من تأسيس الدولة إلى الاستسلام المهين – هاشم عارف أمين

قد يعتقد البعض إن ما حدث في 16 تشرين الأول 2017 كان حدثا آنيا تابعا إلى الظروف الطارئة التي أحاطت بالعراق وبكردستان. بيد أن الأمر لم يكن كذلك وإنما كان نتيجة أكثر مما هو حدث مستقل ومرتبط بظروفه الآنية. لقد كان الحدث خيانة قومية ووطنية عظمى ومن النوع الثقيل بحيث أن مثل هذا الأمر ما كان له أن يحدث في أي مكان وفي أي زمان ولكن لان الكرد عموما عن بقية الشعوب هم خارج السرب ولهم سماتهم الغربية والعجيبة فقد حدث ما لم يكن يجوز أن يكون في الحسبان!

هل هناك شعب في العالم لا يكون مستعدا للدفاع عن أرضه بحيث أن ساسته وجنوده يهربون من معركة الشرف والكرامة تاركين أكثر من نصف مساحة وطنهم للعدو وضاربين عرض الحائط مصير شعبهم من نساء وأطفال ومدنيين من دون أن يشعروا بالعار والفضيحة؟! إن مثل هذا الشعب لا يستحق الحرية فما بالك بالاستقلال وتشكيل دولة. إذ أن ما حدث معناه إن هؤلاء الذين فرضوا أنفسهم ساسة وقادة لم يكونوا مستعدين إلا للهروب فكيف إذن يريدون تشكيل دولة هم ليسوا مستعدين للدفاع عنها ولو ليوم أو بعض يوم؟!

لقد هربوا جميعا حيث الساسة وجنود البيشمركة ورجال الشرطة والأمن وكان عددهم عشرين إلفا او يزيدون! كل ذلك خلال ساعات في ليلة ظلماء كان القمر قد أصابه الخسوف من الخجل والشعور بالإحباط من عمل هؤلاء الجبناء الذين كلما كانت رتبهم اكبر كان جبنهم اكبر! هل رأت الشمس عارا اكبر من ذلك طوال عمرها الذي يزيد عن أربعة ألاف مليون سنة؟ّ

لقد كانت الخيانة دائما سمة مميزة لقادة الإقليم الكردستاني منذ البداية وما حدث لم يكن أمرا بعيدا عن المنطق السياسي والعسكري وذلك يعود إلى الخيانة التي حدثت في 2003 بعد ما تم كنس البعث من السلطة من قِبَلْ أمريكا وسقوط الدولة العراقية برمتها.

ذهبت طائفة من الكرد الانتهازيين والوصوليين والمتملقين والمتزلفين من أصحاب العقول الفارغة والغباء السياسي المطلق إلى بغداد العروبة والإسلام دون شرط أو حساب. ذهبوا وهم فرحون حيث المال والمنصب كانا بانتظارهم. لم يطالبوا بشيء إلا ما قد تمت كتابته في الدستور العراقي ذي المواد العامة والمطاطية التي من السهل جدا تأويلها حسب الظروف وحسب المزاج الشخصي للعراقيين أنفسهم أو حتى عدم الاعتماد على ذلك الدستور السخيف بل ورميه في مياه دجلة الخير وأم البساتين! إن الدستور هذا ينص على أن العراق وطن واحد وارض واحدة وشعب واحد بيد أن نظام الحكم فيه اتحادي! يا تُرى من هو الكردي الذي وافق على ذلك إن لم يكن غبيا إلى أقصى حد ممكن؟! إن النظام الاتحادي ليس نظاما للحكم وإنما هو للدولة! فهناك دول اتحادية ودول موحدة أي لا تتألف من أقاليم أو وحدات ذات استقلال ذاتي تابع للدولة المتحدة في نهاية المطاف. إن الكرد الذين شاركوا في كتابة الدستور كان على رأسهم فؤاد معصوم ذلك العراقي الذي أصبح رئيسا لجمهورية العراق لأنه أكثر عراقيةً من صدام وقاسم والعبادي والمالكي ومخلص كذلك أكثر منهم بمراحل! ثم أن كتابة المادة 58 والتي أصبحت فيما بعد 140 كانت من بنات أفكار جلال الطالباني على أغلب الظن لا لكي يتم تطبيقها وإنما فقط كتابتها من اجل خداع الكرد وطمأنة العراقيين على حد سواء! ووافق على ذلك مسعود البرزاني وجميع الساسة الكرد الساذجين والخونة والفاشلين. وعليه صار جلال المذكور هو الآخر رئيسا للجمهورية على حساب مصير كردستان وشعبها المخدوع من قِبلْ قادته قبل أعدائه! وإلا هل هناك إنسان يملك ذرة من الكرامة والشرف والشعور القومي والشرف الوطني بإمكانه الموافقة على وضع أرضه التاريخية في المزاد العلني بحيث يطلق على نصف مساحة وطنه اسم “المناطق المتنازع عليها” وهذا معناه أن هذه المناطق ليست من الضروري كردستانية وإنما قد تكون عراقية وفي النهاية من الذي ينتصر بالطبع الجانب الأقوى حيث دولة العراق! فهل الذين عادوا إلى بغداد الغدر والخيانة والى عراق الاحتلال والاهانة كانوا ساسة أم سماسرة في سوق النخاسة؟! كانوا بالفعل تجار قضية وسماسرة أغبياء وحمقى لا وجود لهم إلا في كردستان المبتلية بهم. كان من المفروض أن يطالبوا وعلى اقل تقدير بحدود كردستان التي يعرفها العراقيون قبل غيرهم بيد أن العائدين إلى الصف الوطني العراقي لم يفعلوا حتى هذا ورضوا بالحدود التي منحهم إياها صدام والبعث في 1974! إن دماء الوطنية والبطولة وحب الحرية والاستقلال لا تجري في عروق هؤلاء وإنما دماء الخيانة والشعور بالنقص والدونية والذل والعار.

