منذ أن حكمت دكتاتورية الملالي في ايران، ظهرت المواجهة الأكثر دموية وأشدها صعوبة في التاريخ الايراني، مواجهة الشعب والمقاومة الايرانية ضد نظام الارهاب الحاكم باسم الدين في ايران وهذه المواجهة لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا.
وسعى نظام الملالي بكل وسعه للقضاء على حركة المقاومة وعدم السماح لأي من أعضائها بالبقاء على قيد الحياة على الكرة الأرضية. وحاول بموازاة قتلهم، عزل المقاومة عن شعبها للايحاء أمام العالم بأنه ليس معارضة أمام النظام أو على الأقل ليست معارضة قوية أمامه.
كما كانوا يتبعون هدفا آخر من محاولتهم وأرادوا تجفيف مصادر ومنابع تمويل المعارضة أيضا وهو بالطبع هدف شيطاني ولكن في الوقت نفسه هدف دقيق للغاية. لأن الكفاح ضد الدكتاتورية في المجالات العسكرية والسياسية والثقافية والاعلامية يتطلب تكلفة مالية عالية جدا.
ولكن هل نجح هذا النظام في هذه المواجهة؟ بالتأكيد لا!
لأن المقاومة الايرانية هي مقاومة أصيلة وشعبية. قدمت 120 ألف شهيد وتحظى بموقع سياسي وشعبي قوي داخل ايران وخارجها. ولهذا السبب ليس لم يستقر هذا النظام على مدى السنوات الـ39 الماضية فحسب وانما بدأ العالم يرى الآن أن النظام يقترب من سقوطه بفعل هذه المقاومة أكثر من أي وقت آخر.
وخلال السنوات الماضية تمكنت المقاومة الايرانية من احباط كل محاولات النظام للتشهير والتآمر ومخططاته في شتى المجالات واحدة تلو أخرى وتهزم النظام وحتى «الامدادات الغيبية» (المساومون الغربيون مع النظام) الذين ساعدوا النظام بادراج اسم المقاومة في القوائم السوداء، هزموا بشكل فاضح في المحاكم الدولية وانتصرت العدالة على السياسة.
وأصرت المقاومة الايرانية على شعاره الستراتيجي أي الاطاحة بالدكتاتورية الدينية في ايران ودفعت ثمنا باهظا له وحافظت في الوقت نفسه على استقلالها السياسي والفكري والمالي بشعار «لا يحك ظهرك الا ظفرك» من خلال الاعتماد على التمويل الذاتي الذي تبلور في نشاطات واسعة لعناصر المقاومة داخل البلاد وكذلك انشاء مظلة لجمع التبرعات المالية من أبناء الشعب الايراني للمقاومة لتعرض مشاهد رائعة وباعثة للفخر لهذه المواجهة.
قناة الحرية (سيماي آزادي) التي تنشط منذ أكثر من 30 عاما، هي قناة تغطي ايران والشرق الأوسط وتنقل الوقائع بعينها في ايران تحت حكم الملالي وتدافع عن مصالح الشعب الايراني ومواقف المقاومة الايرانية.
ونظرا لموقعها الخاص، فان هذه الفضائية تتميز بسمات خاصة، لا يمكن قط أن تكون مستدامة لولا الدعم الشعبي لها. لأنه على الرغم من أن موظفيها هم في الغالب متطوعون يعملون دون مقابل، الا أن تكلفة الأقمار الصناعية واستوديوهات وغيرها من المتطلبات هائلة جدا. وقد اعتقل العديد من المراسلين لقناة الحرية داخل ايران وهم كانوا ينشطون سرا وتم اعدام عدد منهم، لأنه في ايران تحت حكم الملالي يعتبر أي علاقة بالمقاومة الايرانية جريمة وفي معظم الحالات عقوبتها «الاعدام». كما حكم على العديد من الأشخاص بالاعدام بسبب تقديم المساعدة المالية الى منظمة مجاهدي خلق.
فضائية «سيماي آزادي» التي تحظى بشعبية واسعة بين الايرانيين، تحولت في واقع الأمر الى جسر بين الشعب والمقاومة. فهذه الفضائية تطلق حملات لجمع التبرعات 3-4 مرات في كل سنة من الشعب وأنصار المقاومة. وفي هذه الحملات التي تستغرق عادة بين ثلاثة وأربعة أيام، يعلن آلاف من مؤيدي حركة المقاومة الايرانية من داخل ايران وخارجها عن دعمهم للحركة ويعلنون مساعدتهم المالية لمواصلة نشاط قناة الحرية. وشاركت في هذه الحملات بعض من الشخصيات السياسية والشعبية المتعاطفة مع المقاومة الايرانية من دول عربية واسلامية وأجنبية.
الحملة الأخيرة لقناة الحرية (سيماي آزادي) التي عقدت لمدة ثلاثة أيام في 3و4و5 نوفمبر الجاري، كانت لها ميزات خاصة من حيث العدد والجوهر حيث تظهر توسع المقاومة في المجالات السياسية والمالية والشعبية داخل ايران وخارجها. كثرة الاتصالات من مختلف أرجاء ايران لغرض تقديم الدعم المالي والسياسي والاعلان عن التأييد الشعبي للمقاومة أظهرت مدى غضب الشعب الايراني على حكم الملالي بحيث يجازف المواطنون باتصالاتهم رغم الخطر الذي يهددهم من معاقبتهم من قبل النظام ليبرزوا استعدادهم لاسقاط هذا النظام الدكتاتوري.
وتجلت في هذه الحملة التي كانت انعكاسا كاملا للقاعدة الشعبية والاستقلال المالي للمقاومة الايرانية، مرة أخرى حقيقة أن استراتيجية عملية اسقاط النظام الحاكم في ايران تسير في مسار صحيح وهي الآن تحظى بتأييد واسع النطاق على الصعيد العالمي. وهي حركة اصيلة تحظى بشرعية كبيرة ، رغم المجازر والاغتيالات التي استهدفت عناصرها داخل ايران وخارجها للقضاء عليها وبالرغم من مؤامرات النظام لابعادها من شعبها وهي ماضية باتجاه شعبها وترابها لتكون مستعدة لاتخاذ «الخطوة الأخيرة».
*کاتب و محلل سياسي خبير في الشأن الايراني.