حوار مع الكاتب الكردستاني جوتيار  تمر- اعداد وتقديم: عائشة كمون

حوار مع الكاتب الكردستاني جوتيار  تمر

” أنا فقط أنتظر اللحظة الشرسة والمكان لن يختلف معي سواء أكان الجحيم.

الخراب الأرضي الذي نحن عليه… أم الجنة الموعودة.”

اعداد وتقديم: عائشة كمون

 

يعانق الجرح العنيد ويدمن اللحظة الواعية لا العابرة ليكشف لنا في أعماقه ناقدا أدبيا متوثبا يسعى الى تفكيك النّصوص وتحليل أعماقها الدفينة … يطرح اراء يطرزها بجرأة وفهم، يعمل على إرساء ثقافة جادة في الساحة الأدبية لمواجهة الكم الهائل من الأقلام الدخيلة.

و لنا معه هذا الحوار الذي سنكتشف به أسئلة عديدة تفتح مجالا للنقاش العميق الذي نهدف اليه   :

حاورته : عائشة كمونشاعرة  و إعلاميّة تونسية 

 

– في البداية حبذا لو تعطي قراءنا نبذة عن سيرتك الذاتية، وتُطْلعهم على نشاطك و إنتاجك ؟
جوتيار تمر صديق من مواليد محافظة دهوك في اقليم كوردستان، حاصل على شهادة الدبلوم في اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، وبكالريوس تاريخ كلية الادب في جامعة دهوك، وماجستير تاريخ عصور وسطى من جامعة دهوك ايضا.. مهتم بالدراسات التاريخية بالاخص فيما يتعلق بفلسفة التاريخ، لدي العديد من البحوث التاريخية المنشورة في المجلات الاكاديمية، كما لدي “تسع” مؤلفات بين تاريخية ( الكورد القيمرية – امراء في الدولة الايوبية ) وفكرية فلسفية ( بشر يمتهنون صناعة الالهة – قراءت حول الارهاب – قراءات حول اوضاع الشرق الاوسط والقضية الكوردية) وادبية ( ديوان شعري بعنوان سيبل
sepal– مجموعة قصصية ومسرحية بعنوان موت اكبر من موت -قراءات نقدية حول نصوص كوردية معاصرة – قراءة في دوافع هلكورد قهار الشعرية وتنوع مصادره ومشارك في العديد من المؤلفات الاخرى ( ديوان شعري مشترك مع الشاعرة التونسية ضحى بوترعة ” دم ميديا سقف قرطاج ” ، ديوان اخر مشترك مع الاديبة المصرية د.عايده بدر ( العابران )، مشارك في ديوان شعري مشترك مع ادباء عرب من اصدارات منتدى انانا (الانفلاتات ) كما شاركت في العديد من الكتب الاخرى النقدية والشعرية، لدي مساهمات ادبية اخرى حيث قدمت للعديد من الدواوين الشعرية على مستوى الوطن العربي من المغرب الاديب الكاتب عبدالرحيم الحمصي من تونس الشاعرة سندس بكاره والشاعر محمد فرج الازرق من ليبيا الشاعرة غادة البشاري من مصر د. ثروت عكاشة السنوسي والاديبة د. عايدة بدر والشاعر محمد دحروج، ومن الاردن الشاعر الاديب محمد خالد النيبالي، ومن لبنان الشاعرة احلام الدردغاني والشاعرة فلورا قازان ومن سوريا الشاعرة املي القضماني والشاعرة مريم الصائغ.

 

 

قراءة الإبداع بمختلف أجناسه على الشبكة العنكبوتية/ الإنترنيت، هل عوضت فعلاً حميمية ودفء ومتعة الكتاب الورقي؟

لا ولن تفعل ابداً باعتقادي…

 

متى تقول: فليذهب الشعر إلى الجحيم؟

حين لايخرج  الشعر من الجحيم…

 

ماذا عن جديدك الإبداعي؟

ربما ذكرت جديدي فبعد ” امراء في الدولة الايوبية ” اعمل كتاب اخر هو الاخر بعيد عن الشعر والنقد والقصة .

