3/11/2017
خرجت الاوساط الشرق اوسطية بكل تكتلاتها القومية والدينية والمذهبية والطائفية والعرقية وبكل شرائحها الاجتماعية بما تحمله من مقومات التأويل والتفسير والتحليل حول الاحداث التي عصفت بالمنطقة عموماً وبالمنطقة الكوردية ” كوردستان ” خصوصاً، ولم تعد هناك مجموعة او تكتل او فيئة الا وابدت رؤيتها حول الماهيات والمعطيات والموجبات والمترتبات، وبالتالي اصبح بالامكان الوقوف على اهم ملامح تلك الاراء وفق منظور مغاير نوعاً، بحيث يمكن التعرف على الصالح من تلك المجموعات وعلى الفاسد بوجهة نظر كل قومية او دين او طائفة او مذهب، وعلى هذا الاساس يمكن الحكم عليها، اذا ما كان يمكن الوثوق بها في القريب الآجل ام انها اصبحت في خندق العدو الذي حتى ان مد اليك يده للمصافحة عليك ان تحذره لان سلامه مسموم وكلامه مسموم وانفاسه مسمومة.
وهذا ما اكدته الاحداث في المنطقة اجمالاً بدءاً باليمن “الحوثيون والجنوب العربي”، وصعوداً الى ما يسمى العراق ” الايراني ” والفيدارلي، ومروراً بسوريا المنكوبة بين فكي النظام والمعارضة من جهة وبينها وبين التيارات الاسلامية الارهابية كالنصرة وداعش وحزب الله من جهة اخرى، فضلاً عن التيار الكوردي الصاعد والمدعوم من التحالف الدولي، ووصولاً الى الاحداث في تركيا وتصاعد وتيرة المداهمات والقاء القبض على السياسيين والعسكرين وحتى اعضاء البرلمان والقيادات الكوردية ومن ثم في ايران التي تصاعدت وتيرة المظاهرات المؤيدة للاستفاء الكوردي والرافضة لنظام الملالي والى غير ذلك من الاحداث التي تعصف بالمنطقة اجمالا كالسعودية ومصر وقطر والبحرين واستقالة الحريري في لبنان وقرع طبول حرب اهلية وتحالفات ضد حزب الله لاسيما تحركات السعودية بهذا الشأن.
هذه الاحداث اجمالاً احدثت شرخاً واضحاً بين الشعوب وقياداتها، واظهرت بان الحكومات لاتمثل الا جزء يسير من شعوبها لكونها لاتحقق مطاليبها، ولكونها مأجورة كغيرها من الحكومات الشرق اوسطية تقوم باعمال المنظومة الدولية نيابة ووكالة، دون الاخذ بالاعتبار شعوبها وتطلعات هذه الشعوب، والشعب الكوردي كغيره من شعوب المنطقة وقع تحت فخ المنظومة الدولية ومصالحها، ولكنه خلافاً للواقع السائد كان وراء حكومته في خطوتها ” الاستفتاء ” فالنسبة المؤيدة وصلت ( 92%) وبذلك افترض الجميع بان الحتمية الصوتية ستأتي بثمارها، الا ان الوقائع تبدلت بين عشية وضحاها، ويمكن ارجاء تلك المتغيرات المفاجأة الى عدة عوامل نذكر بعضها على سبيل المثال ولا الحصر:
- رئاسة اقليم كوردستان اعتمدت في سعيها لتحقيق اهدافها الاستقلالية او اهدافها المتعلقة بالحصول على امتيازات اكثر للكورد داخل العراق الفيدرالي على صوت الشعب، واعتقدت بان هذا كافي في تحريك المجتمع الدولي لتلبية مطاليب الشعب، فحين تجد في اية بقعة على الخراب الارضي هذه النسبة المؤيدة للاستقلال من المفترض ان تجد لها صدى بين الاوساط الدولية وان يلبي المجتمع الدولي مطاليب هذا الشعب، وعلى الرغم من كون رئاسة الاقليم قالت بانها لديها بدائل الا ان جميع تلك البدائل لم ترتقي الى المستوى المطلوب كي تحقق هدفها المنشود، وهذا فقط ما شاب الاستفتاء كون التوقعات لم تكن بالمستوى المطلوب والمدروس والمخطط له، لاسيما ان العوامل الداخلية هي الاخرى ساهمت في تأجيج الوضع وتحريكه لصالح القوى الخارجية وليس مطاليب الشعب الكوردي.
