هل هناك صلةٌ بين عيد (أكيتي) السومري و رأس السنة الإيزدية و عيد نوروز؟ – د. مهدي كاكه يي

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (47) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

لِدراسة وجود صلة بين العيد السومري وعيد نوروز ورأس السنة الإيزدية، نُركّز في هذا المقال على عيد (أكيتي) السومري الذي تم ذكره في السجلات السومرية في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد أي قبل أكثر من 4500 سنة، حيث أنّ هذا العيد هو الأصل والأقدم.

في الأزمنة القديمة كان التقويم الطقوسي في بلاد ما بين النهرين، يستند على الإعتدال الربيعي والخريفي، حيث أنه عندما يكون القمر والشمس في توازن مثالي مع بعضهما، تبدأ بداية السنة الزراعية و نهايتها على التوالي. أي أنه كان يتم إنطلاق الاعتدال الربيعي من خلال ظهور أول قمر جديد للربيع والذي يصادف نهاية شهر مارس/آذار أو بداية شهر أپريل/نيسان وفقاً لِدورة القمر السنوية، بينما يُمثّل الإعتدال الخريفي ظهور أول قمر جديد للخريف.

تُشير الأساطير السومرية الى أنّ سكان بلاد ما بين النهرين كانوا مزارعين، قاموا بِبناء المدن في هذه البلاد. لذلك كانت تُقام إحتفالات مُهيبة في بداية و نهاية السنة الزراعية، حيث أنّ هاتَين المناسبتَين كانتا تُصادفان إعتدال فصل الربيع والخريف على التوالي. بمرور الوقت تحولت هذه الإحتفالات إلى إحتفالات دينية ذات أهمية كبرى في تقويم الطقوس الدينية لبلاد ما بين النهرين.

تُشير النصوص السومرية الى أنّ السومريين كانوا أول مَن إحتفلوا بِعيد (أكيتو Akitu) الذي كان يبدأ في الأول من شهر نيسان من كل عام. الإسم السومري لهذا العيد هو (أكيتي (Ákiti) وكانت إحتفالات السومريين بهذا العيد تستمر لمدة أحد عشر يوماً1. كان الإله السومري للقمر (نانا  Nanna)، يحكم كلاً من (مرور الوقت) و (خصوبة التربة) وكان إبناً لإله و إلهة الهواء (إنليل Enlil ) و (نينليل Ninlil)a.

بدأت إقامة مهرجان السنة الجديدة في بلاد ما بين النهرين (عيد أكيتي) في مدينة أور التي كانت مدينة الإله (نانا) ومع مرور الوقت إنتقلت طقوس مهرجان (أكيتي) من (أور) الى المدن السومرية الأخرى والى بقية مدن بلاد ما بين النهرين، حيث على سبيل المثال تم تبنّي المهرجان من قِبل مدينة (نيپور  Nippur)، التي كانت العاصمة الدينية لبلاد ما بين النهرين وكذلك مدينة (أداب Adab) و(أوروك Uruk) و(اريدو Eridu) وغيرها، حيث أنّ كل مدينة قامت بِتعديل المهرجان فيها وفقاً لِطقوس الإله الرئيسي لها. كل مدينة إحتفلت بِهذه المناسبة بإدخال تمثال إلهها أو إلهتها الخاصة بها. كانت هذه المهرجانات فرصة عظيمة للترحيب بالإله أو الإلهة المحلية وإظهار الإحترام له أو لها وهذه بدورها دفعت الإله أو الإلهة الى أن يقوم بإدارة المدينة بالعدل وتقديم الخدمات التي كانت المدينة وِأهلها بِحاجةٍ لهاa.

كان برنامج المهرجان السومري يبدأ بِقدوم إله القمر (نانا Nanna)، الذي كان يُرمز إليه بتشميع القمر في السماء و يتم تمثيله من خلال جلب تمثال له الى مدينة (أور) من خارج المدينة. قبل جلب التمثال الى مدينة (أور)، كان التمثال يوضع مؤقتاً في بناية كانت تُسمى “بيت أكيتي”، حيث  كان هناك يتم تقديم الأضحية و الصلوات الى الإله خلال مكوثه في هذا البيت. كان يتم جلب التمثال في موكب فخم، ووضعه في مركبة كبيرة خاصة لمثل هذه الإحتفالات. بعد ذلك كان الإله يستلم إدارة المدينة ويخطط لها ويُدار من قبلهa.

