أصل الآشوريين  – د. مهدي كاكه يي 

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (52) – الآشوريون

 

أصل الآشوريين  – د. مهدي كاكه يي 

منذ بدء المدّ القومي العروبي، أخذ الكثير من “المؤرخين” العروبيين العنصريين يُزّيفون تاريخ منطقة غرب آسيا ويسرقون تاريخ شعوب المنطقة ويجعلونها تاريخاً للعرب بشكل خاص وللساميين بِشكلٍ عام. كما يجب أن نذكر بأن العروبيين العنصريين الذين سيطروا على الحُكم في كثير من دول المنطقة التي أطلق عليها العروبيون إسم “الدول العربية”، قاموا بِتسييس التاريخ وأجبروا الكثير من المؤرخين في هذه البلدان أن يتخلّوا عن مهنيتهم ومصداقيتهم وأن يقوموا بِتزييف تاريخ المنطقة وإلغاء وسرقة تاريخ شعوبها وتنسيبه للعرب والساميين. إطلاق إسم “الدول العربية” على معظم دول المنطقة، هو جزء من عملية التزوير للتاريخ وإخفاء الحقائق، حيث أنه بإستثناء الحجاز واليمن، فأنّ شعوب الدول الأخرى المُسمّاة ب”الدول العربية” هي شعوب غير عربية والغالبية العظمى من المواطنين في هذه الدول، الذين أصبحت لغتهم عربية، هم مستعربون ينتمون الى الشعوب الأصيلة للمنطقة، مثل الكورد والأمازيغيين والأقباط واليهود والبلوش والنوبيين وغيرهم. تزوير أصل الآشوريين هو أيضاً ضمن هذه الحملة التزويرية الكبرى التي يقوم بها العنصريون العرب والأتراك والفرس لِطمس أصول شعوب المنطقة. خدمةً للحقيقة وإنصافاً لِشعوب المنطقة، نقوم بِتصحيح تاريخ شعوب المنطقة، ومنها تاريخ الآشوريين، وكتابته بِمهنية وأمانةٍ علمية بالإستناد على مصادرٍ رصينة.

يقول الأستاذ حازم هاجاني بأن مملكة سوبارتو كانت محصورة بين جبال زاگروس من جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب ولذلك كانت سوبارتو تشمل المنطقة الاشورية وأن الاشوريين إستقروا في هذه المنطقة في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما قصدت قبائل سامية من الجنوب الغربي الى شمال ميزوپوتاميا وتوغلت في منطقة ما بين النهرين وإستقرت هذه المجموعة في جنوب كوردستان الحالي، في البقعة الممتدة على طول ضفة نهر دجلة اليمنى بين الموصل وشرقاط وكانت هذه المنطقة تُعرف بإسم سوبارتو1. هكذا فأن تأريخ أسلاف الكورد السوباريين يمتد إلى عصور سحيقة في القِدم.

الپروفيسور (مهرداد إزادي Mehrdad Izady) أستاذ التأريخ القديم في جامعة هارڤارد الأمريكية، يؤكد على كون الكورد هم أحفاد السوباريين، حيث يذكر بأن أقدم عشيرة كوردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريينa. في هذه المنطقة الواقعة في شمال مدينة أربيل، تمّ العثور على أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، وعلى قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية في هذه المنطقة.

يقول هاري ساغز بأنّ الآشوريين كانوا شعباً هَجِيناً، وهم يعرفون ذلك، وكان النقاء العِرقي ليس ذا قيمة بالنسبة إليهم، ومنذ أقدم الأزمنة كان لديهم تاريخ عنصري خليط. يستطرد هاري ساغز في حديثه قائلاً بأنّ هذه الحقيقة مذكورة في العديد من النقوش الملكية وأن شعوباً من خارج مملكة آشور كانوا يتوافدون إليها، وينضمّون إلى السكان الأصليين في البلاد، ويمتزجون بهم2.