- انعدام الرؤية الداخلية لاسيما حول المتاهات التي خلقتها التحالفات الحزبية داخل الحزب الواحد” الاتحاد الوطني الكوردستاني انموذجاً”، وهذا ما احدث الفارق في المسألة كلها، فبعيدا عن توقعات البعض منا حول امكانية خضوع جهة معينة الى الضغوطات الخارجية لاسيما ايران” قاسم سليماني”، فان الامر لم يكن بتصور الغالبية من المراقبين يمكن ان يتجه الى مسألة “الخيانة ” لاسيما ان تلك الجهة شاركت في الاستفتاء وعَبَر كبار شخصيات تلك الجهة الحزبية عن تأييدهم التام لتطلعات الشعب الكوردي، الا ان الغلبة في النهائية كان للتيار الموالي لايران واخضعت التجربة كلها الى واقع غير متوقع واصبحنا في خندق الدفاع بعدما كان الكوردي في موقع المسيطر والذي كان بالامكان الحصول على مكتسبات اكبر بدل فقدان الكثير منها.
- تردد رئاسة الاقليم والحكومة الكوردية في اتخاذ موقف حازم اثناء الاحداث التي عصفت بالقضية كلها، كان من المفترض ان تخرج الى الاعلام لتعلن في نفس الوقت للشعب الموقف العام وتقوم بشحن الرأي العام الكوردي وتوجه القوات العسكرية ” البيشمركة ” لوقف التمدد الحاصل جراء انسحاب بعض قطاعات البيشمركة الموالية للتيار المتهم بالخيانة.. ولكن غاب صوت رئاسة الاقليم والحكومة مما اتخذ الجانب الاخر حجة وتمددت داخل الاراضي الكوردستانية بداعي فرض القانون والامن وانتهكوا الحرمات وداسوا بالدبابات على بعض افراد البيشمركة وكأنهم في حرب مع دولة اخرى معادية، وبعيداً عن السياقات القانونية في هكذا افعال لانها بلاشك تخالف جميع القوانين الدستورية والاعراف الدولية الا ان الامر حصل، ورئاسة الاقليم والحكومة الكوردية تتحمل مسؤولية الكثير من ذلك الانهيار لكونها دخلت في حالة الصدمة ولم تتوقع ان يتم الامور على هذا النحو وان يتم طعنهم من الداخل.. وبذلك ابتعدت عن اتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع حد للخلل الحاصل الذي ادى الى” شبه ” انهيار الجبهة الداخلية بشكل نسبي.
- يضاف الى ذلك موقف الاعلام الداخلي الذي هو من المفترض اعلامي كوردي يسعى لوضع الحقائق امام اعين المواطن الكوردي ويوضح الصورة له كي لايقع في المحظور وكي لايتاثر نفسياً ويظن بان اهم ركيزة في المجتمع الكوردي ” البيشمركة ” متخاذل، فالاعلام وضع البيشمركة في موقف محرج جداً واغلب القنوات الكوردية تحولت الى قنوات عدائية تحاول فرض وجهة نظرها حول ماهية الخيانة والانتقاص من الاخر بل وصل الامر الى ان يظهر جيل جديد من المتحدثين باسم احزابهم ويقومون بتشويه صورة الرموز الكوردية .. وهذا اثر سلباً على المجتمع بصورة كبيرة وساهم في تحول الراي العام الخارجي المستغل لهكذا اوضاع ليتوجه هو الاخر الى الطعن بالكوردي ويصفه بالخيانة والعمالة.. واعتقد بان الدوافع الحزبية والشخصية لبعض الجهات اصحاب الاجندات الخارجية ساهمت بشكل مؤثر في تأجيج هذه الحالة ، حالة الانفصام الاعلام الكوردي.. ولو لا الانتصارات التي حققها البيشمركة في بعض المواقع مثل ” بردى وسحيلة وزمار” لكان الوضع النفسي قد وصل الى مرحلة الانهيار التام، ولكن تلك الانتصارات ردت الاعتبار للبيشمركة ورد الاعتبار للمؤمنين بهم.
- الموقف الدولي والاقليمي ايضا ساهم بشكل كبير في تحريك المؤشرات المؤدية الى خلق شرخ كبير في الاوساط الكوردية لاسيما بعد اعلان ايران غلقها للمعابر وتهديد تركيا بانها ستفعل ذلك اذا طلبت منها بغداد ناهيك عن قيان بغداد بغلق المنافذ التابعة لها ومنع الطيران واطلاق التهديدات باقتحام المدن الكوردية ومن ثم المصوغات الحالية التي تنم عن حقد وكراهية واضحة من قبلهم للكورد ومحاولاتهم المستمرة لافشال تجربة الاقليم ومحو اسمه في الموازنة وتخفيض الموانة نفسها بشكل مريب ومستهدف.. فضلاً عن الصمت الدولي على الجرائم التي ارتكبت في بعض المناطق الكوردستانية ضد الكورد من قبل الاحتلال العراقي بلباس الحشد الارهابي الحشد الشيعي الذي غالبية اجنحته ضمن قائمة الارهاب العالمي.
