**الازهر قلعة للاٍرهاب .. وليس قلعة لتنوير الخطاب ** – سرسبيندار السندي

حتى بعد جريمة مسجد الروضه في شمال سيناء قبل أيام لا يزال الأزهر يرفض تكفير ” داعش ” وفروعه رغم المطالبات بذلك بسبب جرائمه الوحشيه ، ولعلّ هذا تصرفٌ محمودٌ للأزهر ، فلو أعطيناه حق تكفير ” داعش ” اليوم فسيستخدم هذا الحق ضدّ غيره غداً ولمنحناهُ سلطة إطلاق سهام التكفير وصكوك الغفران لكن المشكله ليست هنا ؟

فالمشكله أن الأزهر الذي قال “لا تكفير لمؤمنٍ مهما بلغت ذنوبه ” لا يطبق هذه القاعده السمحه إلّا مع الإرهابيين فَقَط ، نعم مع الارهابيين فقط ، ف لقد رفض الأزهر تكفير زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي ؟
الحقيقة تقول أن للأزهر تأريخ طويل من تكفير المفكّرين والمتنورين ، والذي سعى لتجديد فكر الازهر عام 1949 طالته سهام الازهر الغادرة “الشيخ محمد عبده” فشكّك مشايخ الأزهر في عقيدته وإتهموه بالخروج من الإسلام ، وكان الشيخ محمد عبده قاسياً جداً على فكر الأزهر العفن ، فقد قال في أحد حواراته مكثت عشر سنين أكنس دماغي مما علق فيه من وساخة الأزهر ، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافه ؟

حارب الأزهر كلّ محاولات تجديد الخطّاب الديني بدءاً من الكاتب طه حسين الذي إتهمه بالتعدي على الدين بعد نشر كتابه المثير للجدل « فى الشعر الجاهلي » عام ١٩٢٦، حتى جرى تكفيره رغم أن الكتاب كان بحثاً علمياً في الشعر الجاهلي ، ويتبنى منهج الشك الديكارتي ويدعو للفصل بين البحث العلمي والتحيزات العقائديه ؟

وفي نفس السنةِ أيضاً أثار الأزهر معركةً أخرى ضد “علي عبد الرازق” وكتابه “الإسلام وأصول الحكم” الذي قال فيه بوضوح إن الإسلام دين لا سياسه ، وإن الإسلام لم ينصّ على شكلٍ معينٍ للدوله ، وترك الأمر لإجتهاد المسلمين لإختيار الشكل السياسي المناسب لعصرهم ، ورغم ذلك كان الأزهر شرساً في التصدّي له ولم يهدؤ حتى تمّ إخراجه من “زمرة العلماء” ؟

وفي عام ١٩٤٧ تقدّمَ محمد أحمد خلف الله ببحث لرسالة الدكتوراه عن ” الفنّ القصصي في القرآن الكريم ” ما أثار غضب الأزهر الذي إعتبر ما جاء فيه تقويضاً لقداسة القرآن ؟

ثم كان للأزهر معركةٌ مشهورةٌ مع مجددٍّ آخر هو الشيخ “خالد محمد خالد” في خمسينات القرن الماضي حول كتابه “من هنا نبدأ ” وذلك عام ١٩٥٠، حيث دعا في الكتاب لنبذ السلطةِ الدينيه وإلى إعتماد مدنية الدوله فغضبت لجنة الفتوى بالأزهر وأمرت بمصادرة الكتاب وحظر توزيعه وتبقى حكاية الأزهر مع “نجيب محفوظ” من أشهر حكايات الصدام بين هذه المؤسسه الارهابية المعادية لكل فكر تقدمي وثقافة وتطور ؟

فعندما نشر “نجيب محفوظ” رواية ” أولاد حارتنا ” على حلقات في صحيفة الأهرام عام ١٩٥١ ثار الأزهر ضدّه وإتهمه بالإلحاد والجرأة على الله والأنبياء ومهاجمة الدين ، لذا مُنعَ نشرُ الروايه داخل مصر وظلّ المنع سارياً حتى ظهور الطبعة المصرية الأولى عام ٢٠٠٤ ، وفي عام ١٩٩٥ طُعِنَ المفكر “نجيب محفوظ” في رقبته على يد شابٍ قررّ قتله مستنداً إلى موقف الأزهر ؟

