على وقع إجراءات داخلية عراقية وأخرى خارجية استهدفت بمجملها الإقليم الكردي، للشهر الثاني على التوالي، عقب استفتاء الانفصال الذي أجرته أربيل في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، كشفت مصادر رفيعة في بغداد، بينها قيادات تركمانية زارت الأسبوع الماضي أنقرة، عن مشروع متعلق بتركمان العراق.
فقد عقدت تلك القيادات اجتماعات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للبدء في إعداد مشروع خاص بتركمان العراق، القومية الثالثة بالبلاد، من ناحية العدد، بعد العرب والأكراد، عبر إنشاء إقليم خاص بهم، من ضمنه كركوك وتلعفر وطوزخورماتو، أهم معاقل التركمان الرئيسية شمال العراق، أو اعتبارها محافظات ذات أغلبية تركمانية تمنع أي مطامع كردية جديدة في المستقبل لضمها إلى إقليم كردستان.
في هذا السياق، كشف مسؤول عراقي بارز أن “المشروع يحظى بدعم إيراني تركي كبير، في حين لم تتم معرفة رأي رئيس الوزراء حيدر العبادي بالمشروع أو قيادات التحالف الحاكم للعراق”. وأضاف المسؤول أن “مؤتمراً شعبياً مرتقباً للقوى والقيادات التركمانية من المؤمل أن يعقد في كركوك أو بغداد خلال الأسابيع المقبلة، بهدف توحيد موقفهم سياسياً من الأزمة الحالية وإيجاد ما وصفه بكيان مستقل بالعراق أسوة بالعراق والأكراد“.
وبيّن أن “الطرح الحالي للمشروع يتفاوت بين إنشاء إقليم إداري يرتبط ببغداد يضم تلعفر وكركوك وبلدات التون كوبري وأمرلي وطوزخورماتو، تتخذ شكل نصف دائرة في الشمال العراقي وتلاصق جغرافياً محافظات أربيل ودهوك والسليمانية (إقليم كردستان العراق)، أو من خلال اعتبار تلعفر محافظة وفصلها عن محافظة نينوى وتحويل طوزخورماتو من قضاء إلى محافظة والحاق أمرلي بها ومنح كركوك وضعاً خاصاً، والتي يعتبرها التركمان مركزهم القومي الأول ويرفضون اعتبارهم قومية ثانية بعد الأكراد، ويطالبون اليوم باعتماد إحصاء عام 1997 السكاني، إذ يتهمون أربيل بإحداث تغيير ديموغرافي كبير وتوطين نحو نصف مليون كردي بالمدينة بعد الاحتلال الأميركي للعراق“.
وتركمان العراق هم ثالث جماعة عرقية في البلاد، تعود أصولهم إلى قبائل الأوغوز، التي استوطنت العراق على شكل هجرات كبيرة بدأت منذ العهد الأموي، مع استعانة الأمويين بالقبائل التركية لصدّ المد الفارسي في العراق، تحديداً في البصرة. وتلتها موجات متفرقة، كانت أكبرها بعد القرن العاشر للميلاد مع دخول السلاجقة إلى العراق. وعدد التركمان في العراق حالياً نحو 2.5 مليون نسمة، إلا أن تقارير أخرى صادرة من جهات تركمانية تحدثت عن ثلاثة ملايين، من دون تأكيد رسمي، لعدم إجراء العراق أي إحصاء سكاني رسمي منذ نحو 20 عاماً.
من جانبه، ذكر قال القيادي بالجبهة التركمانية العراقية حسن توران، أن “الهيئة التنسيقية للمؤتمر التركماني العام في العراق هدفها الحفاظ على وحدة العراق وعدم المساس بها، وكذلك الدفاع عن الحقوق الدستورية للمكوّن التركماني. وباشرنا بعرض المشروع التركماني على الأطراف الوطنية داخل العراق وكذلك خارجه، حيث حققنا زيارة إلى تركيا في هذا الشأن، بدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان. ولدينا زيارات إلى الدول العربية وإيران والولايات المتحدة، والجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومشروعنا الحالي هو أولاً إعمار المناطق التركمانية المدمرة، خاصة تلعفر“.
وكشف توران أن “مسألة إنشاء إقليم تركماني غير واقعية ولم تطرح، لكن المشروع هو إعطاء كركوك وضعاً خاصاً وتحويل تلعفر إلى محافظة، وكذلك طوزخورماتو من قضاء إلى محافظة، بحسب النظام الدستوري للعراق“.
النائب في البرلمان العراقي، رئيس الجبهة التركمانية، أرشد الصالحي، أوضح أن “الجهود الأخيرة أدت إلى توحيد الموقف التركماني بالعراق، وكذلك توحيد خطابهم الخارجي. وهذا مهم جداً، لذا المشروع الحالي هو تحويل تلعفر وطوزخورماتو إلى محافظات، ولا صحة لطرحنا مشروع إقليم تركماني”. وتابع: “نسعى جاهدين لأن تكون هناك محافظات عراقية جديدة يتم استحداثها لحل المشاكل الاقتصادية والأمنية، مثلاً أن تكون هناك محافظة مثل تلعفر أو محافظة مثل طوزخورماتو. ويجب التنويه بأنها لن تكون محافظات تركمانية بل محافظات عراقية تتواجد فيها مكونات أخرى“.
ولفت الصالحي إلى أنه “بخصوص كركوك، مشروعنا واضح، كي لا تحصل هناك مشاكل سياسية وأمنية وإدارية مستقبلية، فإن الحل الأمثل للمدينة هو أن نراعي فيها ما كتب في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية عام 2003 التي أعطت كركوك وضعاً خاصاً، وفي هذا الوضع الخاص، يمكن معه أن يتم تشكيل إدارة مشتركة توافقية بين مكوّناتها، ويكون لكركوك وضع استثنائي خاص، ما يمكن أن يؤدي إلى حل بعض المعضلات“.
ورأى الخبير بالشأن العراقي، فارس العبيدي، أن “استحداث إقليم أو إنشاء محافظات تركمانية ملاصقة لإقليم كردستان، يعني القضاء على الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة ضمن حدود يطمح أن يصل إليها”. وأضاف أن “معظم المناطق ذات الغالبية التركمانية نفطية، والبشمركة انسحبت منها قبل أسابيع، ضمن تداعيات الاستفتاء وحملة بغداد العسكرية. بالتالي فإن تأسيس إقليم جديد أو محافظة، سيكون من شأنه وقف التمدد الكردي وبقاؤه ضمن محافظاته التقليدية الثلاث (أربيل ودهوك والسليمانية). وهو ما ترغب به إيران وبالتأكيد تركيا وكذلك يمنح العراق أفضلية في التعامل السياسي مع الورقة الكردية مستقبلاً“.
النائب بالبرلمان العراقي خالد المفرجي، أوضح أن “المكوّن العربي في كركوك لا يعارض أن تكون كركوك إقليماً مستقلاً”، مضيفاً أنه “حالياً كركوك بمرحلة انتقالية، ونحتاج لمزيد من الحوارات والمحادثات بين القوى السياسية المختلفة، وبعد استقرار الوضع في كركوك، ولا نمانع أن تكون كركوك إقليماً مستقلاً غير قومي بل إداري يحتضن الجميع، فهذا من الحلول المقبولة لدينا“.