الإسم السومري (Ákiti) إسم مُركّب، مؤلف من 3 كلمات، هي (Á) و (ki) و (ti). حرف (Á) قد يشير إلى (لحظة زمنية) أي (وقت أو فترة)، و (ki) تعني (مكان)، و أن هذه الكلمة لا تزال باقية في اللغة الكوردية ومتحورة الى (جي Cî)، وكلمة (ti) تعني (لقاء) وهذه الكلمة السومرية متحورة في اللغة الكوردية الى (دي Dî) والتي تعني (إلتقى أو رأى). هكذا (Ákiti) قد يعني (لحظة لقاء ِإله القمر “نانا” بِمدينته الأبدية، “أور” لأول مرة) b،  حيث كان الإله يُقيم مرة واحدة في مكانٍ خاص قبل إختيار مدينته التي يُقيم فيها بشكلٍ دائم. لذلك كان يُقام المهرجان للاحتفال بالوقت الذي إختاره الإله السومري (نانا) لتحديد مدينته. إستغراق المهرجان لمدة أحد عشر يوماً هو الفترة التي خلالها يتم تمكين القمر من الإنتهاء من تشمّعه في السماء أي هي المدة التي كانت تستغرقه رحلة الإله (نانا) من بيته المؤقت المُسمى “بيت أكيتي” إلى مدينته الدائمية (أور)a.

تبدأ السنة الإيزدية في أول يوم أربعاء من شهر أپريل/نيسان (Çarșemba sor)، حيث أن الإيزديين يعتقدون بأن هذا اليوم هو يوم بعث الخليقة وبداية الحياة وتكوين الأرض وما يحيى فيها من كائنات وأن في هذا اليوم تنزل الروح على الأرض. هكذا نرى أن رأس السنة الإيزدية يصادف نفس يوم عيد (Ákiti) السومري وبذلك فهو إمتداد لهذا العيد.

كان يوم الأربعاء يوماً مقدّساً عند الآريين. يوم الأربعاء له صلةً بالمعتقدات الكوردية القديمة، حيث أن العدد (4) كان يمتلك مكانة مرموقة في الديانة الميثرائية. كان يُرمز إلى العدد (4) بصليبٍ متساوي الأضلاع، يمثّل العناصر المقدسة الأربع: النار، الهواء، التراب، الماء. كما أنه كان يمثّل الجهات الأربع: الشرق، الغرب، الشمال، الجنوب. كان الصليب الميثرائي يُمثل أيضاً الأزمنة المقدسة الأربع: الولادة، الشباب، الرجولة، الكهولة، حيث أنه مروراً بهذه الأزمنة، تتم إستعادة الروح من جديد بعد إكتمالها. قد يحدث الخلق في أية مرحلة من مراحل هذه الأزمنة دون المرور بِجميعها. مما سبق، يستنتج المرء بأنّ إختيار الإيزديين لِأول يوم أربعاء ليكون رأس السنة الإيزدية، له صلة بالديانة الميثرائية، حيث أنّ الديانة الإيزدية هي فرع من الديانة اليزدانية التي تتجسد فيها الميثرائية.

كما هو معروف، أنّ يوم 21 مارس/آذار هو رأس السنة الكوردية (عيد نوروز). يوم عيد نوروز يصادف الأوّل من نيسان حسب التقويم السومري. هذا يعني أن عيد نوروز يصادف يوم عيد (أكيتي) السومري الذي كان يُقام في الأول من نيسان من كل عام، وبذلك فأن عيد نوروز هو أيضاً إمتداد لِعيد (أكيتي).

المصادر

1. جورج رو (1986). العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، صفحة 148.

المراجع

  1. http://www.gatewaystobabylon.com/religion/sumerianakitu.htm
    Halloran, John A. Sumerian Lexicon, version 3.0.

2 Comments on “هل هناك صلةٌ بين عيد (أكيتي) السومري و رأس السنة الإيزدية و عيد نوروز؟ – د. مهدي كاكه يي”

  1. اتفق مع رأي السيد الكاكايى بان دينتنا الايزيدية جذورها تصل الى السومريين وقد عاشت الديانة الازيدية في مراحل شديدة القسوة على اتباعها فاضطروا احيانا على التكيف مع واقعهم فتحور ديانتنا واقتبس من حولها العديد من العادات والتقاليد من محيطه عبر التاريخ الذي يمتد الى اكثر من خمسة الآلاف عام من الان ،،،
    صالح عبدو

  2. كلاّ ، لا توجد أية علاقة بين أكيتو والسرصال من حيث الدين أو القومية ، إنما علاقات مناخ مشترك لوادي الرافدين فهي موجودة جميع الطوائف فبلاد الرافدين لها مناسبات موسمية يُحددها المناخ الواح فتكون متقاربة ومتشابهة بعض الشيء ولكن ليست هي نفسها ولا علاقة بها ، فالسنة الجديدة تبدأ في العراق في نفس الموعد تقريباً وبقية المناسبات أيضاً المناخ الواحد قد حددها والفرق بينها هو بمقدار البعد الجغرافي البسيط بينها ، أ
    أما عيد نوروز فهو إنقلاب زرادشتي على السرصال السابق بإعتبار الخير والشر يتبالان الغلبة في 21 آذار فهو اليوم الجديد في السنة الجديدة وكان صائباً بحسب مبدأ الخير والشر ، وللمناخ فالسرصال الئيزدي القديم هو الأضبط

Comments are closed.