واليوم وبعد أن خسروا القضية برمتها وذهب أكثر من نصف مساحة كردستان إلى جحيم الحشد الشعبي والحشد التركماني، نرى ساستنا وهم ليسوا بساسة اللهم إلا بالاسم، نراهم يتوسلون لدى العبادي كي يستقبلهم وهم أذلاء صاغرين بيد أن الأخير يرفض حتى ذلك أي انه أكثر وقاحة وبجاحة حتى من صدام الذي كان دائما يستقبلهم رغم أن الاستقبال كان مجرد وسيلة للاهانة والتصغير بيد أنهم هم هكذا يحبون الأعداء وينحنون امامهم وينبطحون وهم فرحين فهل هم مازوكيين أم ماذا؟!

إن الأمر الذي هو في حقيقة الأمر مجلبٌ للتعاسة والإحباط إنهم ما هربوا امام جحافل من قوات هتلر ورومل أو من قوات أمريكا الخاصة وإنما من قوات الحشد الشعبي والحشد التركماني وهؤلاء عمرهم اقصر حتى من عمر الضفادع بيد أن قواتنا المسلحة عمرها أطول من عمر الفيلة ومع ذلك فروا دون خجل أو حياء! فيا لتعاسة شعبٍ هكذا هم ساستهم وقادتهم الذين يقتلون المدنيين المتظاهرين ويهربون من العدو الحقير وهم خائفين مترددين مفزوعين ومتخاذلين!

إن الأمر المحزن حقا هو أن الساسة الفارضين أنفسهم ورغم فشلهم الذريع وهزيمتهم النكراء لا يخجلون ولا يستقيلون ولا يتركون السلطة للشعب بل هم متمسكون بها تمسك الحمار بالبردعة – مع احترامي إلى الحمار بطبيعة الحال لأنه أعقل واشرف منهم إلف مرة – ويتبجحون ويخوّنون بعضهم بعضا وكأنهم كلابُ مستعرّة ثم فرت وكأن شيئا لم يكن.

الآن وقد مرت شهور لا زالوا يستنجدون بالعبادي الذي لم يكن شيئا مذكورا قبل أن يظهر فجأةً ويصبح رئيسا للوزراء في حين أن الكثير من ساستنا قد مارسوا السياسة منذ نصف قرن أو أكثر ومع ذلك لم يتعلموا شيئا وتحولوا إلى متسولين  يطلبون المال وهم جالسين عند أبواب الحسينيات في بغداد المنصور والحجاج! العبادي الذي تم رجمه بالحجارة من قِبَل المتظاهرين قبل أيام مما اضطر أن يهرب أمام الجموع المحتشدة بسيارته، هو الذي يتذلل له ساستنا الصغار ويطلبون منه الصفح والغفران! فهل هناك هزيمة نفسية وأخلاقية وإنسانية وسياسية اكبر من ذلك في تاريخ السياسة؟!