كل هذه الامور اجتمعت لتحول تجربة الاستفتاء الى صورة مأساة حقيقية للشعب الكوردي ظاهرياً، حيث ازداد قائمة الشهداء الذين سقطوا في الحرب مع داعش واضيف اليهم شهداء الدفاع عن كوردستان ضد الاحتلال العراقي والحشد الايراني الشعبي ، كما ان ضخ النفط تراجع بشكل واضح فبدأت المخاوف من انهيار الاقليم وعدم دفع الرواتب يُستغل من بعض الجهات لبث الفوضى، وضاعت كركوك واغلب المناطق الكوردية التي استرجعها البيشمركة من داعش، كما ان التهديد مستمر باندلاع حرب اخرى، فضلاً عن الجانب المعنوي والنفسي الذي اثر سلباً على الكثير من شرائح المجتمع، ولكن حسبما قلت ظاهرياً ومن المفترض ان هذه الامور هي نتائج طبيعية تراها بعض الاوساط للاستفاء، وفي الواقع انها كانت من الحتميات التي حشدت لها بغداد قواتها قبل الاستفتاء، والمؤشرات كلها كانت تذهب لوقوع هذه الحرب بين الحشد الشيعي المدعوم من ايران وبين قوات البيشمركة لاسيما ان الحكومة العراقية لم تزل تبحث عن منافذ لتغطيةعجزها والديوان المتراكمة عليها وانها ترى في كركوك وحقولها النفطية المخرج الابرز لازمتها، ناهيك عن ان الانتخابات العراقية الاتية كانت دافعاً قوياً لحكومة بغداد للقيام بهذه الاعمال كي ترجح كفتها على التيارات الاخرى التي نسبة ولائها لايران اكبر واقوى.
ومع ذلك فانه لايمكن الشك بأن الاستفتاء كان ولم يزل اهم خطوة قامت بها الحركة الكوردية التحررية منذ مايقارب الثلاث عقود، لكونها اوضحت بشكل واضح وبصوت مسموع ان الكورد مهما طال بهم الامد والبقاء تحت مظلة الاحتلال وسلطة هذه الدول لابد ان يصدحوا بصوتهم كي يعرف العالم بانهم يريدون انشاء كيان مسقتل خاص بهم، وان اية معطيات اخرى تبقى بنظرهم هي من الحتميات الاحتلالية السلطوية المفروضة عليهم، وسيبقى التصدع واقعاً في بنية اية مجتمع هم يشكلون جزء كبير منه دون نيل حقوقهم، وعلى هذا الاساس لايمكن النظر باعتقادي الى الاستفتاء الى انه كان خطأ وان الوقت لم يكن مناسباً،كما تذهب اليه بعض الجهات المحسوبة على القضية الكوردية والتي اصبحت رهينة للسلطة في بغداد، وهي نفسها الان التي تنذر بالخطر الذي يحيط بكوردستان جراء تحركات بغداد للنيل من الاقليم نهائياً، معللين بذلك ان الافضل كان القيام بحل الازمة ” الحزبية” السياسية الداخلية، فالتجربة اظهرت بان الصدع كان موجوداً ولم يكن بالامكان القيام باي شيء لسد التشققات التي افرزتها التحالفات الحزبية مع الجهات الخارجية سواء مع بغداد او ايران ” قاسم سليماني ” الذي كان له دور كبير وبحسب رأي الاوساط العراقية والايرانية في سيطرة القوات العراقية بجيشها وحشدها على كركوك والمناطق الكوردستانية الاخرى، ومع كل المتحركات الوقتية وحتى التي تؤسس لمرحلة قادمة لايمكن التكهن بمعطياتها بشكل واضح وقطعي، فان الاستفتاء استطاع من اخراج الحلم الكوردي من مرحلة السبات وكان انعطافة مهمة وكبيرة في تأجيجه لتصبح هذه المرحلة للتاريخ الكوردي مرحلة الاستفتاء وايصال صوته بشكل رسمي ومعلن الى المجتمع الدولي بانه يريد الاستقلال ويريد كيان خاص به، على الاقل ليقوم المجتمع الدولي بالتكفير عن ذنبه تجاه الكورد حين وأد مشروع الكيان الكوردي في مؤتمر لوزان، ومع انه كرر فعلته الا انه الان اصبح مقتنع تماماً بان الاوضاع لن تستقر الا بحصول الكوردي على مطالبهم المشروعة.