قراءة في رواية ( نجوم الظهر ) للروائي برهان الخطيب  – جمعة عبدالله 

الفضاء الروائي متسع الافاق ومتعدد الجوانب في  تقنياته  الفنية , , وفي تركيبة  الحبكة , التي  امتازت  باللغة السردية البارعة في التشويق والاثارة ,  وفي تكتيكات الفعل الروائي . الذي اظهر منصات  الواقع الاجتماعي آنذاك  , في العوامل التي تحرك تركيباته , وتشعباته في التناقضات الداخلية ( الذات ) ,  والخارجية ( الواقع )  , وكذلك عمل في  ابراز روح التحدي والمغامرة , التي تحرك عقلية العراقي , بفطرته الشعورية  واللاشعورية , في مجابهة الظلم والحرمان والتهميش  . لذلك نجد شخصيات الرواية , تتحرك على رقعة واسعة من التجاذب , في الفعل ورد الفعل , كحالة تنفس واسقاط حالاتها الداخلية  , فهي   تشعر انها متعسفة ومضطهدة ومهضومة ومهمشة  , من الواقع الاجتماعي غير العادل  .  ان رواية ( نجوم الظهر ) تكشف بحق بانورامية الواقع الاجتماعي ,  بكل تجلياته وتداعياته , السلبية والايجابية , وكذلك من ناحية وجود المرأة ضمن  الاطر الاجتماعية الضيقة  , التي تحددها عقلية الواقع الاجتماعي الظالم لها   , في عملية تفاعلية بين الذات والواقع ,  ونجد بان منصات  السرد امتلكت  حرية التناول والتعاطي , في دلالات تعبيرية ,  الزاخرة في تعابيرها  الاجتماعية الناطقة والمحسوسة , ضمن فترة محددة في الزمكانية , وبالتحديد في العهد الملكي آنذاك . نجد ان شخصيات الروائية وخاصة الشخصية المحورية ( جسار شمخي ) يعاني الاحباط والمعاناة والانهزام . تحركه شحنات الاحاسيس الانفعالية الملتهبة   , بشكل شعوري , او اللاشعوري , ويتفاعل في شحناته العاطفية الهائجة , لكن يعود الى المسالمة في الروح , وليس بالعدوانية الشريرية . رغم ان الواقع يضغط عليه بشكل هائل ان يتحول الى عدواني شرير  , رغم انه تخنقه اطنان من الاتهامات والشكوك من معاناة الواقع الثقيل  , وكذلك يتخلص من  الاقاويل , التي تتحدث عن خيانة زوجته , وافعالها الشائنة , بأنها تفتح فخذيها لكل طارق , لكن كل هذه الاتهامات بالخيانة , دون ان تكون  ادلة دامغة عليها  , سوى اقاويل هنا ومن هناك ,  ان لغة السرد اعتمدت  على ضمير المتكلم , وضمير الواقع , اي بين ( الراوي والمروي ) لكنهما يلتقيان في بنية سردية عضوية  ومحكمة ومرتبة في التنسيق خطوات الاحداث ,  في المتن الروائي , وصياغة افعاله المتحركة ,  اي  اننا أمام بناء روائي متكامل في عالمه , وفي عناصره المتحركة ,  في افعالها التي تتحرك بالفعل المشحون بالدراما والمغامرة والمفاجأة . والحدث البارز والاساسي في النص الروائي , يعتمد على حدث سياسي بارز حدث فعلاً  , هو عملية انتخاب مجلس الاعيان في عام 1954 , في عهد الملكي , وفي عملية التزور الفاضحة ,  لصالح احزاب الحكومة , او لصالح افندية الحكومة , ضد الجبهة الشعبية المعارضة للحكومة . وكيفية استغلال جهل  الناخب ,  الذي لا يعرف القراءة والكتابة , يصرح بأسم الناخب والقائمة , وكتبة الحكومة , يكتبون وفق ما يريدون من  بطاقات لصالح  احزاب الحكومة ويضعونها في صندوق الانتخاب . وحين تقدم ( جسار شمخي ) بأنه أمي , وطلب كتابة على بطاقته الانتخابية مرشح المعارضة , لكن كتبة الحكومة , كتبوا