آمريكان إنتربرايز: أقيموا منطقة عازلة.. ولكن داخل تركيا وليس سوريا

قبل وقت قصير من عيد الميلاد، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعد الرئيس التركي “ترامب” بأنه لم تعد هناك حاجة للقوات الأمريكية داخل سوريا، لأن تركيا ستقاتل “داعش” بدلا عنها. ربما لا يكون “ترامب” قد أدرك عدم صدق “أردوغان”، فقد كان الرئيس التركي متواطئًا في صعود “داعش” ودعمه، بحسب ما كشفت الأدلة الاستخباراتية والطب الشرعي. وكتب “ترامب” وقتها: “قواتنا ستعود إلى الوطن”.

أدى التحول المفاجئ في السياسة الأمريكية إلى استقالة كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس والمبعوث الخاص بريت ماكغورك، لكن في الأسابيع اللاحقة، أقنع كبار مسؤولي الأمن والدفاع “ترامب” بإبطاء الانسحاب، إن لم يغير رأيه تمامًا. كان سبب إبقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا واضحًا: الحفاظ على وجود صغير هو أمر حاسم ورادع للجماعات الأخرى عن ملء الفراغ الذي ينتج عن القضاء على “داعش”. على سبيل المثال، تقوم فرقة أمريكية صغيرة بإحباط ما يسمى بالجسر البري الذي يرسل به فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني مقاتلين وإمدادات عبر العراق وإلى سوريا ولبنان. كما أن هذا الوجود الصغير مهم أيضا لجمع المعلومات الاستخبارية. والأهم من ذلك، أن التواجد الأمريكي يمنع دولًا أخرى مثل تركيا من غزو المنطقة.

بالطبع، تريد تركيا من الولايات المتحدة مغادرة سوريا حتى تتمكن تركيا من الحصول على مطلق الحرية في استهداف الأكراد السوريين والكيان المتمتع بالحكم الذاتي الذي أنشأوه داخل سوريا. ببساطة، فإن تاريخ تركيا الممتد لعقود من الزمن والذي يحارب التمرد الكردي في الداخل، إلى جانب العنصرية المتفشية في قيادة تركيا، قد ترك السلطات التركية غير قادرة أو غير راغبة في التمييز بين التعبير السلمي عن الهوية الكردية والإرهاب. هذا أحد الأسباب وراء قيام “أردوغان”، بإصدار أمر للقوات التركية بدخول منطقة “عفرين” السورية (على الرغم من عدم وجود أي حدث إرهابي واحد موجه ضد تركيا من هناك)، وهدم المنازل الكردية، ونبش المقابر، وهدم التماثيل، وتطهير المنطقة عرقيا.

تستثمر الولايات المتحدة في حماية الأكراد. كانت الجماعات المسلحة الكردية السورية بمفردها أكثر الجماعات نجاحًا في محاربة تنظيم القاعدة و”داعش” داخل سوريا. في حين أبقت إدارة “أوباما” في البداية التعاون مع أكراد سوريا في متناول اليد، من أجل كسب تعاون تركيا ضد “داعش”، فإن لعبة تركيا المزدوجة أقنعت السلطات الأمريكية في نهاية المطاف أنه ليس لديها خيار سوى العمل مباشرة مع الأكراد السوريين. التخلي عن الأكراد وتسليمهم إلى تركيا سيكون بمثابة دعوة لذبح الأكراد الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. كما أنه سيشير إلى جميع شركاء الولايات المتحدة الحاليين والمستقبليين، بأن الولايات المتحدة لا تقف إلى جانب الحلفاءز

مع انسحاب الولايات المتحدة من سوريا بعيدًا عن الطاولة الآن، ومع إدراك الأتراك أنهم لا يستطيعون القيام بدور مضاد ضد المصالح الأمريكية، تتركز المفاوضات الآن على منطقة عازلة داخل سوريا لإبعاد القوات الكردية عن الحدود التركية. قد تكون فكرة المنطقة العازلة لفصل الجيش التركي والقوات الكردية فكرة جيدة، لكن إذا أردنا أن تنجح في تحقيق هدفها المعلن بدلاً من أن تكون مجرد تغطية للتطهير العرقي التركي المتجدد، فيجب أن تكون على الجانب التركي من الحدود بدلاً من داخل سوريا.

في الثمانينيات والتسعينيات، دمر الجيش التركي الآلاف من القرى الكردية على الجانب التركي من الحدود كجزء من استراتيجية “أنقرة” لمكافحة الإرهاب، ومن أجل إنشاء طوق لعرقلة تسلل المتمردين والإرهابيين من سوريا وملاذ آمن داخل القوى الكردية.. أدى تدمير هذه البلدات والقرى إلى فرار ملايين الأكراد إلى إسطنبول وأنقرة وإزمير وغيرها من المدن التركية الكبرى. لم يكن هناك دمار نتيجة للمراكز السكانية الكردية داخل سوريا، ومع ذلك، عانق الكثير منها الحدود التركية.

في الواقع، إن الترحيب بأي منطقة آمنة في سوريا يعني الترحيب بما بفعل ما يفعله الجيش التركي على أراضيه منذ أكثر من ربع قرن، في البلدات والقرى الكردية السورية. أضف إلى هذا المزيج أن الدافع وراء المنطقة العازلة تغذيه بدرجة أكبر لا عقلانية “أنقرة” ورغبة “أردوغان” في صرف الانتباه عن إخفاقاته الاقتصادية، وليس هناك سبب يدفع الأكراد إلى دفع الثمن.

إذا كانت تركيا تريد وجود منطقة عازلة، فيجب أن يكون الموقف الأمريكي واضحًا: يجب على الجيش التركي الانسحاب من سوريا، والتراجع 10 كيلومترات عن الحدود السورية، لصالح المراقبين الدوليين. إذا كان هذا قد يبدو مثيرا لغضب الجمهور التركي، فربما يتعين عليهم التفكير في الكيفية التي تظهر بها مطالبهم، خارج المنطقة المحاصرين فيها داخل فقاعة الإعلام التركي.

One Comment on “آمريكان إنتربرايز: أقيموا منطقة عازلة.. ولكن داخل تركيا وليس سوريا”

  1. طالما ٣٠ مليون کوردي في ترکيا لا يستطيعون فعل شيء ضد الجرائم الترکية ، بل قسم کبير منهم يعطي صوته للمجرم أردوغان و الباقي لا يتعب نفسه حتی في تعليم أطفاله اللغة الکوردية فلا مجال للإيمان بالقضية الکوردية ، من الأفضل للکورد في سورية فصل نفسهم عن مشاکل الکورد في ترکيا و العمل من أجل أنفسهم کأکراد سوريين عسی و لعل يفيدهم هذا في الحصول علی دعم دولي يقيهم شر ترکيا و يمنع عنهم أي هجوم مستقبلي للأسد عليهم ، رأينا في عفرين أن من تسببوا في ضياعها کانوا معظمهم قادة في حزب العمال الکوردستاني ، لم يعطوا المجال لأهل عفرين للتصرف بحکمة لکي لا تضيع المدينة ، إن لم يفعلوا الآن و لم يأخذوا زمام المبادرة فإن مصير شرق الفرات أيضا لن يکون أحسن من مصير عفرين

Comments are closed.