الفساد يعادل كماً ونوعاً الإرهاب الأصولي والسلفي-   مصطفى محمد غريب

الحديث عن الفساد أصبح كمقام الأغاني العربية وفي مقدمتها المقام العراقي المعروف  الذي يتخصص في نوعية الأداء وتداخله فمرة مقام ” لامي “وأخر “الدشت ثم الرست وهلمجرا “ولكثرة تردد كلمة الفساد فقد أصبح الزاد اليومي الذي يفيق المواطنون عليه منذ الفجر وحتى آخر إغلاقة جفن بعد نصف الليل،  ومن المواطنين ما يسهر عليه ليالي وهو يسمع أن أمواله  تسرق بطرق مختلفة والبطاقة التموينية التي تقدم له بعض العون أصبحت في خبر كان، والنفط على الكشوف يفقد وأثمانه مليارات الدولارات تنهب، في كل زاوية ومرفق اقتصادي وصناعي وثقافي وزراعي وغيرهم يمرح فيهم الفساد بكل حرية، آلاف الدعاوى من لجنة النزاهة وغيرها ضد فاسدين إرهابيين لكن لا من يسمع ولا من يجيب بسبب حصانتهم الحزبية والطائفية، هروب الفاسدون الذين تنكشف نصف أوراقهم ومعهم عشرات الملايين من الدنانير والدولارات وهم متحصنين بجنسيات أخرى وجوازات لا يمكن لأي مطار أوجهة رسمية التشكك فيها  ( خبر طازج نشر  الثلاثاء 28 / تشرين الثاني 2017 في ” وكالة أين – بغداد) احد نواب البرلمان الذي يُسبح باسم الطائفية أعلن عن ” سرقة ألفي طن من الحنطة العلفية قيمتها( 580 ) مليون دينار”، والمواطن يصطدم بأمنه المخترق وعودة الحرب المتنوعة والإرهاب والميليشيات الطائفية ويعاني من الفساد والفقر والعوز وسوء الخدمات وتردي الأوضاع الصحية والبطالة والخوف على عائلته من المستقبل  الذي لا يبشر بأي بارقة أمل للوصول إلى شاطئ الأمان إذا ما بقت المحاصصة الطائفية والحزبية التي تقود السلطة السياسية والبلاد .