 

أين أنت من الساحة الإعلامية؟
بعيد كل البعد… دائما اتوارى.. واجد في البعد عن الاعلام نقاء لتلك المبادئ التي أحب ان اكتب وفق نهجها .

زمان ومكان الكتابة يختلف من مبدع أو شاعر لآخر، منهم من يكتب في الليل، ومنهم في ساعات الصباح الأولى، بعضهم يفضل المقهى، آخرون عزلة في مكاتبهم، كيف هي طقوس الكتابة عندك زمنيًّا ومكانيًّا؟

لا ثوابت عندي … فأنا فقط انتظر اللحظة الشرسة والمكان لن يختلف معي سواء أكان الجحيم.

الخراب الارضي الذي نحن عليه….أم الجنة الموعودة.

هل لديك مواقف شخصية ضد أحد الشعراء؟

نعم.. فانا انسان… ولكوني كوردي لا انتمي الى العروبة…وجدت بعد الاحداث الاخيرة في ” اقليم كوردستان ”  اقصد استفتاء كوردستان ،مواقف جعلتني اشمئز من تصرفات وكلام البعض تجاه قومي وشعبي الكوردي.. وحين واجهتهم بالمنطق نعتونا بأبشع ما يمكن ان يصدر من مَن يدعي كونه انسان.. لذا نعم لدي مواقف ضد العديد منهم… لكونهم فيما يخصهم محافظون.. ولكن فيما يخص غيرهم جاحدون.

 

قد نرى أن حضورك كناقد طغى على حضورك كمبدع هل هنالك ثمة علاقة جدلية بين النقد والابداع ا؟ وكيف وفقت انت في تجربتك الإبداعية في كلا المجالين بين نوعين مختلفين من الكتابة؟

الشمولية تعطي الناقد القدرة على خلق الكثير من الممرات الابداعية ضمن الداوئر والاجناس الادبية التي يعمل عليها فيستطيع ان يعطي لكل منها خصوصيتها النقدية، ولكن هذا لايعني ان درجة الابداع لاتأتي الا بعد بلوغ اعلى الدرجات لكون المعايير التي تعتمد لاختيار اعلى الدرجات هي نفسها مثار نقد ونقاش بين الاوساط الادبية، لذا اعتقد بان المعيار يعتمد على نوعية العطاء الذي يقدمه الناقد وليس كمية العطاء، فالنوعية هنا يمكنها ان تعطي للناقد تلك الصفة الابداعية العامة، على هذا الاساس لا يمكن ان اقيم نفسي بنفسي، كما لا استطيع ان انفي بان النقد والتحليل والتفكيك هي من السمات التي تجذبني اكثر كوني اوظفها كلها في دراسة التاريخ، وبذلك لربما يوجد العديد من الاعمال الادبية الاخرى لدي كالمسرحيات والقصص والمقالات وغيرها لكني حين امارس النقد اجدني انطلق بمنطق الخصوبة التحليلية والتفكيكية، وحقيقة انا للحظة التي اكتب فيها الان لا اعرف ما هي المعايير التي يمكنني ان الزم الاخرين بها كي يصنفوني مبدعاً،او ناقداً او شاعراً او قاصاً او حتى مختصاً بالمسرح، فانا امارس هذه الاجناس الادبية وفق معايير قلتها سابقاً وغرضي اوضحته، واضفت اني في الاساس اميل الى اختصاصي التاريخي.

 

 

هل يعتبر النقد الأدبي فنا؟

هذا السؤال جعلني استرجع في ذاكراتي كتاب “في نظرية النقد” للدكتور عبدالملك مرتاض حين يطرح سؤال مهم جدا هل النقد علم أم فن وهو سؤال يحرطه الباحث ويجيب عليه بنفسه حين يقول بأن النقد علم حين يسعى الى تاسيس احكامك وتعليل مقولاته وتأسيس نظرياته اما على الجمال واما على التاريخ واما على علم الاجتماع واما على علم النفس واما على اللسانيات واما على السيميائيات كما تتمثلها جوليا كريستيفا واما على طريقة جاك ديريدا واما على اشياء اخرى، والنقد يكون فن حين يتطلع الى ان يجعل من قراءة نص من النصوص الادبية تحفة ادبية يستحلص من خلال تجسيدها عناصر الجمال ومواطن الابتكار ومظاهر الجدة، خصوصاً ما يحمل القارئ على الاعجاب، وما يغريه بالتعلق بالنص المقروء.

 

– هل يعتمد الناقد مبدأ المفاضلة لغربلة المنتوج الأدبي؟

هذا السؤال وجه لي بصيغة اخرى في احدى الحوارات السابقة مع احدى المواقع الادبية حيث اعتمد المحاور بدل صيغة المفاضلة لماذا الشاعرات اكثر حظوظاً بالدراسات النقدية من الشعراء :وقتها قلت بانه علينا ان لانتجاوز بعض الخطوط ذات العلاقة بموضوع الاختيارات النقدية قبل ان اخوض في موضوع من يلفت النظر ، فلربما تجد الشاعرات اكثر حضوراً وانا سأتحدث عن تجربتي ولن اعمم ، لكونهن اكثر جرأة في الطلب والسعي لابراز اعمالهن، فالشعراء ” الذكور ” على الغالب يرى نصه وشعره ارفع من يكتب عنه مثلا اي ناقد، لذا يبقى ضمن دائرته الفوقية تلك ولا يبحث عن من يقرأ ويكتب عن تجربته الا ضمن حدود الفوقية نفسها، اي الا اذا استطاع من اقناع ناقد له شهرته ومكانته والى غير ذلك، اما الشاعرات فهن يدركن بان المسيرة يجب ان تبدأ بكسر الحواجز والمعيقات الاساسية التي تواجهها كعنصر ادبي، فتبحث عن من يكتب عن نصوصها لتدخل دائرة الرصد الادبي عبر النقد نفسه، وهذا ما يجعلهن بنظري اكثر حضوراً، ناهيك عن امر اخر فانهن يؤمن بان النقاد ليسوا كلهم نقاد ادب، بل ومن حلال تجاربهن اصبحن يؤمن بان الكثير ممن يدعي النقد لا يقدم لهن شيء دون مقابل، وهذا ايضا يفسر بحثهن عن من يحترم وجودهن ويثقن به.. أما ما يخص الملفت لنظر الناقد بالتأكيد نظرياً يجب ان يكون النص هو الاساس للتفاعل النقدي والاختياري، ولكن هذا لا يمنع ابداً ان يختار الناقد نص على الاساس الطلب او المعرفة الشخصية على ان يلتزم بالناقد بالاساسيات الممنهجة في دراسته، وشخصياً ارى ان النقد الذي يحاول ان يقتل الكاتب في نصه بعيداً كل البعد عن الرؤية الحداثية للنص الادبي، لانه لايوجد نص كامل فدائما هناك ما يشوب النص ولكن على النقاد التعامل مع ذلك بعين لاتحط من قيمة الكاتب.. فالنقد الحقيقي بنظري لايبنى على محاولة عرض العضلات اثناء كتابة الدراسة النقدية او القراءة النقدية، لكون النقد الحقيقي بنظري هو ما يمجد الفعل الانساني الادبي ومحاولته في ابراز مكنوناته الذاتية عبر تلك الدلالات التي قد تأتي ضمن دوائر النقد بصورة ايجابية او قد يشوبها بعض الخلل.

 

(النقد) موضوع مترامي الأطراف وشائك بين الشعراء فإذا تكلم أحدهم بملاحظه وأعتبرها نقد بنّاء ففي المقابل وأغلب الاحيان يكون هناك تفسير بإنها نقد هادم او تبرير الغلط بحجه واهيه اعتقاداً منه أن النقد لجنابه يعتبر نقصاً فيه …