دخل محفوظ المستشفى حيث زاره الشيخ محمد الغزالي ، وهو بالمناسبه كاتب التقرير الذي رفع إلى الرئيس جمال عبد الناصر والذي طالب بمنع الروايه ومصادرتها، يصدق القول على هؤلاء الإرهابين (يقتلون القتيل ويمشون بجنازته) ؟

ولاحقاً لعب َ الأزهري والإخواني السابق “محمد الغزالي” دوراً محورياً في تكفير وتبرير إغتيال مفكرٍ آخر هو “فرج فوده” و توسّعت تكبيرات قلعة الاٍرهاب حتى شملت من في الخارج ، حيث أعدم الرئيس السوداني جعفر النميري المفكر المتنور “محمود محمد طه” عام ١٩٨٥ بسبب كتابه “الرساله الثانيه للإسلام ” بعد أن بعث الأزهر ببرقيةً إلى الرئيس النميري قال فيها بالنص ” إن ما جاء به طه هو الكفر بعينه “ ؟

كان عقد التسعينات زمن سيطرة الخطاب الديني على الشارع والجامعات والإعلام وصعود نجم الجماعات الجهاديه وفكر الإسلام السياسي ، وفي ذلك العقد طوّر الأزهر سلاحاً منظماً للتكفير هو “جبهة علماء الأزهر” الذي بات رأس الحربةِ في شنِّ أغلب قضايا تكفير المثقفين ، وإلى جانب الجبهةِ قام مجمع البحوث الإسلامهة بالأزهر بدور “محاكم التفتيش” ومصادرة عشرات الأعمال الفكريه والأدبيه ، وكانت البدايه في معرض القاهره للكتاب ١٩٩٢ حين قامت لجنةٌ من مجمع البحوث الإسلاميه بمصادرة خمسة كتب “لمحمد سعيد العشماوي” أهمها “الإسلام السياسي ، وأصول الشريعه ، والخلافه الإسلاميه “ ؟

كانت كتب العشماوي تفنيداً علمياً لإدعاءات الإسلام السياسي حول تطبيق الشريعه والحاكميه والجاهليه ، ورغم الطابع التنويري للكتب رأى الأزهر فيها خروجا على ثوابت الدين ، في ذلك العام أطلقت جبهة علماء الأزهر برئاسة “عبدالغفار عزيز” ونائبه الشيخ “محمود مزروعي” فتوى تكفير صريحه بحق المفكر “فرج فوده” والذي أصبح بنظرهم مرتداً يستوجب القتل ، وقد حرّض الشيخ “محمد الغزالي” ضده في كل لقاءاته التلفزيونيه ومحاضراته متهماً إياه بالخروج على الإسلام ، وبناءاً على فتاوى الأزهريين الثلاثة توجه ثلاثة أشخاص من الجماعة الإسلاميه وإغتالوا “فوده” في صيف العام ١٩٩٢ ؟
في حالة فرج فوده كانت الحملة ضده شرسة جداً بحيث تكاتف عليه دعاة الإغتيال المادي والمعنوي والذي توتله كتيبةٌ من الأزهريين المجرمين المتخلفين ؟

فحين إستدعت المحكمة الشيخ المزروعي للشهادة قال إن فرج فوده “مرتد بإجماع المسلمين ويستوجب القتل ” وتطوع محمد الغزالي للشهادةِ وقال “إن فوده مباح الدم ومرتد وهو مستحق القتل ” وأن قاتليه “أسقطوا الإثم الشرعي عن كاهل الأمةِ “؟
ستظل الجريمة الأكبر التي إرتبطت بفتاوى الأزهر هي جريمة إغتيال المفكّر فرج فوده والتي شارك فيها أزهريون تكفيراً وتبريراً وتحريضاً .

لم يصبر الأزهر سوى عدة شهور بعد اغتيال فودة ليفجّر أشهر قضية تكفير في ربع القرن الأخير ، تكفير الباحث والكاتب “نصر حامد أبو زيد” عام ١٩٩٣، ورغم أن التكفير بدأ من خارج الأزهر على يد الدكتور عبد الصبور شاهين ، إلّا إن الأزهر وقف موقفاً مؤيداً للتكفير وشارك أغلب علماء الأزهر في الكتابةِ ضد أبو زيد وكان أشهرهم “محمد عمارة” وهو عضو هيئة كبار علماء الأزهر الذي تابع تكفير أبو زيد على الهواء في اللقاء التلفزيوني الذي جمعهما على قناة الجزيره ؟