من جهة أخرى، يذكر الدكتور توفيق سليمان بأنّ الآشوريين لا ينتمون إلى سلالة بشرية واحدة، مستنداً في ذلك على الرسوم والنقوش التي خلّفها الآشوريون لِمواطنيهم، التي تؤكّد على أنّ هؤلاء الأشخاص كانوا يشكّلون خليطاً من البُؤَر البشرية المحلّية في بلاد ما بين النهرين، ومن البُؤَر البشرية التي تعود بأصولها إلى الأرض الأرمينية3. بالنسبة الى قول الدكتور توفيق سليمان بأن “قسماً من الآشوريين ينحدرون من البُؤَر البشرية التي تعود بأصولها إلى الأرض الأرمينية”،  فأنّ قولَه هذا يفتقد الى المصداقية، حيث لم تكن خلال العهد الآشوري دولة إسمها (أرمينيا). ظهرَ إسم أرمينيا سنة (550 – 521 قبل الميلاد)، بينما ظهرَ الآشوريون قبل هذا التاريخ بِأكثر من ألف سنة4. في وقت ظهور الآشوريين، الأرض التي يظنّ الدكتور توفيق سليمان بـأنها كانت “أرضاً أرمينية” كانت في الحقيقة  الأرض الخورية والتي ورثها بعد الخوريين، أحفادهم الأورارتيون (الخَلديون)، حيث أنه لا تزال هناك قبيلة كوردية تحمل هذا الإسم. الأستاذ مروان المدوَّر يؤكد على كلامنا هذا، حيث يقول بأنّ (هيرودوت) يذكر أن الأرمن شعب هندو أوروپي، غادروا البلقان في القرن الثاني عشر قبل الميلاد إلى آسيا الصغرى عبر البوسفور والدَّردنيل، ثم توغّلوا شرقاً على مراحل، حتى وصلوا إلى أرارات في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، ووصلوا إلى أرمينيا بُعيد زوال دولة أورارتو (خَلْدي)5. يضيف الأستاذ مروان المدوَّر بأنّ أرمينيا لم تكن تُعرَف بهذا الاسم، إذ لم يتشكّل إسم أرمينيا كما نعرفه اليوم إلا إعتباراً من أعوام (550 – 521 قبل الميلاد)4.

يخبرنا المؤرخ الشهير ”ول ديورانت WILL DURANT” عن أصل الآشوريين بما يلي: {وكان الأهلون خليطاً من الساميين الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضرة (أمثال بابل وأكد) ومن قبائل غير سامية جاءت من الغرب، ولعلهم من الحثيين، أو من قبائل تَمُتّ بِصلةٍ إلى قبائل ميتاني، ومن الكورد سكان الجبال الآتين من القفقاس}6. في الحقيقة، أسلاف الكورد الخوريون كانوا يقطنون الى الغرب من الآشوريين وليس الحِثيون. قول (ول ديورانت) بأنّ الكورد آتون من القفقاس غير صحيح، حيث أن أسلاف الكورد السومريون والسوباريون والخوريون – الميتانيون والميديون وغيرهم، عاشوا في وديان جبال زاگروس وتوروس منذ ما قبل التاريخ. ما يذكره (ول ديورانت) يعني أن الشعب الآشوري لم يتألف من عنصر إثني واحد، بل كان شعباً هجيناً. هكذا تم تأسيس مملكة آشور في موطن أسلاف الكورد وأن الساميين القادمين من بابل و أكاد كانوا مهاجرين في بلاد أسلاف الكورد، لذلك لابد أن السكان الأصليين (السوباريين والخوريين – الميتانيين) كانوا حينذاك يشكّلون أغلبية سكان مملكة آشور.

كما يذكر المؤرخ طه باقر بأن الآشوريين نزحوا الى موطنهم من جنوب بلاد ما بين النهرين الى الشمال7. المؤرخ قسطنطين ماتفييف يقول بأن الخارجين من أرض بابل يممّوا صوب شمال ما بين النهرين وأسسوا لهم هناك موطنآ وكانت آشور أكبر مدنهم8.

يقول أيضاً كل من الدكتور طه باقر والدكتور عامر سليمان بأن الآشوريين إستقروا في شمال وادي الرافدين وعند هجرة الأكاديين الى منطقة جنوب كوردستان الحالي، كان السومريون والسوباريون يعيشون هناك وكانت المنطقة تُسمى ب(سوبارتو) 10. جاء ذكرالسوباريين في النصوص المسمارية منذ عصر فجر السلالات وكان ملوك اكاد وبابل يطلقون إسم “السوباريين” على الآشوريين9، 10.

