اول المؤامرات تأجيل الانتخابات- جعفر جخيور

بعد ان مرت ايام من السجال والمخاضات العسيرة خرج لنا اخيراً شكل التحالفات القادمة وماهي طبيعتها وطبيعة الاحزاب المنضوية خلفها، بعد مشهد ضبابي دراماتيكي جمع البعض وفرق الاخر وقرب البعيد وابعد القريب، حتى ان بعض مفارقات السياسة العجيبة اصبحت مصدر سخرية للكثير من المواطنين، لجهل السياسين وما يتفوهون به وما يقطعونه على انفسهم من وعود والتزامات، رغم ان السياسة هي فن الممكن والمتغيرات، وقد بدأت الاصوات تصدح عالياً بحب الوطن والولاء له والتفاني في خدمة المواطن، معلنين بذلك دعاية انتخابية مبكرة مع البواكير الاولى لرؤية التحالفات النور بشكل رسمي قانوني وعلني، بعد ان اعلنت المفوضية عن انتهاء مهلة تسجيل التحالفات ونشرت القوائم الرسمية بذلك.
ما ان انتشى البعض بتحديد موعد الانتخابات وبدأ العد التازلي ليوم الاقتراع ظناً منه وتفاؤلاً بالتغيير على كافة الاصعدة، واتساع دائرة الخيارات المطروحة بالاضافة الى الاصوات المتعالية والمنادية بتمكين الشباب، واضفاء روح شبابية على شكل الحكومة القادم ومنظومة الحكم والدولة؛ لما للشباب من قدرات كامنة وطاقة متجددة والعزيمة الكبيرة في محاولة ارجاع العراق لسكة التقدم وعجلة البناء، والسير به على خطى ثابتة لألتقاط انفاسه ومعالجة جراحه حتى يتماثل للشفاء سريعاً وانقاذه من حافة الهاوية، حتى ظهرت لنا اصوات النشاز والاشمئزار بحجج واعذار واهية لتأجيل الانتخابات لعام كامل!!.
قد يظن البعض ان مقترح تأجيل الانتخابات موضوع عابر وغير مهم القصد منه هو مكاسب انتخابية انية او مستقبلية فهو واهم، توقيت المقترح وطرحه بصورة رسمية وعلنية الان ليس اعتباطاً انما جاء بعد ان اتضحت معالم الانتخابات بصورة كاملة واكتملت كل مقومات نجاحها، فضلاً عن وضوح صورة وشكل التحالفات وما ستؤول اليه النتائج فيما بعد حتى تكاد ان تكون الحظوظ بالفوز معروفة بأرتفاع اسهم البعض وانهيارها عند الاخر، من خلال اصداء الشارع ومدى مقبولية العنوانين المطروحة وتفاعل المواطنين معاها بالسلب او الايجاب، ما كان من المفلسين الا ان يتحركوا داخل البرلمان وبصورة سريعة ومباغتة بجمع تواقيع لتأجيل الانتخابات وجعل التصويت على مقترح التأجيل سرياً، وهذا ما لاقى استحسان البعض والذين هم قطعاً في الدورة القادمة خارج كل الحسابات والتوقعات ومنهم من عزف عن الترشح اصلاً؛ لفقدانه الحظوظ بالفوز مبكراً.
مجرد التفكير بتأجيل الانتخابات هو خرق قانوني ودستوري فضلاً عن كونه قفز على كل مبادئ الحرية والديمقراطية، وتناقض واضح في المواقف والتصريحات وما يصدر منها، حيث اختلف الظاهر عن الباطن فصار ما يخرج من الحنجرة منافي تماماً ما يجول في النوايا والخاطر، فقد اعتاش البعض من الانتهازيين والنفعيين على الظروف الحرجة التي يمر بها البلد في اثراء جيوبهم واتخام بطونهم من سلب خيرات العراق، حتى صاروا طفيليين لا يعرفون الا الظلام والعتمة لينهبوا قوت ابناء جلدتهم واخوتهم في الدين والوطن، ويعملون على ديمومة ظروف المعيشة الطفيلية لأستنزاف اكبر ما يمكن استنزافه، فتراهم يخرجون بمقترحات ومشاريع قوانين تعرقل سير العملية الديمقراطية في البلد، والعمل على اضعاف السلطة التشريعية والتنفيذية من خلال اثارة هكذا زوبعات وفي اوقات حرجة ومفصلية، بعد ان صار التوجة العام صوب الانتخابات والتغيير ووصول العملية الانتخابية لمراحلها الاخيرة.
وجود قوى سياسية وطنية داخل قبة البرلمان حريصة على المنظومة الديمقراطية وانجاح التجربة في البلد، ستكون كفيلة بكبح جماح كل حركة من شأنها تقويض العملية السياسية والانتخابية في البلد، قادرة على تمييع كل مقترح يحمل بين طياته ابعاد تخريبية ومصالح فئوية ضيقة؛ لأن العراق فيه الكثير مما يفوق التوقعات وبسواعد الرجال المؤمنة بحب الوطن المطلق والذين لا يقبلون فيه المساومة او المزايدة، قادرين العبور بالبلد لشاطئ الامان تاركين خفافيش الظلام تجلدهم سياط التاريخ كلما تصفحناه.