لصالح مرشح حزب الحكومة  . وقبل وضعها في صندوق الانتخابات , سحبها من يد الافندي , وراح يقرأ ما دون فيها ,  بشكل مغاير لرغبته الانتخابية , وراح يعلن التزييف على الناس ,  الذين ينتظرون دورهم ,  في وضع البطاقات  الانتخابية في الصندوق  . وانفعل في هذا الاستهتار المفضوح في عملية التزوير , واخذ صندوق الانتخاب وركض به صوب النهر ليرميه فيه , وسط دهشة الناس , وذهول افراد الشرطة  وهرب . ولكن مع هذا التزور نجحت الحبهة الشعبية المعارضة في توصيل عدد محترم من مرشحيها الى مجلس الاعيان . مما استدعى مجيء ( نوري السعيد ) على رأس الحكومة , وألغاء عملية الانتخابات , هذه منصات الفعل الروائي . الذي اختار تكتيك ابداعي في عملية السرد وتنسيق خيوطه , بأن تبدأ احداث الرواية  من منتصف , ثم البداية ,  وبعد ذلك النهاية خاتمة المطاف
                      احداث المتن الروائي :
بعد عملية رمي صندوق الانتخابي في النهر . دخلت حياة  ( جسار شمخي ) في مرحلة وطور جديد . من المطاردة والهروب والملاحقة  , حتى  يقع في قبضة الشرطة , لانه فضح الحكومة والملك , واصبحوا سخرية وتندر وتهكم على كل لسان , وحتى وصل الخبر الى الاعلام والاذاعات المصرية آنذاك ,  كما اخبره صديقه الوفي ( يعقوب جرجيس ) ( – أيعقل انك لم تطلع من زاوية ( حكايات الانتخابات ) بجريدة الزمان , ولم يصلك كلام اذاعة ( العراق الحر ) و ( صوت العرب ) عنك في برامجها منذ أمس ؟ حادثة رمي الصندوق الانتخاب الى الفرات . أصبحت على كل لسان ) ص268 . وكان يروم التخفي في ديرة الجوانب , حتى يتدبر أمره بعد ذلك , كونه دخيل عندهم ,  وهم معرفون في ايواء الدخيل , ولكن حين عرفوا أن قضيته سياسية , اصبح ضيف ثقيل غير مرغوب فيه , وهرب صوب البرك المائية حتى يصل الى نهر الفرات ,  ليعبره الى  الجانب الاخر , حتى يصل الى محطة القطار , التي توصله  الى  بغداد حتى يضيع فيها , لحين تدبير امره من صديقه الوفي ( يعقوب جرجيس ) الذي وقف في محنته , وابدأ استعداده التام ,  في المساعدة في تهريبه الى الكويت بجواز سفر  مزور . وكان صديقه يحب شقيقته ( غديرة ) ويتمنى من كل جوانحه , ان يوافق على طلب زواجه , والعيش معاً في الكويت .  وقبل وصوله الى بغداد تصادفه المفاجأة والمطبات  , اولها  تفضحه بدلته السوداء الثقيلة , في قيظ الصيف الساخن ,  والشمس الحارقة , في لهيبها الكافر , ويصادف مفرزة شرطة الكمارك , التي تفتش عن التهريب والمهربين . فقد انتبهوا الى غرابة ارتداءه بدلة سوداء  ثقيلة , في الصيف الحارق , فأجابهم , بأن زوجته توفيت قبل شهر , وهو ينوي زيارة الغجر ( الكاولية ) فتعاطفوا معه , واخذوه معهم الى الغجر , وهناك سرق مسدس من احد افراد مفرزة  الشرطة ,  وهرب مسرعاً في اتجاه محطة القطار . كان ( جسار شمخي ) يندب حظه العاثر والمشؤوم , منذ ولادته بسن جارح , واعتبره عامة الناس من اهل البلدة وعشيرته , بأنه نذير الشؤوم والنحس , وستطالهم الفواجع والمصائب والاهوال , من هذه الولادة المشؤومة , بأنه شر مستطير يجب التخلص منه بكل الاحوال , وحاولوا ان يقنعوا والده بالتخلص منه . لكن ابيه كان يستهزئ بعقولهم وخرافاتهم , ولكن اشتد الضغط عليه , حتى اجبر