يذكر المؤرخ يوسف رزق الله غنيمة أن التنقيبات الآثارية التي قام بها الألمان بين سنة  1903 و1914 تؤكد على أن سكان آشور القدماء لم يكونوا ساميين11. كما يذكر المؤرخ عامر حنا فتوحي أن الآشوريين الأوائل هم شعب آسيوي من الأرومة الهندو- أوروبية وإسمهم القديم الذي كانوا يتفاخرون به هو (شوبارو أو سوبارو)12. هذا يؤكد بأن الغالبية العظمى من سكان آشور كانوا ينحدرون من أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين – الميتانيين وأن الساميين الذين هاجروا الى بلاد السوباريين (سوبارتو) قد ذابوا في السكان الأصليين.

في نصوص الفأل، إقتصرت تسمية الآشوريين لبلادهم وأنفسهم على أنهم ( سوبارتو)، حيث أنه جاء في التقرير الذي قدّمه أحد المنجمين الآشوريين إلى الملك الأشوري ما يلي: (إذا شوهد القمر في يوم الثلاثين من شهر نيسان فإن بلاد سوبارتو سوف تتغلب على الأخلامو (هي إحدى القبائل الآرامية الكبرى)، ويضيف ذلك المُنجم قائلاً: (نحن السوباريين)13.

دليل آخر على كون غالبية الآشوريين من السوباريين، هو أن الملك البابلي (مردوخ – بلادن) كان لا يُسمّي خصمه، الملك الآشوري سرجون الثاني، ب(ملك الآشوريين) بل كان يُسمّيه (ملك السوباريين) وكان يُسمّي الجيش الآشوري بجموع السوبارتو14.

يقول الپروفيسور جمال رشيد أحمد أنّ الآشوريين ينحدرون عِرقياً من أسلاف الكورد الخوريين أو الگُوتيين أو اللولوبيين15.

كما أنّ الدكتور إبراهيم الفنّي يذكر بأنّه من القراءة الأولى نعتقد أن الخوريين هم الذين أعطوا الآشوريين تلك الملامح التي كانت تميّزهم عن الساميين في الجنوب16.

مما تقدم، نستنتج أن الأقوام الزاگروسية (أسلاف الكورد) كانت تُشكّل غالبية الآشوريين في شمال ميزوپوتاميا وأنّ المهاجرين الساميين الذي قدِموا الى شمال ميزوپوتاميا كانوا يُشكّلون الأقلية هناك وتدريجياً ذابوا في الأقوام الزاگروسية (السومريين، السوباريين والخوريين والميتانيين). بعد إختفاء المملكة الآشورية، مع مرور الزمن، ذابت بقايا العناصر السامية في الأقوام الزاگروسية.

المصادر

  1. حازم هاجاني (1997). مجلة متين، العدد 67، دهوك، صفحة 103.
  2. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 170، 173.
  3. توفيق سليمان. دراسات في حضارات غرب آسيه القديمة الى عام 1190 ق.م: الشرق الادنى القديم بلاد مابين النهرين/بلاد الشام. دمشق، دار دمشق للطباعة والنشر، 1985،صفحة 161.
  4. مروان المُدَوَّر. الأرمن عبر التاريخ، بيروت، 1982، صفحة 82، هامش 2.
  5. المصدر السابق، صفحة 102.
  6. ول ديورانت. قصة الحضارة. مجلد 1، الجزء 2، صفحة 496 – 470.
  7. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 472.
  8. قسطنطين بيتروفيج ماتفيف. الآشوريون والمسألة الآشورية في العصر الحديث. 1989.
  9. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 120، 476.
  10. عامر سليمان. العراق في التاريخ القديم. الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 119.
  11. يوسف رزق الله غنيمة. نزهة المشتاق في تأريخ يهود العراق. مطبعة الفرات، 1924.
  12. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 99.
  13. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 472 – 473.
  14. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973.
  15. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الأول، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 31.
  16. إبراهيم الفني. التوراة: تاريخيا، أثريا، دينيا، دار اليازور العلمية، 2008، صفحة 101.

المراجع

  1. Izady, Mehrdad R. The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, 1992, pp. 268. ISBN978-0-8448-1727-9.