عفرين في مواجهة الفاشية التركية والقوى المهيمنة- دلشاد مراد

لطالما كانت سياسة الإبادة بحق الشعوب الأصيلة في الشرق الأوسط جزءاً من المخطط الاستعماري الرأسمالي بغية فرض سيطرتها وحاكميتها على العالم بأجمعه، فالشرق الأوسط هو المركز التاريخي والثقافي وثقل العالم الذي نحيا عليه. ولا نبالغ إن قلنا إن ما تعيشه دولة الاحتلال التركي من الارتباك الواضح والتصرفات اللامسؤولة والتي تدخل في هذا الإطار، هي بتحريض من الدول المهيمنة عالمياً.

نحن نعلم أن المجازر التركية بحق الشعوب الأرمنية والسريانية والآشورية والكردية في الربع الأول من القرن الماضي كانت بتحريض من القوى المهيمنة عالمياً ، فتلك القوى تطبق سياسة «فرق تسد» بحق شعوب المنطقة لتسهيل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، فاستخدمت ولاتزال للأسف ورقة الفاشية التركية المشبعة بالذهنية التوسعية والهمجية لضرب شعوب المنطقة.

إن المقاومة الجارية في عفرين تمثل حقاً مقاومة العصر ضد سياسة الإبادة والإنكار لدى الفاشيين الأتراك، وهذه المقاومة لم تكن لتحصل لو لم يعتمد شعوب ومكونات روج آفا والشمال السوري عموماً على الفكر المناهض للحداثة الرأسمالية والأفكار الهدامة التي تنشرها في العالم.

وهذا الفكر المناهض للفاشية وسياسة الإبادة والإنكار هي فلسفة ونظرية الأمة الديمقراطية التي طرحها القائد عبد الله أوجلان، وبسبب هذا الطرح الإنساني والبديل للأزمات الناتجة عن الحداثة الرأسمالية كان المخطط الدولي من جانب القوى المهيمنة باعتقال القائد أوجلان، ولكن ذلك لم يؤثر قيد أُنملة على الارتباط الوثيق للقائد مع شعبه أو التأثير عليه أو على حركة التحرر في منطقة الشرق الأوسط.

إن مقاومة العصر في عفرين هي في الوقت ذاته مقاومة الحداثة الرأسمالية وفكرها البغيض القائم على الإبادة والتهميش والاحتلال.. ولهذا السبب نرى صمتاً من قبل القوى المهيمنة في العالم اليوم تجاه العدوان التركي والذي يقوم بقصف المدنيين والمنشآت الحيوية والبنى التحتية والمواقع الأثرية والحضارية.

إن السبيل الوحيد لصد العدوان التركي يتمثل باستمرار اتباع خيار المقاومة الشاملة دون أي تفكير ولو للحظة بالتراجع عن هذا الخط الذي يعد مبدأً استراتيجياً لشعوب المنطقة عموماً لحماية نفسها من خطر الإبادة التي تتبعها قوى الحداثة الرأسمالية من خلال أداتها المتمثلة بالفاشية التركية.

وبالتأكيد إن الفئات التي تعتمد عليها الفاشية التركية في احتلال الأراضي السورية «مرتزقة الأخوان المسلمين وما يسمى درع الفرات وعناصر داعش» سيكون مصيرهم الإمحاء في أتون الحرب الاحتلالية التي تشنها تركيا على المنطقة، فهم ليسوا إلا أدوات وبنادق لدى دولة الاحتلال التركي التي تقوم بجعلهم جسراً لها لاحتلال المنطقة من جديد.

إن وحدة الشعوب والمكونات السورية في مواجهة العدوان التركي له دور واضح في دحر وإفشال سياسة الإبادة بحق الشعوب الأصيلة في المنطقة، وعفرين تمثل امتحان وتمثيل لتلك الوحدة التي من خلالها يتم إرجاع الوجه الحضاري المشرق للشرق الاوسط إلى سابق عهدها.

*زاوية “في العمق” / صحيفة روناهي- شمال سوريا