في النهاية , ان يرميه احدهم من سطح البيت  ويتلقفه بعباءته , فاذا نجى كتبت له السلامة , واذا مات فخيراً على خير , ,  ولحسن حظه أنقذه والده في احتضانه في عباءته , وفي المدرسة كان مشاغباً في سلوكه , حتى اضطرت ادارة المدرسة ان تطرده من المدرسة ,  ليكون بعد ذلك عامل مقهى  , وحين شب عوده تعرف على ( نرجس ) المتزوجة , كان يراودها في غياب زوجها . ولكن بعد وفاة زوجها , كافئها بزواجه منها , رغم انها تتناولها اقاويل الناس في السلوك الشائن , بأنها تفتح فخذيها لكل طارق يطرق بابها , ويعتقد  ( جسار شمخي ) بانها تخونه , لكثرة اقاويل الناس عنها , لكن دون اثبات دامغ على خيانتها , وتحت ضغط الناس اراد ان  يتخلص منها , حتى  بغسل العار,  والحفاظ على شرف العائلة والعشيرة , واضطر احد الايام , أن يخنقها بيديه , وحين تيقن انها ماتت , ذهب الى مركز الشرطة , بالاعتراف بأنه خنق زوجته وماتت , دفاعاً عن الشرف وغسلاً للعار , ولكن حين رجع من مركز الشرطة , وجدها امامه ترحب به …. وفي بغداد وجد نفسه في عالم اخر , فنزع بدلته السوداء الثقيلة , وشذب شواربه الكثة , حتى بدأت ملامح الجديدة , تختلف عن ملامحه  القديمة , في محاولة التكيف مع الظروف الجديدة التي داهمته وقلبت حياته تماماً , ووجد نفسه وحيداً , سوى مساعدة صديقه الوفي ( يعقوب جرجيس ) في محاولة تدبير تهريبه الى الكويت بجواز سفر  مزور , قبل ان يشتد الحبل عليه , ولكن صديقه يقع في قبضة الشرطة , وتحت ممارسة التعذيب بقلع اظافره , اضطر ان يعترف , بأن ( جسار شمخي ) يروم زيارة بلدته الليلة  , لتصفية حسابه مع زوجته الخائنة  ( نرجس ) ان يقتلهاويتخلص منها  . ولكن المفاجأة بأن زوجته ( نرجس ) تجيء اليه في سرداب التخفي في بغداد  . وهناك تعترف له بالتفاصيل لتثبت براءتها من تهمة الخيانة له . وقالت له  بأن صديقه   ( يعقوب جرجيس ) اعترف عليه من شدة التعذيب واخبرهم  . بأنك تروم  زيارة البلدة  الليلة  , وقالت له حين سألتها الشرطة , في اي  مكان سيختفي فيه  , فقالت في  الحسينية  ,  وهي متأكدة تماماً بأنه لم يلتجيء اليها ابداً  , لذلك تحركت مفرزة الشرطة نحون المكان المطلوب . واستعدت ان يقتلها بكل مقبولية ورضى  , لكن عليه ان يسمع ايضاً خياناته ,  وان تعترف بالحقيقة , حين كان يجلب عشيقته الى البيت في زي الرجال , ويصعد بها الى سطح البيت , وجارتهم تتلصص عليهم . ثم انه يهينها ويشتمها حين لم يناديها بأسمها , بل يناديها بأسم ( الجاموسة ) . وصرحت له بأن افندي الحكومة المخبر ( سهام سالم ) حاول خداعها واغتصابها , بأن تكون خليلة فراش , لان زوجها بحكم المنتهي لا شفاعة له بعد اليوم اذا ارادت ان تعيش  , ويقرر ( جسار شمخي ) ان يطلقها وان تكون حرة بعد الان .  لا علاقة تربطه بها , وحين يعود الى بلدته , يقتنص من ( سهام سالم ) بعدة رصاصات قاتلة , وفي لجة الفوضى والارتباك ,  وتبادل النيران مع افراد الشرطة , وضمن الهيجان العام .  تضيع اخبار ( جسار شمخي ) هل هو قتل أم انه مازال حياً ؟ , وكذلك اخبار  زوجته ( نرجس ) فقد ضاع اثرهما , ولا يعرف احداً , اين يتواجدان أم اختطفهما الموت ؟
× الطبعة الاولى : عام 1991
× 350 صفحة
جمعة عبدالله