حقيقة وفي بادئ الأمر يعاني مجتمعنا من مشكلة كبيرة ومتضرسة في صدور البعض بشكل مخيف جدًا، ألا وهيَّ مسألة النقد، سأوضح ماهية النقد لغوياً: يأتي النقد في اللغة بمعنيين، الأول : نقد الشيء بمعنى نقره ليختبره أو ليميز جيده من رديئه.
الثاني : إظهار العيب والمثالب، وغمط الناس وبخسهم أشيائهم فيُقال ( فلان ينقد الناس ) أي بمعنى يُعيبهم ويغتابهم وأهل العلم قسموا النقد إلى قسمين على نحو ما ورد في اللغة ، فسموا أحدهما : النقد البنّاء ، وهو النقد الذي يُقوّم به صاحبه الخطأ ، ويحاول إصلاحه ، وسموا الآخر : النقد الهادم (أو الهدام) ، أي ما يكون لدفع الحق أو تحقيق العناد).
في نظري أن النقد هو وصف للتصرفات السلبية و الإيجابية بطريقة ودودة ترمي إلى التصحيح و التصويب في حال وجود الخطأ و إلى الاستمرارية في حال وجود نجاحات؛ أما النقد البناء يكون حول فكرة موضوعية يمكن قياسها، فالدخول إلى النيات والمقاصد ليس من النقد البناء، ولإيجاد نقاط تواصل لابد أن يكون النقد حول نقطة جوهرية واضحة ويكون البناء عليها تاصيلًا وتفريعًا.
والناقد الصادق يتجه نقده إلى صاحب العمل و كيف يطوره ويرتقي به دون أن يدمره ، فلا يكون هدفه إسقاط الآخرين أو إبراز ذاته من خلال نقده، وأعلم أنه من السهل جدًا إنتقاد الآخرين واكتشاف الأخطاء وإبرازها، ولكن من الصعب إكمال البناء وإتمام النقص وسد الثغرات.
النقد البناء
ما كان بعيدًا عن الهوى والتعصب والأحكام المسبقة، بل لابد أن يكون هناك تجرد وانصاف ومحاولة بناء نقدك على أصول شرعية أو عقلية كي ينضبط الأمر لديك، وكثير من الجدل يبرز ويظهر بسبب أن النقد كان سببه الجهل أو الهوى والتعصب فلكي يكون نقدك مقبولًا ومحترمًا لابد أن يكون مبني ومرتكز على أصول علمية صحيحة بعيدة عن الجهل والهوى.
أما النقد الهادم ( الهدام )
نقع اليوم في لُب هذا النوع من النقد ولكن بداعي النقد الأول البناء وهو محور ما أود أن أتناوله في هذا المقال هذه المشكلة التي نعاني منها في مجتمعنا أساسها من يعمل بهذه الطريقة النقدية أما أسباب الخلط بين نوعي النقد البناء والهدام هي لتحقيق مآرب تُفيد أصحابها أو الجهة التي جندت أفكارهم، أستخدم هذا النوع وبكثرة لنقد بعض الظواهر الاجتماعية كطريقة تعايش البعض، فتارة يذهب ألعلماني أو المدني أو الإسلامي وباقي القويمات والديانات إلى نقد الآخرين نسبة إلى دينهم أو مذهبهم أو سلوكياتهم التي نشأوا بها أو حتى ملبسهم و طريقة عيشهم من باب أن الأمور التي تنتقد خاطئة ويجب أن تُصلح وُتعدل بما يُناسب ما يريدون وما يخدم مصالحهم وحسب ما ورد في نهج وسلوكيات المنتقد هذا مبرر النقد البناء لكن مآرب النقد الآخر تتجلى في مرتكزات الخطوة القادمه للطرف الثاني تبدأ بعدها سُبل الصراع تنمو بين الطرفين، بين أفراد الوطن والقومية الواحدة وهنا أساس الكثير من المشاكل في حياتنا بلا شك أن بلدنا من البلدان التي تسلط عليها أضواء الإستعمار كأن يكون استعمار اقتصادي أو مذهبي أو تأريخي وبعض الخلافات بين المذاهب والأديان تُعتبر نقاط ضعف من الممكن استغلالها لتفشي وتصدير مشاريع الاستعمار، ويُتخذ مبدأ هذا النقد أساس كل الخلافات الجارية وحتى الاسلاميين الأكثر نسبة والمكون الأكبر في مجتمعنا فأن الدين الاسلامي حفظ حُرية العيش وحُرية التعايش بين كل الأديان وفي أطار الإنسانية أما ان يُصدر الإسلام بمسميات بعيدة عن فحوى الرسالة المحمدية فهنا تبدأ جذور الإستعمار بالتفشي وبطرق جما ومنها وأهمها هذه الطريقة النقديه المتفشية مؤخرًا في ربوع المجتمع، بلا شك أن للنقد أهمية كبيرة في تشخيص الأخطاء وتقويم المجتمع والتخلص من أهم الأمور السلبية الرائدة في جميع مجالات الحياة لكن من المهم جداً العمل بالنقد البناء من دون الخلط مع النقد الهدام وأنا مع بناء المجتمع بطريقة صحيحة تشخص المشكلة وتحوط أهم أسبابها ونقدها نقداً مُلم ومدروس بشكل جيد.
