بست من الفصول مع مقدمة و خاتمة.. تشكل هيكل كتاب.. كرس لدراسة وتحليل ظاهرة العنف في الاديان.. محورها الديانات الابراهيمية ( اليهودية ـ المسيحية ـ الاسلام ) للدكتور صادق إطيمش.. يمكن ادراجه في قوام الكتب التي تبحث في مجال علم الدين المقارن ..
تحديداً فيما له علاقة بالدين الداخل في صلب تكوينه مسوغات العنف كأداة ووسيلة لنشر المفاهيم الميثولوجية.. او للاعتراض و الردع والتخويف و الارغام على قبول الآخر.. بالإضافة الى العنف المفضي للمواجهة والمعاقبة والاستئصال والافناء طاعة للإله وفرض ارادته وتحقيق رغباته كواجب وفريضة..
بالرغم من تنبيه الكاتب في المقدمة ..( وعندما نتطرق في الصفحات المقبلة الى هذا العنف، الذي رافق وما يزال يرافق جميع الأديان، فإننا لا نرمي من وراء ذلك إثارة المقارنة بحيث يخرج القارئ بالنتيجة القائلة، إذن الكل بتبني العنف سواء، لا، ليس هذا هدف الكتاب، بل إن هدفه الاتعاظ والتدبر للتفكير بالوسائل التي يمكن اتخاذها لتجاوز العنف ..) ص10
وما يرافق هذه الظاهرة التاريخية .. من صراعات واستغلال للدين وتوظيفه.. ليشكل المعادلة السيا ـ دينية .. التي انتجتها المؤسسات الدينية المختلفة و سياساتها عبر حركات وواجهات منظمة ومنتظمة .. دمجت الدين بالأيديولوجية لينتج عنها معتقدات متزمتة ومتطرفة .. تنتشر كالوباء في هذا العصر .. ينبه لخطرها ويتوقف عند ابعادها وجذورها تارة..
وهو يقتطف ما ورد في التوراة أو من الانجيل والقرآن .. من مزامير و آيات ونصوص ورسائل تشكل مشتركات.. تعاضد العنف و تتبناه بصيغ ومفاهيم متقاربة.. هي جوهر العقائد و المفاهيم الدينية.. التي تتبنى الترويع وتشرعن ممارسة العنف وتستسيغ وتتقبل نشر الارهاب .. وتبيح القتل والذبح واذلال الانسان والمرأة وتقديم الابناء كضحايا وقرابين للآلهة..
وتطور هذه الممارسات التي شهدت تآلف (المسدّس والمقدّس) لتزيد من سعير استخدام العنف وتوظيفه ضمن سياق المؤسسات الدينية الطائفية وصراعاتها الداخلية الراهنة في عصرنا الحضاري المتقدم في القرن الواحد والعشرين.. الذي تنمو في احشائه وترافق تطوره ملاحقات وممارسات تستهدف اللادينين في انحاء كثيرة من العالم.. كأنهم مذنبون ينبغي معاقبتهم بتواطؤ من قبل الدولة ومؤسساتها التشريعية والرقابية والامنية..
التي تمارس التظليل والخديعة.. معتقدة انها تمتلك الحقيقة المطلقة.. وتمارس باسم الدين في هذا العصر المتقدم العنف المنفلت.. وتخلق المآسي .. وهو امر لا يمكن السكوت عليه ويستوجب مناهضته ومعالجة مظاهره اللاانسانية ونتائجه الكارثية..