فما هو موقفك من النقد هل أنت مؤيد له؟

وإذا كنت مؤيد هل تتزعم أنك ترشد من ترى انه يسير في الدرب الخطأ؟
شخصياً ارى ان النقد الذي يحاول ان يقتل الكاتب في نصه بعيد كل البعد عن الرؤية الحداثية للنص الادبي، لانه لايوجد نص كامل فدائما هناك ما يشوب النص ولكن على النقاد ( ليس فرض رأي) التعامل مع ذلك بعين لاتحط من قيمة الكاتب.. فالنقد الحداثي و الحقيقي بنظري لايبنى على محاولة عرض العضلات اثناء كتابة الدراسة النقدية او القراءة النقدية، لكون النقد الحقيقي بنظري هو ما يمجد الفعل الانساني الادبي ومحاولته في ابراز مكنوناته الذاتية عبر تلك الدلالات التي قد تأتي ضمن دوائر النقد بصورة ايجابية او قد يشوبها بعض الخلل، وهذا ما يجعلني اقرأ النصوص بشكل بعيد عن الانفعالية المتحمسة التي تقصم ظهر النص وصاحب النص، انما احاول المزج بين التحفيز والتوجيه، فالنقد لايمكن ان يتعدى قيمه الجمالية الى ابعاد الشخصنة والتنقيص.

 

– النقد يهدف لإضاءة العمل الإبداعي، كيف تنظر للعلاقة القائمة بين القصيدة والنقد في مشهدنا الشعري الراهن؟
العلاقة توافقة داعمة للاستمراية بين الجانبين لاسيما حين يتسم بالشاعر بالشغف الشعري والناقد بالموضوعية النقدية، المشهد الحالي والسابق والاتي لن يخرج عن الاطر والاسس التي بني الشعر والنقد عليها هذا من حيث النظرة الاكاديمية والمنهجية والتي من المفترض ان تكون عليه، ولكن دائما هناك خروقات تفجع المشهد الشعري والنقدي من خلال استغلال المسلكين لاغراض شخصية ولاهداف لاقيم لها ” المصلحوية ” وبعيدا عن ذلك فالمشهد تراكمي ابداعي ينفجر بين فينة اخرى بالابداعات.

 

في ظل الخراب الذي يعم العالم هل ما زالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها؟

اي شيء يلامس كينونة الكائن الانساني يكون له حضور بلاشك، وطالما ان الانسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع ويخلق ما يدمره ويفنيه، فانه دائما يلجأ الى تلك الاشياء التي تمجد صنيعته، سواء بالسلب او الايجاب، لذا بين افياء الخراب الارضي الذي تسبب به الانسان نفسه نجد للكلمة حضوراً تحفيزاً احياناً، وتحريضياً احياناً، ورثائياَ في احيان اخرى.

 

– درجة الوعي عند الشاعر بخطورة الانتساب بصدق للقصيدة، يجعله يتهيب للسفر في

مجهولها. كيف يستطيع الشاعر أن يتّق شراسة المصافحة الأولى مع النص لحظة الكتابة؟

القصيدة لربما تختلف عن باقي الاجناس الادبية كونها تأتي كومضة تخترق الجدران التي تأوي الشاعر فتجعله يخرج من دوائرها الى حالة خاصة تلك الحالة هي ما تسمى اللحظة الشرسة حيث تنقل الشاعر من ذهوله العياني الى حالة النرفانا فينقطع عن الموجودات الاخرى بصلاة خاصة ترهقه وجدانياً وتستفزه ذهنياً وتتعبه جسدياً انها لحظة اشبه بتلك التي تتناسل الالوان من ذاتها في لوحة سريالية.

 

– نلاحظ أن الشعراء يتجهون إلى الانتشار عبر الإنترنت مبتعدين عن الطباعة، فهل أنت منهم؟

احيانا تفرض الظروف عليك اتباع نمط ربما لاتحبه ولكنك مجبر.. وتتداخل عدة عوامل في خلق هذا النمط الانتشاري، وهي بلاشك معروفة لدى المتابعين بشكل جلي، وكنت ومازلت مؤمن بان ورقة مطبوعة تدخل في قلبي وعقلي راحة ربما لاتفعل العديد من الصفحات الالكترونية، بالعكس انا اغلب كتاباتي المدونة مطبوعة ورقيا.. وحتى ان اعتمدت الانترنت فانا افضل ان تكون كتاباتي مطبوعة ضمن كتب الكترونية مصنفة من قبل جهات مختصة، وهذا لايعني باني لم استفد من الانترنيت في الانتشار بالعكس تماما لانه لو كان هناك من يعرفني فانه من خلال الانترنيت بالدرجة الاساس.

– ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك سريعًا عند لقائك بها في مُنحدر اللغة؛ باب الطفولة، باب الحنين، باب الحب، باب النسيان، باب المرأة، باب المكان، باب الأم، باب الدهشة، باب الذكرى، باب الوجع، باب الأمل… وللشاعر في أبوابه أسرار وألغاز؟
الأم بالدرجة وتأتي الابواب الاخرى متوالية، كالوطن ، الطفولة، الانسانية ،والعديد من الابواب الاخرى التي تقتحم عوالم الشاعر فيجد نفسه يعيش مخاضاً خاصاً.

 

– الكتابة الشعرية انخراط عنيف في الإنصات لعوالم الداخل المشبعة بالجرح والحلم، تعرية لتضاعيف الذاكرة بِشعلة القصيدة. هل تؤمن بأن الشعر قادر على تغيير العالم إلى ما هو أنقى وأصفى في ظل السلم والسلام بعيدًا عن الحروب وقتل الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال؟

حين نقرأ الممكن الانساني ضمن سياقات الميثولوجيا سنجده كان ولم يزل في صراع ازلي ليس من الهة الحرب والدمار والقتل والاغتصاب فحسب بل مع ذاته ايضاً، هذا الصراع المحتدم خلق من الانسان كائناً لايطاق.. الشاعر ايضاً انسان بالتالي هو يعيش حالة الصراع، ولكنه يحاول ان يصيغ رؤاه ببصيرة مغايرة، وعلى الرغم من محاولاته في انصاف انسانية الانسان وابعاده عن الخراب الا انه في الكثير من الاحيان طرف مشارك في التحريض والتهويل وتوجيه الاتهام وبذلك السلم والسلام امران نعيشهما في المعاجم اللغوية فقط، واقعاً لاشيء ينتمي اليهما، لكون الانسان سواء أكان شاعراً ام لا قد سلب منهما منذ اللحظة الاولى التي هبط بها الى الخراب المسمى الارض.



-الى متى ستظل تنثر ابداعاً بعيد عن الضوء؟

حين تكتب لغرضية محددة “تبدأ بنفسك وتنتهي عند عتبات ابواب ذاتك” فانك  وقتها بنظري تتحول الى كابوس تسعى لخلق عالمك الخيالي الاسطوري بالكلمة تمجيداً لشخصك وليس تمجيداً للكلمة التي من خلالها يمكن ان تخلق مجدك الشخصي، لذا انا اكتب لازيح عن نفسي فكرة الذنب التي قد تطال الانسان الانساني الواعي بثقل الوجيعة من حوله وليس بحثاً عن المجد الشخصي الذي قد يسعى اليه البعض.. لذا اروع الاضواء هي تلك التي تجعلني اشعر باني لامست وجيعة الانسان وحاولت ان اعبر عنها بالكلمة في لحظة انسانية فريدة.

-بعد ظهور كثير من الشعراء الشباب هل الشعراء الرموز المعروفين لم يعودو وحدهم في الساحه؟

لااحد يأخذ مكان أحد، فكل يعمل ضمن صيرورته، وضمن جغرافيته، الدلالية، الفكرية، الوجدانية، الانتمائية، المعجمية، والشعراء الرموز تركوا بصمتهم الابداعية، ولهم مساراتهم التي يسعى الكثير من الشباب الى معانقة حافاتها، ومع ذلك فان الشعراء الشباب جادون في خلق انموذج لربما مغاير من حيث الاسلوب والنمط لمسيرتهم الابداعية، واعتقد بان العملية الابداعية لن تتوقف عند رمز او عند سعي شاب.

