مقاومة عفرین… بدایة لبناء الشرق الأوسط الأمین – الحلقة الأولی — د. عبدالباقی مایی

١٧\٢\٢٠١٨

منطقة عفرین تقع فی شمال غرب سوریا وتشمل القسم السوری لقطعة من أرض كوردستان یتكون سكانها من أغلبیة كوردیة، وتحتل الدولة التركیة القسم الآخر شمالا حیث تتقاسم الدولتان هذه المنطقة من أرض كوردستان المقسمة غصبا بین تركیا وإیران والعراق وسوریا وفق إتفاقیة سایكس-پیكو سنة ١٩١٦.

لم یلتزم شعب كوردستان یوما بإتفاقیة سایكس- پیكو أو أیة إتفاقیة أخری تقسم كوردستان بین الدول المحتلة، ولم یعترف شعب كوردستان یوما بالحدود الدولیة التی تقسم كوردستان، بل بقی الشعب یتعاطی عبر هذه الحدود المصطنعة والغیرطبیعیة و یتضامن مع بعضه البعض عملیا لیقف متحدا ضد تعسف الأنظمة المحتلة لكوردستان أینما كان. وبالرغم من رضوخ القیادات الكوردیة المختلفة لجبروت وطغیان الأنظمة المحتلة فی هذه الدول یتسم نضال شعب كوردستان فی جمیع أقسامه بإنتفاضات سلمیة حینا وثورات مسلحة فی أغلب الأحیان. ومادامت الأنظمة الدكتاتوریة تتوالی علی الحكم فی هذه الدول المحتلة لكوردستان منبثقة من الشوفینیة الطورانیة فی تركیا والفارسیة فی إیران والعربیة فی العراق وسوریا تقوم الأنظمة المتكونة من الأغلبیة القومیة فی تلك البلدان بإضطهاد الأقلیات ومن ضمنها الشعب الكوردی الذی یعیش علی أرضه فی كوردستان. نتیجة لذلك أدت رغبة الشعب الكوردی وإرادته فی الحیاة أن ینتج ألیات نفسإجتماعیة للنجاة ومنها تسمیة هذه الأقسام من كوردستان حسب توزیعها الجغرافی ولیس حسب القطر الذی یحتله فسمی القسم الواقع تحت الإحتلال التركی بكردستان الشمالیة وفی إیران بكوردستان الشرقیة وكوردستان الجنوبیة فی العراق وكوردستان الغربیة فی سوریة، بالتسلسل التنازلی حسب المساحة والنفوس. بالرغم من التضحیات الجمة لشعب كوردستان فی نضاله من أجل حقوقه فی هذه الدول لم یحصل الأكراد تحت ظل هذه الأنظمة القمعیة المتتالیة إلا علی وعود مۆقتة سرعان ما أنهیت بحروب شاملة ومحاولات للإبادة الجماعیة ضد شعب كوردستان فی جمیع هذه الدول المحتلة لكوردستان.

بعد تزاید الإقتتال فی سوریا وتعقیداته بتدخلات أجنبیة منذ سنة ٢٠١١ إزداد الإنقسام الداخلی للمعارضة السوریة ضد النظام وتعقدت الأمور إلی درجة لم یعد بإمكان أحد تمییز الأطراف المتنازعة مع المتحالفة. و ما زاد فی الطین بلة ظهور داعش فی داخل سوریا وتوسعه السریع بإحتلال الأراضی وممارسة كافة أنواع الإرهاب فی المناطق التی سیطر علیها. إستطاعت قوات داعش أن تحتل مناطق واسعة فی سوریا فإتخذت مدینة “رقة” عاصمة لها وإتجهت نحو العراق لتتخذ مدینة “الموصل” عاصمة للخلافة الإسلامیة. أصبح داعش یكون تهدیدا جادا لأمن القوی العظمی من أمریكا إلی أوروپا ومن الدول الغربیة إلی الشرقیة، فإتفق العالم المتحضر علی جلب عصابات داعش للتمركز فی منطقة الشرق الأوسط متخذة حدود كوردستان الجغرافیة من جنوبها جبهة رئیسیة لحرب ضروس إستعملت الدول الغربیة فیها القوات الكردیة “الپیشمرگة” فی أقلیم كوردستان العراق ووحدات حمایة الشعب فی كوردستان الشرقیة فی سوریا “روژئاڤا”، لیكونوا القوة الرئیسیة فی قتال داعش بینما أعلنت هذه الدول الغربیة دعمهم العسكری والمادی والمعنوی لهاتین القوتین الكوردیتین فی العراق وسوریا لكی یحاربوا داعش بالنیابة عنهم. وبالرغم من عدم ورود أی وعد من هذه الدول العظمی بدعم حقوق الشعب الكردستانی فی الحریة والأستقلال ألا أن القیادات الكوردستانیة عقدت الآمال علی التشجیع العلنی والدعم المادی للپیشمه‌رگة فی العراق و وحدات حمایة الشعب فی سوریا. فأوقفت كل من هاتین القوتین الكوردیتین تقدم داعش فی العراق و فی سوریا. فی النهایة تكونت سلطة كوردیة فی سوریا تجاور السلطة الكردیة فی العراق، وكاد الحلم الكوردستانی یتحقق بتوحید كوردستان الجنوبیة مع الغربیة لولا الخلاف المبدئی بین السلطتین الكوردیتین علی طرفی الحدود. فقوات الپیشمه‌رگه‌ تابعة للحزبین الرئیسیین فی كوردستان الجنوبیة “أقلیم كوردستان العراق” حیث یسود مبدأ الرأسمالیة والنظام العشائری المتدین، بینما تعتمد وحدات حمایة الشعب فی كوردستان الغربیة “روژئاڤا” فی سوریا علی فلسفة مۆسس حزب العمال الكردستانی فی توركیا المبنیة أساسا علی المبدأ الإشتراكی و بناء الشخصیة المستقلة للفرد منذ الطفولة كقاعدة أساسیة لإنشاء نظام الدولة المناسبة وفقا لعلوم الصحة النفسیة والإجتماعیة.