الذي لا يمكن تحقيقه دون التوقف بجدية وصراحة اما النصوص الدينية.. التي تدعو لممارسة العنف وهو ما سعى اليه الكاتب في بحثه برؤية نقدية شجاعة لا تساوم .. وترفض التفسير والتأويل السطحي والسذاجة اللغوية المستندة على الأوهام .. يفصل فيها بين تلك.. التي تدعو للعنف العام.. وتلك التي تخصص وتوجه لفئة محددة كالمرأة.. ولا يتوقف عند هذا الحد الخاص بالنصوص الدينية كتاريخ نصي.. و يواصل بحثه في امثلة وامتدادات معاصرة.. منتقلا بين ما يخص اليهودية من إصحاحات.. ثبت بعضها واكتفى بالإشارة الى غيرها.. وهو ذات الشيء مع المسيحية والاسلام حيث اختصر تثبيت نصوص الانجيل والقرآن .. طالباً من القارئ مواصلة البحث عن بقية الإصحاحات والآيات .. التي لها علاقة بالعنف وتشكل القاعدة الفكرية للإرهاب الديني .. كان من الضروري تثبيتها واضافتها لنص البحث.. تسهيلا لأمر القاري غير المتخصص والجمهور العريض الذي يتوجه اليه الكتاب الذي هو الغاية والهدف من هذا الجهد..
كما كان من الافضل لو استكمل الباحث مشروع بحثه في مجال العنف الديني الموجه ضد المرأة للتوقف عند الجريمة البشعة التي زهقت حياة الفتاة الايطالية (بياتـريتـشا تشيـنشـي) التي عكست قساوة الدين المسيحي في عهد سيطرة الكنيسة .. نهاية القرن السادس عشر.. التي ساهم فيها البابا (كليمنت الثامن) الذي اشتهر بصلفه وقسوته و جشعه بدور مباشر فيها.. كحكم وخصم في ذات الوقت الذي أوصى بمضاعفة تعذيب الصغيرة بياتريتشا .. لأنها أصرّت على براءتها ووصفت الحكم بالظالم ولم تنفع كل وسائل الاحتجاج الجماهيري .. وتدخل المحامين للدفاع عنها.. حيث اصرّ البابا على التخلص منها مع بقية افراد اسرتها الاربعة ..
وكذلك عند ظاهرة ختان النساء وما تسببه هذه الممارسة اللاانسانية من اوجاع ومعاناة لشريحة واسعة من البنات والنساء.. وتفشيها في هذه المرحلة.. التي تترافق مع نمو مظاهر التطرف الاسلامي التي توقف عندها الباحث في فصله الرابع كجريمة.. من خلال العنوان المخصص للعلاقة بين العنف والجريمة ..
كان من الافضل لو استكمل العنوان ليصبح (العنف والجريمة والدين).. خاصة وانه قد أكد في الصفحة 124 من بحثه .. ( التطرق بإيجاز الى بعض ملامح هذا العنف الديني، الذي بلغ مستوى الجرائم ضد الانسانية، فيجب رفضه واستهجانه واحتقاره وكبح جماحه، بغض النظر عن الدين الذي جاء به، فالجرائم ضد الانسانية لا يبررها أي مسوغ، حتى لو وصف هذا المسوغ بالمقدس) ..
كذلك كان سيكون من الافضل لو تطرق البحث الى العنف الذي مورس تاريخياً من قبل معتنقي الدين الاسلامي ضد بقية الاديان والمجموعات التي رفضت الاسلام.. ابتداء من اليهود ومروراً بالمسيحيين والزرادشتية ومذابح الارمن والاشوريين.. وما لحق بالايزيديين تاريخياً في عدة فرمانات متكررة تشكل حلقات من حلقات العنف الديني المنفلت الذي نعيش فصوله الدامية اليوم ..
تكمن اهمية الكتاب.. في ما احتواه من عرض نقدي سريع ومكثف لظاهرة العنف في الاديان.. مفنداً مسوغاتها الميثولوجية.. وحاجة الآلهة لمشاريع القتل وتذوق طعم الدم.. عبر استباحة حياة الانسان وقهره واذلاله واسترقاقه واستعباده في سياق الصراعات الاجتماعية.. كشأن من شؤون البشر على الارض يمكن مواجهته ووضع حد له بعيداً عن التهويمات الميثولوجية وسذاجة الوعي الديني الموظف لتسعير حالة العداء بين الناس في هذا العصر ..
ـــــــــــــــــ
صباح كنجي
منتصف شباط 2018
ـ العنف في الاديان.. الدكتور صادق إيطيمش .. دار قناديل للنشر والتوزيع .. بغداد شارع المتنبي 2017