكنين في بعض مناطق آذربايجان الإيرانية. مدينة إلخيچي (İlxıçî) الواقعة على بُعد 87 كيلومتر جنوب غربي مدينة تبريز، مسكونة من قِبل اليارسانيين والذين هم من عشيرة گۆران الكوردية والتي أفرادها يعيشون أيضاً في إقليم شرق كوردستان الى جانب الكورد الزازا وأنّ أفراد هاتَين المجموعتَين يتكلمون اللهجة الهورامية.

المصادر

  1. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، حاشية صفحة 905.

المراجع

  1. Izady, Mehrdad R (1992). The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, p. 170. ISBN978-0-8448-1727-9.
  2. x. Kreyenbroek, Philip G. (1995). Yezidism—Its Background, Observances and Textual Tradition. Lewiston/Queenston/Lampeter: Edwin Mellen Press. pp. 54, 59, ISBN0-7734-9004-3.
  3. y. Foltz, Richard. Two Kurdish Sects: The Yezidis and the Yaresan. p. 219.
  4. Foltz, Richard. “Mithra and Mithraism”. Religions of Iran: From Prehistory to the Present. p. 30. ISBN978-1-78074-307-3.
  5. ElahiNurali(1975), Buhan-i Haq(in Persian), Teheran, pp. anecdote 1143.
  6. Z. Mir-Hosseini, Inner Truth and Outer History: The Two Worlds of the Ahl-e Haqq of Kurdistan, International Journal of Middle East Studies, Vol.26, 1994, p.267-268.