ان الخيانة تجري في عروق هؤلاء السفلة الذين لا يفكرون إلا في المال والمنصب فيحصلون على الأول بالسرقة والاختلاس وعلى الثاني بالانبطاح والركوع للأعداء ولكل من هب ودبّ من الأجانب. فلنرى كيف ومتى خانوا:

خانوا عندما ذهبوا الى بغداد للمرة المائة او الالف دون ان يحصلوا على شيء إلا المال والمنصب ضاربين عرض الحائط هدفي الحرية والاستقلال. وقالوا بأنهم ومعهم الشعب الكردي بأجملهم عراقيون أصلاء على حد قول جلال المقبور وان كردستان جزء لا يتجزأ من العراق وبأنهم لا يريدون تقسيم العراق ابدا!

خانوا عندما جاء الامريكان وتحولوا الى عبيد مطيعين لهم دون أي مطلب او أي اتفاق حتى وصل الامر ان جلبوا لهم نساء كردستان كي يرقصن معهم دون خجل او حياء! وقد طبّلوا وزمّروا لما أطلقوا عليه كذبا وبهتانا التحالف الكردي الأمريكي. فيا تُرى هل هناك تحالف في هذا العالم بين شعب ودولة؟!

خانوا عندما حولوا كردستان الى اقطاعيات عسكرية حيث لكل حزب ميليشياته التي عملها الدفاع عنهم لا عن الوطن.

خانوا حينما هربوا من شنكال وتركوا أهلها لقمة سائغة لوحوش داعش الإسلامي وكانوا في ذلك من المتخاذلين والجبناء.

خانوا حينما استولوا على كل ما للدولة من مؤسسات حتى المدارس والجامعات والشرطة والأمن بل وحتى العقارات.

خانوا حينما حوّلوا الصحافة الى مهازل من الأكاذيب والنفاق حيث لكل حزب قنواته الفضائية وصحفه اليومية حيث باع الصحفيون انفسهم للأحزاب وجعلوا من الصحافة مهنة المرتزقة والفاشلين.

خانوا عندما أهملوا قطاعات الصناعة والزراعة حتى حولوا كردستان الى مجتمع استهلاكي يعتمد في غذائه ودوائه وسلعه وخدماته على الأعداء حيث تركيا وإيران. فلا اسسوا معملا للدواء ولا شيدوا مصنعا للأسلحة ولا حتى معملا للخياطة على سبيل المثال لا الحصر.

خانوا عندما هاجموا قوات الأجزاء الأخرى من كردستان وحاربوهم لحساب ايران وتركيا وسوريا كما حاربوا بعضهم بعضا من اجل المال لا غير.

خانوا حينما نشروا الرذيلة والدعارة في المجتمع الكردستاني حيث مثل هذه المظاهر والظواهر كانت غريبة عن هذا المجتمع منذ قديم الزمان. ان السلطة الفاسدة تخلق مجتمعا فاسدا كي يعيش عليه ويتطفل كما رأينا قد حدث.

خانوا حينما خلقوا جيلا من الشباب المائع الذي لا يفكر إلا في الملذات المادية حالهم في ذلك حال انفسهم الميتة وأدمغتهم الصدئة.

خانوا حينما لم يبنوا جيشا وطنيا مهمته الدفاع عن الوطن.

خانوا حينما لم يضعوا دستورا للبلاد بعد مرور اكثر من ربع قرن على حكمهم المشئوم.

خانوا عندما لم يستطيعوا او بالاحرى لم يرغبوا حتى في توفير الماء والكهرباء للمواطنين وذلك اهانة لهم وازدراءا بهم بل وشتامة وضحكا على الذقون.

خانوا حينما لم يفكروا حتى بتوفير وسائل المواصلات العامة في المدن وبين المدن كما لم يفكروا حتى في تشييد سكك الحديد لربط المدن الكردستانية بعضها ببعض.

خانوا حيث لم يطالبوا حتى بكتابة اسم كردستان على خارطة العراق حيث هذا من الطبيعي بالنسبة لكل دولة اتحادية. ثم هل هناك دولة اتحادية في العالم او بالاحرى في القاموس السياسي باقليم واحد فقط؟! فعلا ان الحماقة بلا حدود!