– ترجمة الشعر، هل هي خيانة أنيقة للنص الأصلي، أم ترويض اللغة بدُربة المترجم(ة) للبحث عن ضيافة متخيل آخر يُغني حركية الإبداع الإنساني، ويفتح آفاق اشتغاله على كينونة لغة بلا حدود ولا تُخوم تستهدي بنور البصرَ والبَصيرة تمنحها الذاكرة لروح الكلمات والنصوص؟

الاشكالية التي نعيشها تجاه الترجمة تتعدى جغرافية الشعر الى الابعاد غير الشعرية ايضاً، فمع ان الترجمة ضرورة ملحة للتعرف وللتعريف الا انها تحتاج الى دراية خاصة باعتباره فن خاص، انا مؤمن بان الترجمة قد تعيق حركية الصورة الاصلية قليلاً وتحيدها عن المسار ولكني مؤمن ايضاً بان الترجمة تفتح امامك تلك الافاق التي تجعلك متأكداً بان سعيك الانساني الادبي وغير الادبي قد يصل الى اماكن ابعد مما تتخيله.

ماذا عن المشهد الشعري في الوطن العربي، وهل صحيح أن المعركة حسمت جماليا لصالح قصيدة النثر..؟

معركة الاقصاء هي من ضمن الموروثات العربية على جميع الاصعدة، لذا فان كل مغاير يتحول في اصول البلاغة والبيان عندهم الى حرب وصراع، مع ان الامر لايستدعي هذا التوحش وهذا التعامل الوحشي مع التغيير، لكون التغيير سنة الحياة نفسها، ومهما تعالت الاصوات بالرفض لجنس ادبي ما، فان العزيمة على الخلق والابداع هي التي تسكت تلك الافواه، لذلك لااعتقد بانها معركة وحرب، انما هو صراع التغيير ومحاولة “خلق ابداعي” وقصيدة النثر واقع ابداعي ان انكره البعض فذلك لن يتعدى رايه الشخصي ومن يشاكله اما المؤمنون بقصيدة النثر فمن المفترض ان يستمروا في عملهم الابداعي دون ان يلتفتوا الى الوراء.

ماذا عن الطقس الكتابي لك وخاصة وأنت معروف بأنك شاعر وقاص ولك العديد من المجموعات الشعرية والقصصية؟

لاطقوس ثابتة، انما هي اللحظة التي سبق وان قلت عنها الشرسة السريالية التي تمنحنا جغرافية خاصة فننتقل الى عالم اخر بصلاة عقلية ذهنية وجدانية فننزف الحرب ونجمعها ضمن هياكل بلاغية تسمى بالكلمة والجمل فتتحول بعد تناسلها الى قصائد وقصص وافكار تذهلنا نحن وننتظر كيف يمكنها ان توصل ما التقطناه للمتلقي.

ماذا عن قراءاتك الآن؟

حقيقة انا الان ابعد ما اكون عن الشعر وذلك لانشغالي ببعض الدراسات التاريخية، كما اعمل على كتاب قد يكون مشروع اطروحة الدكتوراه ان سمحت الظروف ” جدلية المسيحين، هل هما مسيحان ام مسيح واحد ” ، لذا اغلب القراءات منصبة حول الكتب التاريخية واللاهوتية بالدرجة الاساس لاسيما المترجمة.

 

– رسائل الشعراء والمبدعين فيما بينهم كنز عظيم، وتراث إنساني عميق، لماذا تغيب عنا أدبيات جمع الرسائل ونشرها على غرار رسائل محمود درويش مع سميح القاسم، جبران خليل جبران مع ماري هاسكل، أو مي زيادة، غادة السمان مع غسان كنفاني، فرناندوا بيسوا مع حبيبته أوفيليا الخ…؟

بالفعل تلك الرسائل هي من الابداعيات التي بنظري لايمكن للوقت ان يؤثر على جمالياتها، لا من حيث الاسلوب ولا من حيث المضمون ولا حتى من حيث الجرأة والنضوج، ولعل السبب الابرز في غيابها حالياً هو ان المجتمعات لدينا تتطور فقط ضمن دوائر التقليد الاعمى اقصد ظاهرياً ولكن البنى التحتية الاجتماعية فيها تبقى راكدة غير فعالة الا من خلال الموروثات المقيدة والعقيمة احياناً، وما ذكرتيهم هم الانفلاتات الزمنية الحاصلة في هذه البنية وعلى الرغم من القيمة الموضوعية لرسائلهم الا انها تكتسب شهرتها فقط لانها خالفت السائد في الاجتماع وليس المضمون والاسلوب وهذا جحود بحقها، ومع ذلك انا مازلت مؤمن بكون هذا الجنس الادبي ابداع يستحق ان لايخفت نجمه.