وبدأ الأزهر يُصعِّد من مواقفه وفتاواه ، فبعد الشيوخ والكتاب والمثقفين ، طاولت إدانات الأزهر نتاجاتٍ فنيه . فقد تعرض مسلسل ” العائله ” الذي كتبه وحيد حامد وعرض عام ١٩٩٤لحملةٍ من الأزهر بسبب مشهد ينكر فيه بطل المسلسل عذاب القبر ، وكانت هذه بداية مصادارت وإيقاف أفلام مثل فيلم ” المهاجر” ليوسف شاهين ١٩٩٤، ومصادرة مسرحيات ودواوين شعر وكتب مثل “مسافة في عقل رجل ، وليمة لأعشاب البحر ، الوصايا في عشق النساء ، مقدمةٌ في فقه اللغةِ العربيه “ ؟

كما تم تكفير الباحث “حسن حنفي” ثلاث مرات عام ١٩٩٧بسبب كتابه “من العقيدةِ الى الثوره ” الذي رأى فيه الأزهر إنكاراً لله وللملائكة والقرآن ، وفي ١٩٩٧ كفّر المجمع الدكتور “سيد القمني” بسبب آرائه في كتاب “ربّ الزمان ” في التسعينيات تكوّن تحالف غير رسمي بين الإسلام الرسمي (الأزهر) والإسلام السياسي (الإخوان) والإسلام الجهادي لمطاردة المثقفين والتضييق على الثقافه ؟

بموجب هذا التنسيق قام الإسلام الرسمي باصدار فتوى التكفير ، ثم إلتقط الإسلام السياسي الكرة فأطلق حملة تحريض جماهيريه واسعه ضد المثقفين ، ثم تلقف الإسلام الجهادي الكرة لتنفيذ عمليات الإغتيال والتهديد والملاحقه ؟

وأضاف الأزهر في السنوات الأخيره تهمةً أخرى إلى جانب الكفر أو الخروج عن الدين هي تهمة إزدراء الأديان ، وراح ضحية هذه التهمه مفكرون ومجددون يحاولون نقد الموروث عبر تقديم صورة وسطية متسامحه للإسلام مثل {إسلام البحيري ، وابراهيم عيسى ، ومحمد عبد الله نصر ، وأحمد صبحي منصور ، ويوسف زيدان} ؟

لم يقم المثقفون الذين كفرهم الأزهر بجريمةٍ سوى “التفكير ” فما الذي يجعل الأزهر متشدداً جداً في تكفير المثقفين والمتنورين ومتسامحاً تجاه القتلة والارهابيين ؟

الحقيقةُ الساطعة تقوّل إن الأزهرَ والمؤسسةِ السلفية لا يختلفون مع داعش في ” فَهُم الإسلام” وإنما يختلفون معه في “طريقة التطبيق” فعلى سبيل المثال لا يختلف الأزهر أو السلفيون مع داعش في أن المسيحيين ” كفارٌ ” ومغضوبٌ عليهم ، ولكنهم يختلفون فقط في طريقة التعامل معهم بين من يرى أن ” الجهاد ” هو السبيل الأمثل ، وبين من يرى “أن الدعوةَ والإحسان ” هو الطريق الأفضل ليدخلوا الإسلام أو يدفعوا الجزيه ؟

لهذا فإن إمتناع الأزهر عن تكفير داعش حتى بعد الجريمه التي شهدها مسجد الروضه في شمال سيناء ليس نابعاً من منطق التسامح بل من منطلق التشابه الفكري والإيديولوجي ، لقد تأثّر الأزهر بخطاب الإسلام السياسي بفرعيه الكبيرين “الإخوانيه و الوهابيه” وتبنّى أبرز طروحاتها وأخطرها مثل {الحاكميه والجاهليه والولاء والبراء والتكفير والجهاد العالمي والتشدد في الفتوى } ؟

وإذا كان تجديد الخطاب الديني ضرورةً فقد تكون مؤسسة الأزهر عاجزةٌ عن القيام بهذا الدور ، بل ربما يكون هو أحد أبرز عوائق تجديد الخطاب الديني خلال المئة سنة الأخيرة الأزهر ، فهل من حمار بعد يصدق أن قلعة الاٍرهاب العالمي “الازهر” سيقود خطاب التجديد والتنوير في مصر والعالم ؟