إن الفساد ظاهرة إرهابية بامتياز فلا فرق بينه وبين القتل والتفجير والاختطاف فالأول يهدف إلى تدمير البلاد والمواطنين والفساد هدفه تدمير الاقتصاد وسرقة المال العام الذي هو ملك الشعب، وبسبب عمليات الفساد يهلك المواطن أما بالمواد المعيشية الفاسدة أو شحتها أو سرقتها بطرق عديدة، وتفشي آفة الفساد خراب أخلاقي في عمل الدوائر والمؤسسات والمسؤولين وفي مقدمتها انتشار الرشوة والمحسوبية والمنسوبية، ونحن نتحدى كل من لا يصدق أن يسال أي مواطن حول مراجعته  أي دائرة أو مؤسسة حكومية عن متابعة أو إنجاز قضية تخصه إذا لم يقل له ” إذا ما تدهن السير فلن تنجز” وهذا يعني بالكلام العريض أن تدفع الرشوة ، ولنتصور كم انتشرت عمليات الرشاوى وابتزاز المواطن في رزقه ومعيشته والى أي مدى امتد الفساد الذي أصبح إرهاباً نفسياً يوازي الإرهاب الجسدي في تدمير الأوضاع في البلد، والا لما قال عنه رئيس الوزراء حيدر العبادي “أخطر من معركة الإرهاب” وهذا الأمر معروف للداني وللقاصي، ولهذا نجد أن الفاسدين لا يقلون عن الإرهابيون ألا بالأسلوب وهم ماضون في ترسيخ تعذيب المواطنين اقتصادياً وروحانياً ويهيئون الأرضية والحواضن لاستمرار عمليات الإرهاب لا بل يعملون بجد وعافية في سبيل بقاء الأوضاع من سيء إلى أسوأ ويبقى العراق كبلد يعيث فيه الفساد حتى أصبح تسلسله (166 من 176 دولة) في قائمة فساد الدول  الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية نهاية كانون الثاني  2016 ، كيف لا والتقرير  نصف السنوي الصادر عن هيئة النزاهة العراقية في آب/ الماضي كشف استرجاع أكثر من( 838 )مليار دينار عراقي من أموال البلد المنهوبة أو المهدوربنذالة وبدون اي واعز ضمير، وهذا الرقم متواضع إذا ما قسناه بما هو مخفي وغير معلوم،  وكيف يمكن التغاضي عن ( 41 ) مليون دولار صرفت منذ 2003 على الكهرباء بدون فائدة وأمامكم قضية الكهرباء واليوم يعرضوها للبيع إلى الحيتان التي جاهدت أن تحقق نجاح بيع الكهرباء حسب نهج الخصصة وكذلك من ما بقيَ من القطاع العام، وكيف لا نصدق وهناك اعترافات علنية من قبل نواب ومسؤولين من القوى صاحبة القرار والمتنفذة، فعبد السلام المالكي من ائتلاف دولة القانون أشار عن( 800 ) قضية فساد أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي، إضافة إلى تأكيد القاضي احمد أنور رئيس هيئة النزاهة في إقليم كردستان العراق عن( 200 ) قضية أخرى أحيل معظمها إلى القضاء، وكيف نسكت ووزير الصناعة والمعادن وكالة محمد شياع السوداني يكشف عن “اكبر عملية فساد” حدثت في عقد أبرم بين الشركة العامة للأسمدة الشمالية والشركة الاولى العالمية المستثمرة، ويعود تاريخ بداية العملية الى عام 2009، ولو تابعنا جميع قضايا الفساد لاحتجنا إلى  اشهر واشهر وعشرات الأشخاص الباحثين وبخاصة إذا مررنا على تصريحات ماهر حسين المفتش العام لوزارة المالية في 4/12/2017 إن “الأموال التي تم استرجاعها من قبل مكتب المفتش العام لوزارة المالية خلال ثلاث سنوات مضت، تبلغ 949 مليارا و121 مليونا و278 ألف دينار مستردة إلى الخزينة”. ونتساءل ــــ كم من أموال سرقت بدون معرفة كمياتها وطرق الاستيلاء عليها ؟ وكم هربت خارج البلاد وأودعت في بنوك ومصارف خارجية بطرق حتى قانونية  وبعض الأحيان أمام أنظار ومعرفة البعض من الفاسدين المنضوين لكتل وأحزاب متنفذة؟، وكم وكم وكم؟! ” والحبل على الجرار ”  أي بالمعنى الصحيح هناك حيتان كبيرة أكثر مما نتصور تتربص وتحيك شباكها وهي قادرة على التنفيذ حتى لو أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي الحرب على الفساد، ولدينا خير مثال الإعلانات حول الإصلاحات الجذرية التي أطلقها رئيس الوزراء قبل فترة، وبصراحة فان الفساد يحتاج إلى إصلاحات حقيقية وسريعة في جميع مرافق الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والخدمية والتعليمية وغيرها وإلا سيبقى الفساد على حاله وان يتراجع في القلة من الأماكن المذكورة وغير المذكورة أعلاه، وتأكيدات حيدر العبادي بان الحرب المقبلة مع الفساد تحتاج إلى عمل وأفعال مباشرة مثل إجراء التحقيقات المباشرة وغير المباشرة في قضايا الفساد ويشمل  جميع رؤساء الوزارات وكتلهم وأحزابهم منذ عام 2003 ولا يستثنى أحداً وفي مقدمتهم نوري المالكي، وفي هذا الصدد ذكرت البعض من وسائل الإعلام من بينها صحيفة عكاظ السعودية عن وصول محققين 21 محقق دولي وفق مذكرة تفاهم وقعت من قبل الحكومة العراقية مع الأمم المتحدة حيث ” أن “المحققين مُنحوا صلاحية التحقيق مع رؤساء الوزراء السابقين وهم: إياد علاوي (2004 – 2005) وإبراهيم الجعفري (2005 – 2006) ونوري المالكي (2006 – 2014)، فضلاً عن وزراء سابقين آخرين”.ترى هل ستنجح مهمة هؤلاء المحققين ويجري التعاون معهم بشفافية وتقديم المعلومات الصحيحة ؟ بصراحة وعلى ضوء تجاربنا مع حكومات المحاصصة الطائفية والميليشيات التي تحيط بها نشك بالنجاح  وستكون مثل غيرها في ذاكرة النسيان، ولاسيما مثلما أشار حيدر العبادي إن “الفاسدين يتواجدون بيننا ويمتلكون المال والإعلام ويحرفون الحقائق ويحاولون أن يبينوا أن الجميع فاسدون لكي يغطوا على فسادهم”.والفساد غير المباشر غير المحسوس والوصول إلى كشفه يحتاج إلى عمل دقيق ومتابعة قانونية وتشريعية لأنه يتمثل في المشاريع الوهمية أو مشاريع لا تفيد المواطنين ومشاريع يدفع لها ملايين الدورات “كقمسيونات” تحت الغطاء والسرية ولا يكفي إطلاق الشعارات الرنانة للخلاص منه وصحيح كل الصحة عندما أشار الكثير من المخلصين إن محاربة الفساد ليست شعاراً وإنما هو عمل لتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين وإيجاد آليات للمراقبة والمحاسبة تتمثل بهيئات قانونية وتشريعية مستقلة بعيدة عن التأثيرات الحزبية والطائفية، بعيداً عن المؤامرات الني تحاك لتشتيت التهم وإضاعة المستمسكات وتغييب الوقائع وبعثرة الأدلة وتبديل الوجوه وتحذير البعض من الفاسدين الحرامية واللصوص لكي يهربوا خارج البلاد حاملين كما يقال بكل ما خف وزنه وغلى ثمنهُ ” ولدينا أسماء العديد منهم وهم معروفين وأماكن تواجدهم معروفة.

أن محاربة آفة الفساد وحيتانه تحتاج إلى جهود مضنية وتصميم لا هوادة فيه لسد اي منفذ ممكن الولوج منه لإفشال العملية بما فيها استغلال قضية محاربة الفساد وتحويلها إلى دعاية وشعارات انتخابية هدفها التسقيط السياسي وإبعاد المعارضين أو الذين ينافسونهم في الانتخابات وقد تؤدي الصراعات والمعركة إلى دفع المواطن  عدم المشاركة وفقد الثقة أصلاً بالعملية الانتخابية وهذا ما يهدف ويخطط له لكي تبقى المواقع والمسؤوليات في أيدي من يريدونها محاصصة بحجة الوطنية وإنقاذ الوطن من الإرهاب.