هذه المرة بدأ اولياء امور الطلبة من وقت مبكر الحديث عن الشواغر بمختلف التخصصات في المدارس ولاسيما في مناطق الارياف وعلى تخوم المدن والبلدات الصغيرة البعيدة عن مراكز المدن .
ان واقع الحال والاحصاءات تؤكد ان المشكلة ليست هناك نقص فادح ، وانما سوء توزيع للملاكات التعليمية في المراحل الدراسية الثلاث، اذ يلاحظ هناك فائض بين الاسر في مدارس مراكز المدن ويلمس ان بعضا من هؤلاء لا يعطى النصاب من الدروس الذي تنص عليه التعليمات التربوية والادارية بل انه يأخذ اقل بكثير، ويكاد ان يكون في بطالة مقنعة تؤثر على الاداء الجيد لبقية زملائه في المؤسسة التعليمية.
المشكلة ليست جديدة تعاني منها مديريات التربية منذ عقود ، واسبابها معروفة للمعنيين وسبل علاجها ايضا لا تخفى على احد ولكن كلما تقدمت الجهات المسؤولة في هذا الصدد تشتد الضغوطات عليها وتدفعها لخرق الضوابط المعلنة التي اتخذتها على نفسها .
ابرز المعالجات اشترطت الوزارة على الراغبين في التعيين ان يكونوا من ابناء المنطقة ، ولكن هذا الشرط المعقول سرعان ما جرى تجاوزه بذرائع شتى وفي مقدمتها الفساد الضاغط والزعم بعدم توفر الملاكات من ابناء المنطقة، اي من الارياف واطراف المدن ، ربما ذلك صحيحا الى درجة معينة ، ولو فرضنا ذلك واقعا اليس بالامكان معالجته في مدة محددة والخلاص من هذه المشكلة والتحدي المستدام .
نعتقد ان ذلك ممكننا بالتخطيط السليم والتنسيق بين وزارة التربية والتعليم العالي والجامعات الوطنية بالاعلان مسبقا عن الحاجة الى التخصصات المطلوبة في المناطق التي تعاني نقصا مزمنا فيها وتوجيه من يرغب من الطلبة الدارسين في مدارسها والقاطنين هناك الى هذه الفرصة المضمونة للتعيين بعد التخرج وبشروط ملائمة تتعلق بالخدمة في مدارسها لسنوات قبل الانتقال الى مدارس اخرى من دون اي خضوع للضغوط اللاحقة ومما يخل بالالتزام الذي تعهد به المقبول عن هذا الطريق.
ان العدل والانصاف والمساواة بين الطلبة في تهيئة وسائل الدراسة وظروفها ، بل بين المعلمين ذاتهم ليحصدوا ثمرة جهدهم ان نوفر ظروفا لا نقول متساوية وانما معقولة ومقبولة لكي تكون المنافسة شريفة وعادلة وذات مردودات اداء وظيفي حسن في المستقبل عندما تتخرج الاجيال المتعلمة من جامعتها ولخدمة مواطنها وبيئاتها التي قدمت منها .
دائما يسطر في الخطط التنموية الارتقاء بالارياف والمناطق الشعبية وتطويرهما وتقليص الفوارق مع مراكز المدن ولكن يبقى الامر حبرا على ورق واهل المنطقة يهربون منها وليس الوافدون اليها في اقرب فرصة ويتشبثون بكل الوسائل للانتقال منها .
للاسف الشديد لا نجد لغاية الان اية كفاءة من المجموعة الطبية تسكن في الارياف او تخوم المدن الكل ابصاره تتجه الى المدنية لو توطنت هذه الكفاءات وغيرها لفرضت شيئا من ثقافاتها وطموحاتها في بناء حياة لائقة قريبة ما يحياها اهل المدن وارتقت بالوعي الجمعي للعموم الناس.