 

أنت ممن احترفوا النشر الالكتروني للإبداع من خلال المواقع الالكترونية ، هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟

اعتقد باني سبق وان ذكرت باني مؤمن بالنشر الورقي اكثر، مع عدم انكار النشر الالكتروني اذا صنف ضمن كتاب صادر عن جهة، ومع ذلك الانتشار السريع الذي يحققه الشاعر في المواقع الالكترونية مرهون بنوعية الكتابة ونوعية القراء ” التلقي ” لانه قد يجد الشاعر انتشاراً مبنياً على العلاقات ضمن دائرة المواقع اكثر من الانتشار النصي المتقن، وهذا من احدى اهم العيوب التي لامستها في المواقع والمتتديات الادبية، فاكثرها تتبنى سياسة الجذب ولااريد ان اخوض في معيات وماهية الكلمة ” الجذب” لكني مؤمن بان الشاعر الواعي ينأى بنفسه عن هكذا انتشار وعليه ان يعتمد الانتشار النصي المعتمد على البناء المتين للنص واللغة السليمة والصور الحداثية ضمن هيكل شعري متقن شكلاً ومضموناً.

-موقف شعري لن تنساه وكان مؤثر !؟
في ورشة عمل لجمعية الشعراء الشباب بدهوك، كنت اقدم بعض نماذج الخلق والابداع في البنية النصية بعيداً عن المباشرة والسرد، وذلك عبر التكثيف وتحديث الصورة، وجدت احد الحضور يسألني عن بعض الدلالات التي يمكن ان يفهمها المتلقي لنص قام بالقائه، فبعد ان وضحت بعض المعالم للتفكيك النصي والبحث الماروائي، تدخل شاعر شاب وقال لا اعلم هل يمكن ان يقوم الناقد بتفكيك نصه الشعري بنفسه، فابتمست له وقلت بالفعل الامر جدلي وصعب، ولكن نحن في ورشة عمل اي نحاول ايصال الفكرة العملية الاكاديمية لكيفية تشريح النص، ولم اعرف بان تلك الومضة الشعرية كانت لاني حقيقة انسى ما اكتبه بعد الكتابة مباشرة.. ( الشاعر اعطاني ومضة لقصيدة لي ) وقتها وكنت احاول ان اقوم بتفكيك الومضة وتشريح النص..!!!!

 

– المهرجانات الشعرية، هل تخدم متخيل الشاعر، أم مجرد لقاء للأحباء والأصدقاء من جغرافيات متعددة، يجمعهم قلق القصيدة، وتفرقهم وحشة المسافة ؟
لا اعتقد بانه يمكن الفصل بين الامرين، لكونهما من ضمن الجغرافية التي يعمل عليها الشاعر ويحتاجها في نفس الوقت، هي تخدم مخيلته لاثرائها بالعديد من المشاهد الشعرية المنوعة من بيئات مختلفة واسلوبيات تختلف عن بعضها البعض، وفي نفس الوقت هي تجمعه بمصادر تلك المشاهد والرؤى بشكل مباشر.

 

-كلمه أخيره توجهها للشعراء والإعلاميين !؟

الشعر كغيره من الاجناس الادبية وجد لهدف أسمى من المصلحوية القائمة على الاستغلال والتشويه والتشهير وانقاص قيمة الاخرين سواء أكانوا اشخاص ام مجموعات او قوميات او اديان… لذا فقط اود ان اقول لهم شاركوا الاخرين انسانيتهم.. ودعوا ما يخدش صفاء الانسانية بعيداً عن المعترك الشعري والاعلامي…