ان ابرزمؤشر فساد لمنظمة الشفافية الدولية والذي تم نشرة حول مؤسسات الدولة يحتل العراق فيه المرتبة 161 من أصل 168 مما اجبر الحكومة ان تستعين بمحققين دوليين لاشراكهم في ملفات فساد “كبرى“كما تقول للمساعدة في التحقيق واهمها معرفة مصير 360 مليار دولار مفقودة منها 100مليار خارج البلد وسوء الإدارة الذي يمثل تحد يواجه العراقيين منذ سقوط النظام السابق قبل 14 عاما ويعاني العراقيون منه ولا احد يعرف متى ينتهي في ظل هذه الاجواء السلبية والمحاصصة الطائفية التي تكرسه وتزيد الطين بلة، وما سببه استهتار الإرهاب من تدمير للبنى التحتية، وما نجم من تقشف مالي نتيجة هبوط اسعار النفط الذي يمثل المورد الرئيسي للميزانية العامة للبلد، وزيادة نسبة البطالة وفقدان الخدمات الضرورية والاعمار وتلكؤ الانتاج الزراعي وبضمنه زيادة الواردات للمواد الاستهلاكية الضرورية وانتشار الامراض بفعل تلوث المياه والتدهور البيئي وتكاثر العشوائيات.
الفساد هو أحد الظواهر المجتمعية التي يمكن رصدها في المجتمعات كافة اياً كان موقعها الجغرافي أو العصر التاريخي الذي تعيشه وكذلك أياً كانت درجة نموها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، والفساد الإداري مهما كانت درجة انتشاره مرفوض لأنه يمثل في واقع الأمر انتهاكاً صارخاً للقيم الأخلاقية والاجتماعية للفرد والمجتمع، وعندما ينتشرفي جسم دولة ما ليصل الى شعيراته الدقيقة ومؤسساتها العامة والخاصة وأيضا قطاعاتها القضائية والتعليمية واقتصادية…الخ بسب قصور القوانين والتشريعات الرادعة وهشاشتها، فأنه يضعف من استقرارها لا محال وهناك اسئلة كثيرة تطرح في الشارع العراقي اليوم ومنها الى متى تبقى الاوضاع على ما هي عليه؟ وما هي اجراءات الجهات المختصة لوقف التدهور على الصعد كافة؟ ومتى يتلمس المواطن جهدا حقيقيا لمعالجة المعضلات المتراكمة التي تسمم حياته اليومية وتصادر حقه الثابت في العيش الكريم .
الفساد كما هو معروف ينخر القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه تباع المناصب الرسمية وتشترى، كما ويؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية، وأن محاربة الفساد بكافة أشكاله في العراق تبدأ من محاربة الفساد السياسي ولو لم يكن الفساد السياسي مستفحلا لما شاهدنا كل هذا الفساد المالي والاداري، بل لكانت هناك حالات فساد مالي واداري فردية وغير منظمة كما نشاهده الأن، حيث ان الفساد السياسي في العراق هو الام التي يلد منها الفساد الاداري والمالي.
أن معركة مواجهة الفساد في العراق مفتوحة وواسعة وقد دخلها المبدئي مثلما دخلها المرتزق، ومثلما بات الفساد في العراق يتم تعاطيه تارة لذاته وأخرى سلاحاً في الحرب الطاحنة بين الساسة العراقيين بقصد إفشال الآخر والانفراد بالحكم.. واصبح المجتمع العراقي مقسم إلى أقلية تمسك بالثروات الطائلة و المناصب الإدارية المهمة المسئولة عن إدارة شؤون البلاد، وأغلبية تسعى جاهدة لتأمين الحد الأدنى من العيش. في ظل غياب الشفافية والعلانية والمساءلة مع تغييب كامل لدور السلطة التشريعية في الرقابة ومساءلة وزارات الدولة، ولجوء هذه الفئة المستفيدة الى تعيين الموظفين في المواقع الإدارية العليا على أساس المحسوبية والمنسوبية وهو اخطر انواع الفسادمع ان الكثير من الأسماء الكبيرة في البلاد المسؤولة متهمة بنوعما عن سرقة ثروات العراق والتصرف بها او ايداعها في بنوك خارج البلد، نعم أشخاص في قمة هرم السلطة يسرقون علنا، إنهم يفتخرون بذلك، لابد من معالجة سريعة وصحيحة خصوصاً في ظل وصول شخصيات عراقية وطنية إلى سدة الحكم وبالوسائل الشرعية التي تفرزها الانتخابات القادمة فيما اذا تم الاختيار الصحيح .من هنا فلا امل على الاقل في المستوى القريب في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي تنخر بالمؤسسات الحكومية . في ظل بنية الفساد هذه، والتي تواطأ الجميع على انتاجها، لم يكن من المنطقي تأسيس نظام حقيقي لمكافحة الفساد، او هيئة النزاهة، ومكاتب المفتش العام، و ديوان الرقابة المالية ، قادرين عمليا على مكافحة الفساد المنهجي القائم، خاصة مع عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لذلك، ومع بعض رجال القضاء الفاسدين اوالمسيسين . ان العجز القانوني يلعب دوراً فاعلاً في تفشي ظاهرة الفساد من خلال ضعف سلطة القانون وانعدام تطبيقه بعدالة، وضعف المهن القانونية وغياب الدور التوعوي لمنظمات المجتمع المدني، وعدم اجراء العملية الانتخابية بصورة صحيحة، والحملات الانتخابية المكلفة حيث يتجاوز الإنفاق فيها المصادر الاعتيادية للتمويل السياسي، وبذلك السياق تحول الفساد في المجتمع إلى ظاهرة تكاد تكون عامة لها القدرة على شرعنة نفسها سياسيا واجتماعيا ودينيا بمسوغات عديدة. اذا فإن الدعوة لمواجهة الفساد تنطلق من بواعث ونوايا صادقة تارة وتارة أخرى مجرد غطاء لنوايا أخرى تستهدف التنكيل بالآخر بقصد السعي لإزاحته والإحلال مكانه في سدة الحكم.. ان محاربة الارهاب تحتاج الى صداقة في القول والعمل لأنها تصب في مصلحة الشعب . عليه ان مشروع محاربة الفساد في العراق بالوقت الحالي أصبح ضرورة ملحة جداً ومهمة ليست بالسهلة اطلاقاً، بل ومن المستحيل ان تكون أسهل خاصة وان العراق يتهيأ في الشهر القادم على عقد مؤتمر دولي للمانحين للمساعدة على إعادة إعمار المدن العراقية التي تدمرت بالحرب على داعش والذي سيعقد بدولة الكويت، الحكومة العراقية أمام اختبار حقيقي لطمأنة الدول المانحة والمستثمرة بأن الأموال التي ستستثمرها في العراق لن تذهب إلى جيوب الفاسدين.
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي