الحكمة يعلن التحدي- ثامر الحجامي

 

   ليس هينا أن تؤسس تيارا سياسيا في العراق، له ثقل سياسي ووطني واضح المعالم، يضم شريحة واسعة من الأنصار والمؤيدين، في فترة قياسية لا تتجاوز الأشهر، يتوقع المراقبون أن يكون له تأثير اكبر  بعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة.

   هكذا بزغ تيار الحكمة الوطني كبيرا ومؤثرا في الساحة السياسية العراقية، يستند الى قيادة قوية لديها مشروع كبير وأهداف واضحة، نابعة من تاريخها الكبير في الجهاد والعمل والسياسي الذي يمتد لمائة عام، هي بداية ظهور عائلة آل الحكيم في الحياة السياسية والاجتماعية، وتصديها للمرجعية الدينية في العراق والعالم الإسلامي، تاركة الأثر الكبير الذي يشهد له العدو قبل الصديق، ومن هنا انطلق  عمار الحكيم في تأسيسه لتيار الحكمة الوطني.

   التف حول  قيادة هذا التيار الكثير من الشباب المتأهب والمتحمس، الذي وجد في هذه القيادة العمق السياسي العراقي والوطني، وان المشروع الذي تحمله يحقق تطلعات ورغبات أنصاره، الراغبين بطرح مشروع عراقي وطني، وليد التجارب التي مر بها العراق طيلة الفترة الماضية، ويحقق طموحات الجماهير العراقية التي تصبو الى رؤية تجربة وطنية جديدة، تحقق آمالها وتطلعاتها بعيدا عن الخطابات المذهبية والقومية، والشعارات التي لم تحقق للجماهير أدنى طموحاتها.

   قيادة شابة لها خبرتها السياسية وثقلها الجماهيري، تحيط بها كوادر شبابية متحمسة لخلق التغيير في العملية السياسية في العراق، وجماهير متأهبة لدعم هذا المشروع الجديد، هكذا كانت سمات تيار الحكمة، التي تجعل الجميع يرغب بالتحالف معه قبل الانتخابات القادمة، ولكن حسابات الربح والخسارة والحصول على اكبر عدد من المقاعد، جعلت الأغلب يخاف من التحالف مع هذا التيار، إضافة الى عدم التوافق في البرامج الانتخابية وغياب المشروع الوطني، للكثير من القوائم التي همها الوصول الى السلطة، فقط جعلت هذا التيار يبتعد عن اكبر التحالفات.

  جاء تحالف تيار الحكمة مع ائتلاف النصر الذي يتزعمه العبادي، مفاجأ للكثير من أنصار تيار الحكمة الوطني، لبعض المسوغات التي عبر عنها أفراده، يتصدرها عدم محاربة العبدي للفساد المالي والإداري، وارتباطه الوثيق مع قائمته الأم، ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها السيد نوري المالكي، ولكن قيادة التيار رأت أن العبادي هو الأنسب، إذا ما تم الاتفاق  على وضع برنامج انتخابي، يحقق ما يريده أبناء تيار الحكمة، من محاربة الفساد وتغيير الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد، وتمكين الشباب والنهوض بالواقع السياسي والاقتصادي للدولة العراقية.

   لكن على ما يبدو أن التفكير بالمصالح الحزبية والشخصية الضيقة، وحسابات الربح والخسارة كانت حاضرة في هذا التحالف أيضا، وأن التفكير بولاية ثانية هو هاجس السيد العبادي، الذي ورثه من رئيس الوزراء السابق، والتعامل مع تيار الحكمة على انه تابع وليس شريك، جعله يتدخل حتى في اختيار مرشحي تيار الحكمة، وتعامل فريقه السياسي الذي وضع الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء، أهم من كل المشاريع التي تهدف الى بناء الوطن، حتى لو كان بإعادة إنتاج الوجوه التي لفظتها العملية السياسية.

  لكل هذه الأسباب أعلن تيار الحكمة الوطني انسحابه من ائتلاف النصر، وانه سيخوض الانتخابات بكتلة منفردة، تخلصه من الاختلاف في المنهج والبرامج والمشروع السياسي، وتحفظ لمرشحيه وناخبيه حقوقهم بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، وسيكون الرابح في هذا الانسحاب هو تيار الحكمة، لما يمتلكه من قيادة قادرة على التعامل السياسي مع الجماهير، وطرح برنامج انتخابي يلبي رغبات الأغلبية الوطنية، ومرشحين أكفاء قادرين على حمل ما تصبوا له جماهيرهم، التي ستكون على قدر التحدي الجديد.