خانوا عندما جعلوا من البرلمان وسيلة لتثبيت شرعيتهم المعدومة أساسا حتى تحول الى مجرد بيت شعر ليس فيه إلا الذين يطربون للسلطة ويطلبون منها الأراضي السكنية والسيارات الفارهة.

خانوا وقد جعلوا من الحكومة مجرد مغارة اللصوص ليس إلا وفي حقيقة الامر ان السلطة الحقيقية بيد مكتبين سياسيين فيهما شرذمة من الخونة الفاشلين الاغبياء من عائلتين متخلفتين ومنحطتين عقليا وفكريا وأخلاقيا وإنسانيا ونفسيا هما عائلة جلال وعائلة مسعود.

خانوا عندما أرادوا ان يؤسسوا دولة وبدلا من ذلك سلّموا نصف مساحة الوطن للأعداء دون أي إحساس بوخز الضمير وكيف ذلك وهم قوم لا يشعرون.

خانوا وهم يجرّون وراءهم اذيال الخيبة والهوان بعد مئات المرات من الذهاب الى عاصمة الغدر والصحراء ومع ذلك هم مستمرون في هذا التوجه الى ابد الآبدين.

خانوا عندما صاروا اغنياء ومترفين من أموال الشعب المسروقة علنا.

خانوا وخانوا وخانوا ولا زالوا مستمرين في الخيانة حتى غرقوا فيها ومع ذلك لم يستيقظ الشعب كي يتحمس ويكنسهم كنسا كما تُكنس القمامة والقاذورات.

 

هاشم عارف أمين

3 Comments on “من تأسيس الدولة إلى الاستسلام المهين – هاشم عارف أمين”

  1. Bi Namî (navî) Mehreban û Dilovan
    Her peyv bi peyv ku mi dixwend .. Wekî ava hênik ji buhuştê û ava kelî ji wêlderesê (cihenimê) li dilê min re derbas dibû

    Carna hênik dibû û sar dibî, pê re, dikelî û dipujikî mîna volkanê dipeqî
    Gotarek pir rast bû, û mi bi xwendina wê kêfxweş bûm, lê hîn dilê min rind rehet ranewestîye ji alîya du qeşmerên me Kurdan ( Berzanî û Telbanî) … Lê gerek em nam (nav) li wan bikin :
    Berazî* û Derpanî*

    =======
    * Berazî : ajelek hovî ye, û tê kedîkirin zî (jî) , bi namên dî zî (jî) tê nasîn, wekî, Berazî = Waş = Xenzîr
    * Derpanî : ji du wûta û peyvên ( Derpî + Anî ) !!!I

  2. كتبت و اصبت بكل شجاعة و جرعة كبد الحقيقة. ان ما ذكرته يا السيد المحترم لهو واقع الشعب الكردي من تاريخ سحيق الى يومنا هذا و المهزلة مستمرة. ولكن هناك بصيص امل ما يزال هناك اقلام شريفة لم و لن تعرض للبيع و لا تستأجر بثمن بخس.٠

  3. الشعب الكوردي أيضاً كان غبيّاً عندما صوّت بنسبة 93% على الإستقلال ، وهو يعلم حجم البيشمركة وإستعداداته الهشة للقتال والدفاع عن الإستفتاء ، منذ خروج بوش الإبن من الحكم باتت المواجهة حتميّة إن تشبث الكورد بمبدأ الإستقلال , أو حتى الأراضي الكوردية المستقطعة دون الإستقلال ، كم من المناورات أجراها البيشمركة وما عدد المقاتلين وعُددهم وكيف الإنظباط فيه وإستعداداته … يوم هربوا من سنجار كان يجب وضع قادة الجيش والمسؤولين في قفص الإتهام العسكري ، لكن شيئاً لم يحدث ، وكما قال المثل الكوردي يوم ضاع الثور, قال أبو البنين إبحثو عن الديك فيوم ضاع الديك وتركوه كان الثور قد ضاع ، وهكذا كركوك طارت يوم طارت سنجار
    أما الخيانات التي يتحدثون عنها فهي كلها باطلة ،إنما ذرائع يتذرع بها المسؤولون عن الجيش الكوردي الكارتوني ، كامل العدد والعدة في السجلات وحسابات الرواتب ، لكنهم لم يٌُاتلو لأنهم لم يكونو موجودين كما يتطلّب الوضع وينفي القادة ذلك ويلجأون إلى تخوين من ليس مسؤولاً في القوات المسلحة

Comments are closed.