وصل صدی إندحار داعش أمام القوات الكوردیة فی العراق وسوریا إلی جمیع أنحاء العالم. فبعد أن هزمت كافة القوی المیدانیة فی سوریا والعراق أمام هجمات داعش الإرهابی صدت القوات الكردیة تلك الهجمات عندما إقتربت من مناطق سیطرتها، فأصبحت هذه المناطق التی تقع تحت سیطرة القوات الكردیة نقاط تجمع وإرتكاز للم شتات القوات الهاربة من داعش فی الدولتین. وتسارعت القوی العظمی لعقد الصفقات العسكریة مع هاتین القوتین الكوردیتین لمحاربة داعش؛ قوات الپیشمه‌رگة التابعة لسلطة أقلیم كوردستان فی شمال العراق و وحدات حمایة الشعب فی سلطة كانتونات الإدارة الذاتیة فی شمال شرق سوریا “روژئاڤا”. فأدت هذه العقود والتحالفات الدولیة إلی توجهات وآمال لدی كل من هاتین القیادتین الكوردستانیتین مما أدی إلی سیطرة قوات الپیشمه‌رگة علی المناطق التی حررتها من داعش فی العراق وإصبحت تلك المناطق بالأمر الواقع تابعة لسلطات أقلیم كوردستان بینما كانت متنازعة علیها من قبل الحكومة المركزیة وأقلیم كوردستان قبل سیطرة داعش علیها. عندما طالبت الحكومة المركزیة فی العراق بإنسحاب الپێشمه‌رگة من تلك المناطق حدث خلاف عمیق بین الطرفین أدی إلی لجوء أقلیم كوردستان إلی الإستفتاء حول إستقلال الأقلیم من العراق مراهنا علی الدعم العالمی لإنتصارات الپیشمه‌رگة علی داعش. ولكن خابت الآمال عندما رفض المجتمع الدولی طلب ٩٣ % من أهالی كوردستان بالإستقلال من العراق. هذا إضافة إلی تهدیدات الحكومة المركزیة فی بغداد والدول المحتلة لكوردستان أجبرت جمیعها حكومة أقلیم كوردستان علی تجمید نتائج الإستفتاء والرجوع بخفی حنین إلی التفاوض مع الحكومة المركزیة فی بغداد.

أما بالنسبة للسلطة فی كوردستان الغربیة “روژئاڤا” فی الشمال الشرقی من سوریا فقد إستمرت الإدراة الذاتیة بكانتوناتها الثلاث (الجزیرة، وكوبانی، وعفرین) بسیاسة التوازن مع جمیع الأطراف المتصارعة فی سوریا معتمدین فی ذلك علی التكوین التعددی فی صفوفهم من أكراد وعرب وآثوریین وغیرهم من فئات الشعب السوری، وإشراكهم لجمیع شرائح المجتمع من نساء ورجال تم تدریبهم للإنخراط فی جمیع المناصب دون تفرقة الجنس أو العنصر. فإستطاعت المرأة أن تحتل مكانها فی جمیع المسۆلیات والمناصب والواجبات بالتساوی مع الرجل. وأدی بروز دور العنصر النسوی المتمیز فی نشاطات السلطة الإدرایة والعسكریة  إلی إنتشار صورهم وقصصهم فی العالم مما جعل النظام الإجتماعی هنا نسویا أنشأ الإتصالات والروابط مع الحركات النسویة المتقدمة فی العالم المتحضر. كان هذا سببا لإنضمام فتیات من الدول المتحضرة إلی صفوف وحدات حمایة المرأة كجزء مهم من التنظیم النسوی فی الإدراة المحلیة ناهیك عن دورهم المتمیز فی محاربة داعش. ومن أسباب نجاح سلطة الإدارات المحلیة فی تكوین اللجان المختلفة إلی إنشاء الكانتونات أیضا هی تلك الإدارة الدیموقراطیة التی حازت علی إعجاب كل من عاشرها فأصبح هذا النموذج الإجتماعی موضوع الساعة للكثیر من أجهزة الإعلام المحلیة والأقلیمیة و العالمیة كتبت حولها مۆلفات عدیدة من قبل مراسلین ومحللین وكتاب روایات وشعراء فی جمیع أنحاء العالم. من ملاحم هذه السلطة قدرتها علی الصمود أمام هجمات داعش فإشتهرت منها خاصة ملحمة الدفاع عن مدینة “كوبانی”، حیث صمد المقاتلون فی داخل المدینة المحاصرة وأجبر المدافعون عن المدینة قوات داعش علی التقهقر و الإنسحاب، فكانت ملحمة عسكریة ذاعت صیتها فی وسائل الإعلام وعلی شبكات التواصل الإجتماعی فی العالم أجمع. وأصبحت مقاومة “كوبانی” رمزا لوحدة قوی كوردستان عندما أرسل رئیس إقلیم كوردستان العراق (١٥٠) من الپێشمه‌رگة للمشاركة فی الدفاع عن “كوبانی”.

البقیة فی الحلقة الثانیة …