الفيلسوف فرنسي لوك فيري، من مواليد 1952، شغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا سنة 2004، هو واحد من الفلاسفة الفرنسيين الجدد، الذين ساهموا في تطوير بعض مفاهيم الأوساط الفلسفية الرائدة وبفلاسفتها المعروفين أمثال “ميشيل فوكو” و “جاك لاكان” و “جيل دولوز” وغيرهم الكثير، في كتاب لوك فيري ( تاريخ الفلسفة ) هُناك فصلًا يتحدث فيه عن الفيلسوف الشهير (نيتشه)، وعن أهم أفكاره، يقول في بداية حديثه عن المنهج التفكيكي:
إن فلاسفة التفكيك إذ يقومون بعملية الهدم يأملون بالتخلص من القيود “الأيدولوجية” التي تكبلنا، وبهذه الطريقة يأملون في تحرير أبعاد من الوجود المنسي إلى ذلك الحين، مُخمدة أو مقموعة، كما هو الشأن بالنسبة إلى اللاشعور أو الحيوانية فينا.
فالمنهج التفكيكي قائم على تفكيك الأفكار والبُنى الفكرية، للوصول إلى حقيقتها ، وتبيين زيفها من حقيقتها، يقول عن (نيتشه) مؤسس هذا المنهج:
(نيتشه) هو بالفعل من أبتكر فكرة التفكيك، إنه يريد، على حد قوله، “أن يتفلسف بالمطرقة” لتحطيم “الأوثان“، أي المُثل العليا التي تحملها الميتافيزيقيا الكلاسيكية، كما تحملها أيضًا الأيدولويجيات “التقدمية” التي تدّعي باسم العقل والأخلاق والتاريخ إخضاع الحياة لـ”قيم مثالية عليا” مزعومة.. مثل الشيوعية، الديموقراطية، حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية، إلخ.
يتابع بعد ذلك قائلًا:
وبهذا سيتخذ فكر (نيتشه) شكلًا يسمى بـ”الجنيولوجيا“، أي دراسة الجذور الخفية لما تحمله الأوثان سرًا من أوهام خفية، وذلك قبل التحليل النفسي بأمد بعيد.
حقيقة في مجتمعاتنا نحتاج بالفعل إلى المنهج التفكيكي نحتاج إلى أن ننخر في بعض الأمور المتكلسة والمتصلدة والقيام بتفكيكها والعودة إلى حقيقتها حتى يصبح النقد وسيلة لحل المشاكل وتقويم المجتمع بقوام واضح ومبني على فلسفة منطقيه خالية من شوائب السنين والعادات والتقاليد، من الضروري جدًا أن يُعلم ويُدرس النقد البناء حتى يُخلق جيل قادر على أن يحطم القناعات الخاطئة والمتراكمة وأن يُبدد ويقطع الخطوط الحمراء وكل ما ينافي العقل والمنطق، يطمح التفكيك إلى تخليصنا على هذا النحو من قيود التعالي ، فإنه سيحرر أبعاد الوجود الإنساني التي حجبتها الإكراهات “المثالية” وأستغلال القيم والأسس لدوافع شخصيه تنفع أصحابها.
الكثير منا يمتعض عند سماعه لأدنى نصيحة أو نقد، ويرى في ذلك منقصة لشخصيته وقدرته الشخصية، والحقيقة أن سبل النجاح وتحقيق كمال الشخصية لا بد أن يمر عبر نقد بناء يشرف أشراف كامل على تغيير كل ما هو خاطأ في مجرى حياتنا، والأنسان الناجح هو الذي يستفيد من أخطاءه وأيضاً يجب أن يراعي المنتقد طرق تقبل الطرف الآخر للنقد واختيار سُبل مقبولة لتلقي النقد حتى يصل مبتغاه وغاية مراده، وفي نهاية الأمر أن أحببت أن تكون أنسان ناجحاً في حياتك تعود على ترويض نفسك لقبول الرأي الآخر المخالف لرأيك وضع في مخيلتك توقعات لصواب هذا الرأي وأن يُحتمل الخطأ في رأيك وعقيدتك وأنك كنت في غفلة أنتبهت لها مؤخرا فتقبل الأمر من باب البقاء للعقيدة الأقوى والفكرة والرأي الأصح وأن رغبت ان لا تبينها للأخرين فتباحث وتناقش بها مع نفسك أو من هو أهلا للنقاش وتقبل الآخر وتنوع الافكار، طالما أن الشك يؤدي إلى طريق التحقق والحقيقة فأتبع دائما الشك وتأكد مما تعتقد أما التسليم لما تعتقد من دون عقيدة قوية متأكد منها يُعتبر سذاجة وجهل وتمسك بأمر مشكوك به، ربما أن الامر في بدايته صعب وقليل من يتقبله لكن في النهاية سنحقق الكثير من الأمور وننبذ الكثير من الجهل والاستمرار بالخطأ ونساهم في رُقي مجتمعاتنا وتقدمها وازدهارها.