قراءة مغايرة لِمَ يحدث الأن في ايران-  بيار روباري

إطلق عليها ما شئت، حراك، إنتفاضة، هبة جماهيرية، ثورة لا يهم. المهم في الأمر إن الشعوب الإيرانية، ضاقت ذرعآ بالملالي وحكمهم المستبد، ونظامهم الفاسد. وتبحث عن الحرية والكرامة. ولكل طرف ايراني قضيته مع هذا النظام الثيوقراطي المجرم، الذي يتحكم بكل شاردة وواردة في البلاد. ويخطئ مَن يظن، بأن المحتجين خرجوا للشوارد لمجرد لديهم مطالب تتعلق بالفقر والبطالة. القضية في جوهرها سياسي، ومن سمع المتظاهرين وهم يرددون شعار: “فليسقط الدكتاتور خامنئي” يدرك ذلك جيدآ.

لا شك أن الوضع الإقتصادي المتردي بسبب سياسات النظام المتهورة، وتفشي الفساد

في جميع دوائر الدولة، هي أحد الأسباب الرئيسية، التي دفعت الناس للمطالبة بسقوط

النظام ورحليه، ولكن ليس هو السبب الرئيسي حسب قناعتي.

وصحيح أيضآ، أن هدف جميع الأطراف الإيرانية (الكرد، البلوش، الأذريين، العرب، اليسار، مجاهدي خلق) واحد، وهو التخلص من هذا النظام البائد، ولكنهم يختلفون كثيرآ في مطالبهم، حول المرحلة التي ستعقب سقوط النظام، إن سقط.

ولكن قبل الغوص في تشعبات ما يجري في إيران هذه الأيام، دعونا نعود بالزاكرة قليلآ للوراء، ونستذكر سويآ الفترة التي سبقت حكم رجال الدين الشيعة بزعامة الخميني. قبل سقوط الشاه ونظامه الأمني، كان هذا البلد يتفوق على دول الجوار في جميع المجالات تقريبآ. القاسم المشترك بين النظام السابق والحالي، هو قمع الحريات العامة، ورفض الإعتراف بالحقوق القومية للشعوب الغير فارسية. ولقد نكل الخميني ونظامه المجرم، بالكرد الذين دعموه، وباليساريين والعرب والبلوش، وكل من رفع صوته، ضده نظام المرشد الحاكم باسم الله.

وأخطأت أمريكا ومعها دول اوروبا الغربية وأتباعهم في المنطقة، عندما إعتقدوا بأن وصول رجال الدين، أفضل لهم من وصول حزب شيوعي (توده) معادي فكريآ لهم للحكم في ايران هذا البلد الكبير والهام. وظنوا أن نظام الملالي، سيسد الطريق أمام السوفيت للوصول للمياه الدافئة، ورأينا النتيجة كيف كانت. والأن لنعود للحراك نفسه الذي يعاني من ثلاثة إشكاليات رئيسية وهي:

الإشكالية الأولى:

عدم إمتلاك المتظاهرين لرؤية مستقبلية موحدة حول ايران ما بعد سقوط النظام، وهذا يمنح النظام اللعب على تناقضات المعارضين لها، والتفرد بهم، كما حصل في السابق. ولا يمكن لوم المتظاهرين على ذلك، كون الحراك عفوي، ولا يقاد من قبل أحزاب سياسية، أو شخصيات معروفة وذو ثقل معين، كما كان الحال في عام 2009 مع مير

حسين موسوي، المرشح الرئاسي السابق. وربما غياب قيادة معروفة للإحتجاجات، يمنحها حظ التأثير، وربما تغيير المشهد السياسي في إيران. لأن غياب مثل هذه القيادة يصعب على النظام المهمة، وإلا قامت بتصفيتها جسديآ، أو زجها في السجن.

الإشكالية الثانية:

هي أن الشعوب الإيرانية مكشوفة الظهر، ولا نصير لها في الإقليم ولا في العالم، وما يسمون أنفسهم بأصدقاء الشعب الإيراني، هم في الحقيقة مجموعة كذابين ومنافقين، إن كانوا أمريكيين أو أوروبين، وعرب الخليج. وبكل سهولة يمكن إطلاق تسمية “أصدقاء السوء” عليهم.

لنبدأ أولآ، بعرب الخليج الذين كل هم هو إبعاد فكرة الثورة والديمقراطية عن منطقتهم، ومن هنا كان وقوفهم ضد الثورة التونسية والمصرية والليبية والسورية أيضآ. ومن قرأ مقالة عبد الرحمن الراشد في جريدة: “الشرق الأوسط” البارحة، وهو ناطق غير رسمي للنظام السعودي، حيث طالب علنآ بعدم دعم المتظاهرين، لأن قيام نظام ديمقراطي في ايران ليس في صالح الحكومات الخليجية المستبدة. كل ما يطالب به الخليجيين ومعهم  الأمريكيين والغربيين، هو تعديل سلوك النظام وليس تغيره. الصمت الأوروبي تجاه ما ما يحدث في ايران يلخص كل شيئ. وإذا أردت معرفة السبب، إبحث يا عزيزي عن الصفقات التجارية الموقعة بين الطرفين (الدول الأوروبية) وإيران الملالي بالمليارات.

ما يخيف دول الجوار والغرب، في حال سقوط النظام أمرين: بأن تنضم ايران الى الدول الفاشلة، ويكون مصيرها كمصير ليبيا وسوريا هذا أولآ. والأمر الثاني، هو قيام نظام ديمقراطي، وإن أشك في ذلك، بسبب تثبث الفرس بالحكم، والتعدد القومي الطامح للحرية والمساوة، والرافض للهيمنة العرقية الفارسية- الشيعية على الحكم.

الإشكالية الثالثة:

تتعلق بإستمرارية الحراك، وهذه مرتبطة بعدة إمور منها: مدى تماسك المتظاهرين، والتوحد حول أهداف محددة تجمع عليها جميع مكونات الشعب الإيراني، من قوميات وأديان ومذاهب. ثانيآ، الحفاظ على سلمية الحراك، وعدم الإنجرار إلى عسكرته، لأن هذا ما يريده النظام ويسعى اليه. ثالثآ، قدرة المحتجين على إستقطاب جميع القوميات والفئات العمرية والنساء، وإشراكهم في الحراك، ليشمل جميع الأقاليم والمحافظات،

كي يكون حراكآ شعبيآ وطنيآ، لا إقليميآ وفئويآ، كي يشكل ضغطآ حقيقيآ على النظام، ليدفعه إلى تقديم تنازلات ملموسة وجوهرية للمتظاهرين.

وأخيرآ، لا بد من التوقف عند موقف الأطراف الأكثر توجسآ مما يحدث في ايران، وفي مقدمتهم النظام الأسدي الطائفي، وحزب الله اللبناني، وتركيا. فتركيا تتخوف كثيرآ من

إنهيار النظام الحالي، وقيام نظام ديمقراطي فدرالي، لأن ذلك يؤثر تأثيرآ مباشرآ على وضعها الداخلي، وهي التي تعاني ذات المشاكل، وخاصة مع الشعب الكردي. وبالنسبة

لنظام الأسد وحزب الله، فما يحدث في ايران يهمهما جدآ، وهي قضية موت وحياة لهما. كون ايران هي الرئة التي يتنفسون منها، ولولا ايران لما استمر النظام السوري وحليفه حزب الله على قيد الحياة حتى الأن.

03 – 01 – 2018