مايجري في إيران يجري في السعودية. سلطة راديكالية تعصب ديني، حكم ثيوقراطي يفرض إلتزامات لايمكن التراجع عنها تحت أي ظرف، لكن التظاهرات في إيران تشير الى حراك مختلف وأكثر حيوية، ويفرض الإعتراف، إن السعودية دولة أقرب الى صفة التابعية من أن تكون متحررة عن التأثير الخارجي الكامل كما في الحالة الإيرانية، فلايمكن للشعب السعودي أن يتظاهر، أو يحتج وله حق واحد هو الولاء للأسرة الحاكمة كما كان في السابق، والولاء لشخص واحد في المستقبل هو محمد بن سلمان، وتجاهل بقية أمراء العائلة الذين يرزحون في سجن الحائر، أوفي فندق الريتز كارلتون، ومنهم من صار مواطنا عاديا يبحث عن معونة، وسداد لفواتير الماء والكهرباء، فالسعودية تعود لتكون مثل مصر والعراق وإيران يبحث فيها المواطن عن حقوق، ويجري خلف حكومات ومؤسسات مترهلة فاسدة غير قادرة على تلبية متطلبات الشعب.
نحن نعترف بوجود تأثير خارجي في تظاهرات إيران، وقد يأتي من واشنطن وتل أبيب والرياض، وله مراكز في أربيل العراقية الناقمة وهرات الأفغانية، ولكن هذا لايعني إن الحاكمين في طهران هم مجموعة من الملائكة نزلوا من ذات الطائرة التي نزل منها الإمام الخميني رحمه الله، فهم اليوم يمثلون وجهات نظر مختلف ومتصادمة في أحيان كثيرة نتج عنها يروز تيارين من دائرة النظام، ويدور حولهما بقية الشعب والقوى المتحركة فيه، الأول هو التيار الراديكالي الثوري المؤمن والمتمسك بقيم الثورة الإسلامية، والثاني هو التيار الإصلاحي الذي يضم مراجع دين وسياسيين ومثقفين ورجال أعمال وأكاديميين، وهولاء ليسوا ببعيدين عن دائرة النظام بشكل عام، لكن الحديث يجري اليوم عن نشوء تيار ثالث بدأ يخرج عن المسار، وتستهويه رغبة التغيير، ويتم الحديث بقوة عنه في أوساط الإصلاحيين والمحافظين، وعن تأثيره ومداه، وماذا يريد ونوع التأثير الخارجي عليه، وهذا مايمكن أن يدفع بنا للتساؤال عن دور أمريكا والسعودية اللتين تبحثان عن ثغرات ليس في قلب نظام الحكم في إيران، بل عن نوع هذا التيار الثالث الذي يبدو إنه تيار مدني غير ديني وهو حراك ليس شاذا في المنطقة، ففي مصر وفي السعودية وفي تركيا والعراق له مظاهر حين يجري الحديث عن التيار المدني وصلاته ببعض الإصلاحيين، وتفاهمات مع تيارات دينية مؤثرة في الشارع ( التيار الصدري، التيار المدني في العراق مثالا).
السعودية بعثت إشارات يمكن فهمها بسهولة، إنها راغبة في التغيير في إيران ولامانع من حرب أهلية، وتقسيم، ودعم لجماعات مسلحة حتى لو كانت متشددة سنية، أو قومية كما في الأهواز، وهي تنتظر شكل التيار الثالث لتدعمه، أو لتتواصل معه، وهذا كلام صدر عن دوائر سعودية عديدة. فهي ليست مستعجلة، ولديها مشاكل في الداخل مشابهة لما في إيران، ولكنها مطمئنة لدعم أمريكي إسرائيلي مباشر مايدفعها الى جموح غير مسبوق، وتشكيل قوى عسكرية وفرق خاصة ( السيف الأجرب ) الذي لايشبع من الدم، ويمكنه الإستمرار في قطع الرؤوس التي بدأها من أيام نشوء الدولة السعودية في نجد والحجاز، مرورا بالقضاء على القبائل المنافسة والتيارات المعارضة (دينية وغير ذلك) ولاينتهي الأمر برؤوس الأمراء قريبين من بن سلمان نسبا، أو الأبعدين كما رأينا في حادثة قصر الحكم التي أعتقل فيها 11 عشر أميرا وأودعوا سجن الحائر، وكانت القوة المعتقلة لهم هي (السيف الأجرب) التي تتكون من 5000 آلاف مقاتل من قوات المغاوير الخاصة التي شكلها الملك محمد بن سلمان بذاته، وهي ذات القوة التي أجبرت ولي العهد السابق محمد بن نايف على التخلي عن ولاية العهد، ثم أخفته في مكان سري الى حين، وهي ذاتها التي إعتقلت أمراء العائلة المتنفذين كالأمير متعب بن عبدالله، وعبد العزيز بن فهد، والوليد بن طلال صاحب المملكة القابضة.
هناك تغيير صادم في نظام الحكم في المملكة سيؤدي الى سلطة مطلقة للملك بن سلمان غير مسبوقة لم تشهده الجزيرة العربية عبر تاريخها الطويل، ويتم قبل ذلك تصفية الأمراء المعارضين والطامعين والطامحين، وتصفية رجال الدين المتشددين والصحفيين والكتاب ورجال الأعمال، فبن سلمان حصل على الضوء الأخضر لحكم الجزيرة، وإجبار الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر على القبول بالقدس عاصمة لإسرائيل بناءا على طلب مباشر من واشنطن، وهو ماستلتزم به تلك الدول، وسيلقى بعض التمرد من ملك الأردن الهاشمي الذي سيواجه نوعا متزايدا من الضغوط بدأت بمحاولة منعه من المشاركة في قمة إستنبول الإسلامية، ولم تنته بالتحفظ على القمة التي دعا لها في عمان لمناقشة موضوع القدس، ومن غير المستبعد أن يتم تغيير الفكرة التي تقضي بإعتبار قرية أبي ديس عاصمة للدولة الفلسطينية، والتحول نحو رام الله، ولابد مع ذلك من الدفع بمزيد من الضغط على إيران وتركيا البلدين الأكثر تشددا هذه الأيام في موضوع القدس والعلاقة مع السعودية ومصر والمتماهيين مع حركة الإخوان المسلمين المؤرقة للرياض والقاهرة.
سيفعل الملك السعودي الشاب كل مابوسعه لتدمير إيران وتقسيمها وبدون تردد، وهو لن يوقف الحرب في اليمن مالم يتحقق فيها مايرضيه، وسيحاول العودة الى الساحة السورية من خلال الراعي الأمريكي، بينما سيضغط لتغيير المعادلة السياسية في العراق، وسيمضي في مشاريعه الإصلاحية والتنموية التي تناسب أفكاره مهما كان نوع المعارضة التي سيواجهها من الأمراء والمثقفين والقبائل، وسيتجاهل المشكلة مع قطر مؤقتا الى حين تحين الفرصة المناسبة لتغيير نظام الحكم في الدوحة من خلال موالين.
الملك محمد بن سلمان يحظى بدعم أمريكي متزايد، وبرضا إسرائيلي، وتحالف مع الإمارات العربية المتحدة الناقمة من إيران، ولهذا فالتظاهرات في إيران ستعود ثانية لتلبية متطلبات الطموح الأمريكي، والجموح السعودي، وسواء كانت تظاهرات عفوية، أو مصطنعة فإن لها أسبابها الداخلية حتما نتيجة لظروف إقتصادية صعبة، وسياسات حكم تلقى معارضة من قيادات الحرس الثوري والمحافظين والإصلاحيين على حد سواء. فالمحور الإسرائيلي الأمريكي لايمكنه النظر في التغيير مالم يحدث شيء ما لإيران التي ترعى المواقف الرافضة للسيطرة الأمريكية، والتمدد الإسرائيلي في المنطقة، ثم علينا التيقن إن هذا الزمن هو زمان السلطان محمد بن سلمان.
هادي جلو مرعي
رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية