ما تمخض عن مؤتمر اعمار العراق في دولة الكويت الشقيق الذي اتى بعد الانتصار على التنظيم الإرهابي (داعشي ) ،يتطلب من الجميع التعاون والتكاتف من أجل الدعم والإسراع بتمويل مشاريع إعادة الإعمار للعراق وإتاحة عملية عودة النازحين. ويحتاج العمل بكل جد لإعادة العراق إلى سابق عهده . نتائج مؤتمر الكويت لا يمثل إلا الجزء اليسير من ما قدمه و قاتل نيابة عن الإنسانية وقضى على أكبر قوة ظلامية في العالم ،وهو أقل مما تتطلبه الحاجة الحقيقية حيث تم الحصول على 30 مليار دولار في شكل قروض وتسهيلات واستثمارات فيما كانت تقديرات الحكومة العراقية ب 88 مليار دولار . المساعدات التي قدمت هي النزراليسير من ما تم تدميره خلال الحرب المفروضة على العراق من قبل المجموعات الارهابية وبتواطؤ من بعض سياسيي الداخل الذين وفروا لهم الحواضن والامكانات اللازمة لاشعال النار وحرق اليابس والاخضر . وشل عملية البناء بشكل كامل في البلد . واليوم، يقف العراقيون في مواجهة لحظة حقيقية في كيفية المحافظة على هذا المبلغ ،وعدم تسربه لجيوب الفاسدين، لاعمار دمار غير مسبوق ساد مدنهم ومبانيهم التي دمرها الارهاب والحرب المفروضة على اهلنا . فحطام السيارات المنتشرة في أزقتها، وخراب شوارعها ما زال مشهودا. وسط هذا المشهد المريب الذي ولد ألماً ووجعاً لا يستهان به يشبه نهاية الحرب العالمية .نحن في حاجة الى ضرورة تسريع العمل على إعادة إعمار المناطق المنكوبة فى المحافظات العراقية، بعد نجاح العراق فى تحقيق النصر ودحر تنظيم (داعش) ،و تحرير العديد من المدن من قبضته ، واعلان البلاد خالية من التنظيم الارهابي. لدفع النازحين للعودة لمنازلهم لبناءها من جديد و اصلاح ما تضرر من البنى التحتية من طرق، ومستشفيات ومدارس، ومنشآت عامة.
في ظل الهزائم المتتالية التي مني بها التنظيم الارهابي على مدار السنة الماضية، يجهد داعش او تبقى منه للحفاظ على بلما تبقى من مساحات بيده في سوريا والعراق بعد أن كان يتحدث في البداية عن فكرة التمدد والسيطرة على المنطقة بالكامل يعني يعيش الرمق الاخير من حياته. بالمقابل تتحرك القوات الامنية العراقية ومدرعاتها وصنوف اسلحتها لتمهيد الطريق أمام عمليات البحث عن آخر الدواعش الذين يختبئون في جبال حمرين الوعرة والصحراء الغربية الشاسعة واطراف الموصل كخلايا متفرقة . كما لا يزال التنظيم يسيطر على جيوب بين حدود العراق وسوريا و يشنون هجمات منفردة تنفذ في أوقات لا يمكن التنبؤ بها . فيما تسرب البعض من مقاتليه وانتقالهم إلى مناطق عراقية أخرى لن يقلق القوات الامنية العراقية الواعية ،المنبثقة من صميم الشعب ،وهي التي حاربت الإرهاب نيابة عن العالم أجمع بالرغم من وجود 74 دولة ومنظمة في التحالف الدولي . القوات العراقية مستمرة في ملاحقتهم وكشف مخابهئم وقتل واعتقال افراده . وهذا لا يعني زوال خطر هذه المجاميع ويجب ان تكون القوات على حذر. والسلطات الأمنية لم تهدأ فهي تعيد النظر باستمرار في توزيع قطعاتها الزائدة وضمن خطط جديدة على الرقعة الجغرافية المترامية للعراق وفي بمعالجة بعض الثغرات من خلال عمليات الاستهداف المحددة.
لكن الأزمة الإنسانية في العراق لم تنته لاسباب كثيرة منها عدم وجود الموارد المالية ، وتراوح الميزانية المالية في مكانها . لقد فقد كثيرون ممن فروا من بيوتهم كل شيء. إنهم الان في حاجة إلى المأوى والرعاية الصحية والماء والصرف الصحي ومعدات الطوارئ والعمل لادامة الحياة . مستويات الصدمة التي نشهدها هي من بين الأعلى على الإطلاق. الأضرار التي لحقت بالمدن العراقية انعكست على مؤشرات التنمية البشرية، حيث تضاعف معدل الفقر في المحافظات المتضررة مثل الأنبار، كركوك، ديالى، الموصل، تكريت، وتوقف الاعمار في بقية المحافظات بسبب المشاركة في محاربة المجموعات الارهابية والتقشف الاقتصادي الذي شل الانشطة المختلفة في البلاد وارتفعت معدلات البطالة ارتفاعا كبيرا وانعكس ذلك سلبا على معدلات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
وتتركز خطة إعادة الإعمار، التي وصفت بأنها خريطة طريق لتوحيد الجهود وتوجيه الإمكانات الوطنية والدعم الدولي على أهداف محددة تشمل أولوية تعافي المواطنين من سكان المحافظات المتضررة نفسيا وصحيا واجتماعيا، واستعادة كرامتهم وحرياتهم الشخصية وتعويضهم عن خسائرهم ومعاناتهم. إن ما عاناه الناس لا يمكن تصوره .
و كان مؤتمرالكويت لدعم العراق بطلب منه بأجندة عمل تضم ثلاثة محاور أساسية هي إعادة الإعمار والاستثمار ودعم الاستقرار في البلاد وتعزيز التعايش السلمي بين مختلف أطياف المجتمع العراقي “وعلى الرغم من الخوف ان يلتهم الفساد المساعدات وتنتهي الى جيوب الحيتان الكبيرة من الفاسدين”، بادرت دولة الكويت بالدعوة الى عقد المؤتمر وأعلنت عن استضافته بعد التنسيق مع الحكومة العراقية خلال الفترة من 12 الى 14 فبراير الجارى؛ شارك فيه “عدد من كبريات الدول المانحة ومجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية في سبيل تحصيل الإسهامات والمساعدات اللازمة لإعادة إعمار العراق عقب الحروب والصراعات التي تأثرت بها مدنه. وتعهدت الحكومة العراقية بتأسيس صندوق حكومي يتمتع بشفافية كبيرة ويشترك فيه ممثلون عن الدول المانحة، يشرف على إنفاق المبالغ المتحصلة من المؤتمر، منعا للفساد أو ذهاب الأموال في مشاريع غير مهمة، وبغية تحقيق إنطلاقة تنموية بالعراق، وحظي بإجماع إقليمي وعربي وهو ما يحمل على الاعتقاد أن توفير جانب رئيسي من فاتورة الإعمار وارد وبقوة، وهو ما يعني بداية انطلاق جديد للعراق ودعما قويا للدولة العراقية التي تستعد حاليا لإجراءه و كان الهدف من هذا المؤتمر تسليط الضوء على ما حصل، وتذكير الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ككل بالمسؤولية في تحديد استراتيجيات قابلة للتنفيذ للإعمار ولإعادة بناء المدن، وضمان العدالة والمساءلة لمواطنيها. ويقع على عاتق المجتمع الدولي أيضا واجب قانوني وأخلاقي بالتدخل وقيادة جهود متضافرة لضمان إعادة البناء وتعويض السكّان عن ما اصابهم من خسائر بشريّة ومادّية ونفسيّة. من خلال المشاركة الفعالة من قبل المجتمع الدولي بجميع قطاعاته،.سواء الحكومية أو القطاع العام “الصناديق السيادية”، أو القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في المجال الإغاثي والتنموي، في القيام بدورهم تجاه الشعب العراقى، وهو ما دفع البنك الدولى، لطلب المشاركة في المؤتمر، لتوفير الضمانات المطلوبة للقطاع الخاص، وتعزيز مفهوم وجود ضمانات للاستثمار في العراق، فضلا عن اشتراك الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ويأمل المواطن العراقي، الذى تحول فى السنوات الماضية الى ضحية للارهاب الأسود الذي قاده تنظيم (داعش) الارهابي في بلاد الرافدين، على أن يتم تطبيق توصياته وايجاد فرص استثمارية وتنموية، تمكن المشردين من العودة الى منزلهم والعيش بحياة كريمة مرة أخرى، وهو ما يتوقع تحقيقه، خاصة في ظل الاستعدادات الكبيرة التي اتخذت لضمان تحقيق أهداف المؤتمر، والحد من معاناة العراقيين
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي