المرحلة الراهنة التي تعيشها مجتمعاتنا وشعوبنا العربية هي مرحلة انعطافية حادة، وكما هو الحال في كل المراحل الأنعطافية في التاريخ الانساني هنالك خلخلة عامة، وأزمة قيم ، واّفاق اجتماعية وظواهر سلبية وتقليد زائف ، وثمة جوّ مضطرب وضبابي كثيف يغشى هذه المجتمعات. وفي حقيقة الأمر أن الحال المأزومة للفكر العربي الثوري التقدمي الداعي الى التغيير ، سببها الخيبات والهزائم المتلاحقة التي شهدتها الساحة العربية خلال العقود الأخيرة . وكذلك أخفاق مشاريع العقلنة والتحديث وانتكاب الوعي الوجداني وانتكاس التنوير وأنطفاء حركة الاصلاح الديني، بالاضافة الى النزاعات الهدامة في البيئة العربية واغتيال الديمقراطية ورواج الطائفية والاقليمية والتبعية.
وما من شك أن النعيم النفطي أدى الى انتشار البؤس الاجتماعي وساهم في شراء الكثير من الذمم الثقافية وامتصاص الطاقات الفاعلة والمتفاعلة مع قضايا وهموم شعبها ومجتمعها ، وترويض اقلام العديد من الكتاب والمثقفين ، الذين كانت الثورة هاجسهم والتغيير حلمهم.
ولمواجهة خيوط الماساة التي امتدت واتسعت على طول الوطن العربي، ومن أجل أجراء التحول الاجتماعي الجذري والازدهار والتطور الثقافي والفكري والعلمي فلا بد من العودة الصحيحة الى تحقيق الذات والاعتماد عليها ، وذلك لن يتم الا بأذكاء الوعي الفكري الصحيح والسليم ، وبالتغيير العميق لسلوكنا العام ولشخصية انساننا العربي الهلامية ولمجتمعنا، بكل انظمته وقوانينه والعمل الجاد على بناء وتنشئة جيل حضاري يتمتع بوعي وارادة مستقبلية وروح تعاونية وعقلية أدارية منتجة، وأحداث ثورة سلوكية وفكرية تشمل جميع جوانب المجتمع. ولكي نتصور المستقبل ونخططه ونكون قادرين على تاسيس مجتمع ديمقراطي تعددي متنوع ينبغي أن نتحرر من الأنانية والخضوع والجمود والأتكالية والسلبية والتخلص من ظلام الجهل والتخلف وجحيم الظلم والقهر وثقل التقاليد السلبية البالية والمتوارثة، والعقلية المتحجرة المتعصبة ..عقلية السلف ، أضافة الى تجديد الفكر الاسلامي وأحياء اصلاحية دينية جديدة ومواجهة ظواهر العولمة ، التي تتجه لفرض منطق معين على العالم.
وباختصار شديد ، مجتمعاتنا العربية أحوج ما تكون الى التعاضد والتجديد ، والى قيادات طليعية ونخب مثقفة واعية ورجال فكر وعلم وفلسفة ، وأن التشرذم في أوساط المثقفين العرب وانقسامهم الى مجموعات مفككة ومتصارعة لا ولن يخدم الابداع الثقافي والفكري الدافع لمسيرة المجتمع الحضارية وبناء الانسان الحضاري العربي ، وعليه يتوجب على كل مثقف عربي ، في هذه المرحلة الصعبة والقاسية، أن يأخذ موقعه أنساناً مناضلاً ومفكراً ثائراً في معركة الخلاص القومي والتحديث السياسي، لأجل استكمال المشاريع الاصلاحية والنهضوية وإنجاز النهضة العلمية الثالثة والثورة الاجتماعية والثقافية الديمقراطية.
كاتب وناقد فلسطيني