أخطر انماط الفساد ومظاهره هو الفساد السياسي او فساد النخبة السياسية وقد اعتبرته كافة الدراسات على قمة الهرم بين انماط الفساد الأخرى، فأحد عوامل ديمومة من هم على السلطة من الفاسدين هو انتشار ثقافة الفساد على حساب مفاهيم النزاهة والعفة والاخلاق .
المشاهد في العراق ان ملفات الفساد والاستجوابات الكثيرة تثار بين حين واخر والمتهمون فيها ممن يشغلون أماكن مهمة وحساسة في الدولة العراقية مثل الوزارات والمجالس المحلية في المحافظات واستغلال السلطة من العديد من مكامن الخلل البنيوي ليتعدى استغلال الثقة العامة وهدر الموارد و إجراءات هيئة النزاهة ولجنة النزاهة النيابية ومكاتب المفتشين العامين في الوزارات عاجزة ان تُفعَّل القرارات ضد الفاسدين رغم جهودهم المستمرة ولن يدانوا بسببها، لأن الاتفاقات والتسويات السياسية تحول دون ذلك، مما يعني أنها مجرد زوبعة لا قيمة لها لتخدير الشارع لكون من يتمتعون بقدر من السلطة وبعضوية مجلس النواب أو بوزارة أو منصب عام يخلطون الاوراق لاشغال الاعلام بها، يذهلك مقدار انغماسهم بالفساد أو التآمر مع المفسدين أو إتاحة الفرص لهم لممارسة فسادهم ، أو على أقل تقدير يغمضون أعينهم عن ممارسات الفساد طمعا في البقاء بمناصبهم الوزارية أو استمرار عضويتهم في مجلس النواب والاقتيات على مصالح الوطن ونهب مقدراته، أو موقعهم الحكومي ، وتشتد الاستجوابات مع قرب الانتخابات وعبثا أن تستمع لأحدهم حينما يقول لك إنه لو ترك المسؤولية لمسكها من هو فاسد، ان “الفساد تحول إلى مافيا كبيرة تحميها جيوش الأمر الذي يصعب تعقبه محلياً و مكافحة الفساد في العراق بالطرق التقليدية لم ولن تتمكن من القضاء على الفاسدين بشكل نهائي بواسطتها ” مهمة مكافحة الفساد من المستحيل ان تكون أسهل من الحرب على التنظيمات الارهابية لان مكافحته الذي لا يقل خطرا عن الإرهاب الداعشي هو الاصعب ، وأي فساد أكثر من أن تكون مباركا للفساد أو شاهدا عليه وتظهر للناس أنك مصلحاً متلوناً، وأنت من أدوات الفساد ورموزه، في العراق هناك مشاريع حكومية ناجحة بيعت بطرق وأساليب تنفيعية تحت شعارات مختلفة في جميع المحافظات ،وما أكثرها، فقد صدق من قال للسؤال ثمن وللاستجواب ثمن وغيره من الأدوات البرلمانية، فمن سعى لشراء كرسيه البرلماني بمال غيره أو بماله الحرام مستعد لبيعه بأول مزاد باستجواب أو رئاسة أو تصويت أو بغياب أو بتحقيق برلماني وغيره. وقد سقط الكثير من أصحاب الفكر والمثقفين والنخب السياسية والاجتماعية في حبائلهم التي حاكوها، إذ إن رأيهم تلجمه المصلحة وتحرفه المنفعات وتغير وجهته المناصب والعطايا، فصار مأجورا، وعند سماعك له تجده مشروخا معلولا ضعيفا يصبغ المشروعية كصبغ رأسه وشواربه على سوء الإدارة والفساد “الشماعة المشروخة ” الذي هو جزء منها بدل اجتثاثه ونفض غباره عن وجه الوطن الذي صار مشوها وتردى شاحبا. بل إن من تمت الاستعانة بهم لما عرف عنهم من رجاحة عقل وحسن تدبير صار مفذلكا في ابتداع أساليب ووسائل التدمير، وآذانا وخطيباً يجول في الوطن بالتنظير المستطير لأنه غرق بمستنقع المصالح والفساد، أما من وضع في مسؤولية المستشار وطلبت منه المشورة فصار رأيه موقوفا ومألوفا بمسايرة من طلب المشورة، فمن تكن مشورته بمقابل مكافأة يترقبها تسيطر على عقله وقلبه فلا خير في مشورته ، وأخطر مشورة المنحرفة بموقف مسبق مسايرة لأحد أو لتشويش الرأي المحق طمعا بالمكافأة والمنصب، وعليكم تدقيق ذلك، وهكذا ضاعت المسؤولية وتلاشت كل جوانبها لدى بعض الوزراء والنواب والمسؤولين والنخب والمفكرين والزعامات السياسية والاجتماعية والمستشار والناصح، صاروا مفرطين بالمسؤولية التاريخية والوطنية بكل سهولة وبساطة. ما يضع الإرادة الجماهيرية أمام مسؤولية ضربه بقوة وإعلان حرب واسعة النطاق على معاقل الفساد بغية تحطيم حصونه . أهميتها تكمن في تظافر الجهود للقضاء على هذا الخطر الآخر الذي انهك الدولة وقوض فرص البناء والتنمية. خاصة وان العراق يتهيأ في الايام القادمة على عقد مؤتمر دولي للمانحين للمساعدة على إعادة إعمار المدن العراقية التي تدمرت بالحرب على داعش والذي سيعقد بدولة الكويت بحضور دول وشركات كبيرة والتي اعلنت عن قلقها في ان تهدر الاموال وتقع في ايد غير امينة و” الجماعة من هس حادين اسنونهم عليها “، لذلك فالحكومة العراقية أمام اختبار حقيقي لطمأنة الدول المانحة والمستثمرة بأن الأموال التي ستستثمرها في العراق لن تذهب إلى جيوب الفاسدين ، ولكن كيف ، وماهو الضمان.
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي.