23-2-2018
لم يعد غريباً على الانسان الشرقي بشكل عام والشرق اوسطي بشكل خاص سماع التطبيل الحكومي الدائم فيما يخص وجوده كمواطن ضمن جغرافية سيادة دولة يتحكم بها آلية ديمقراطية ومؤسسات ذات نهج خدمي توفيقي توافقي مع متطلبات المواطن وحاجاته، ولم يعد خافياً كيف ان النبرة الشعاراتية هذه تحولت الى لجام حول عنق المواطن بحيث لم يعد يفرق بين ما هو مدون” اكاديمياً ” عن المواطنة في الكتب والقوانين، وبين الشعاراتية التي ترفعها اغلب الحكومات، وبين الواقع المرير الذي يعيشه، حيث يشاهد امام عينه كيف ان هذه الشعاراتية في دول اخرى هي ادوات خدمية للمواطن بكل تمفصلاتها، في حين ان هذه الشعاراتية في موطنه ليست الا سُلماً ليصل السياسي الى عنقه ليضع اللجام حوله.
ان ادارك معنى المواطنة لم يعد احتكارياً كباقي الامور السلطوية، فاي شخص يمكنه وبواسطة وسائل الاتصال الاجتماعي او حتى المواقع المعلوماتية الوصول الى عدة مفاهيم وتعاريف للمواطنة،والتي نعرض امثلة منها “تعرف باللغة الإنجليزية (Citizenship)، وتعرف لغةً بأنها كلمةٌ مشتقّةٌ من مصطلح الوطن، والذي يعتبر المكان الذي يعيش فيه الإنسان، أما في اليونان القديمة فتصنف بأنها حقٌ من حقوق الإنسان المدنية، وهذا ما أدى إلى اشتقاق اسمها في اليونانية، والإنجليزية، والفرنسية من كلمة City أي المدينة، وتعرف المواطنة اصطلاحاً بأنها صفةٌ يتميز بها الأفراد الذين يعيشون على أرضِ دولةٍ ما، وبموجبها يحصلون على العديد من الامتيازات بصفتهم مواطنين في دولتهم. ومن تعريفات المواطن أيضاً حصول الأشخاص على مجموعة من الحقوق العامة التي تضمن لهم العيش بحياة كريمة في دولتهم، والتي تحافظ على توفير هذه الحقوق لهم، ومن أهمها: الحق في التعليم، والحق في العمل، والحق في المشاركة في الحياة السياسية، كالترشح للمناصب السياسية، والحصول على حق الانتخاب، والتصويت، كما أنها تضمن للمواطنين التمتع بالحريات الفردية التي يكفلها دستور الدولة كحُرية الاعتقاد الديني..”.
من يقف عند جغرافية هذه المدلولات التعريفية بالمواطنة ويرجع بذاكرته الى الوراء القريب ليجلب الصور الترافقية لحياته ، ثم يقارنها بالموجودات الحالية من الصور التي يلتقطها يومياً، ويشاهدها، ويساهم في صنعها في الكثير من الاحيان، سيجد عمق الهوة التي تفصل بين المنطق والرؤية والفكرة التي قرأها ذات يوم عن المواطنة، والتي سمعها ويسمعها الان، وبين الواقع العياني، فكل المدونات تُسَخر الان لهدف واحد وهو اخضاع المواطن للصيرورة السلطوية دون اعطائه اي حق من الحقوق المنصوص عليها ضمن التعاريف والشعارات التي يروجونها حول المواطنة، وبالتالي يدفعونه ليعيش حالة من اللاوعي، فكأنهم يخدورنه للبقاء مكبلاً بالسلاسل السلطوية للابد، في حين بين فترة واخرى يمنحونه جرعة معنوية هي في الاصل منومة ان لم تكن مسمومة، فكل الشعارات التي يروجونها لاتخدم المواطن في شيء، انما هي سلالم خدمية توصلهم لمبتغاهم السلطوي ” الكرسي” وحين يصلون تصبح المدونات السبقية والتي اوصلتهم الى ما هم عليه خارجة عن نطاق الخدمة وفي بعض الاحيان تتحول الى تهديد للامن القومي لكونها تدعم بنظرهم اشاعة الفوضى السياسية فتنقلب على المواطن ليعيش وطأة ايمانه بها، ومساهمته في ايصال السياسي للكرسي.
ومن اغرب الامور التي استوقفتني حول مفهوم المواطنة في العراق الحديث و” كوردستان” معاً ان المواطن كان ولم يزل هو اخر هم للحكومة السلطوية، وان المواطنة ليست الا سلعة آنية لايمكن الحصول عليها الا في الفترات الحساسة من تاريخ البلد، ففي الشدائد مفهوم المواطنة فعال وذلك لحاجة السلطة لمن يقاتل بدلاً عنها وباسمها، وكذلك في اوقات رسم الملامح السلطوية الجديدة ” الانتخابات” بكل انواعها يعود المواطن ليشكل الهيكل الاساس للدولة والسلطة فتبدأ المنح وتبدأ المهاترات السياسية فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية التي تخص صميم حياة المواطن، وبذلك يتم تفعيل مفهوم المواطنة وفق اولويات السلطوية، وما ان يتم المراد، ويصبح الكرسي مضمونا، حتى تعيد السلطة المواطن الى النفق المظلم الذي يبقيه في حاجة وعوز كي يبقي اللجام حول عنقه وذلك حتى لايجد منفذاً للهرب، ويبقى السلعة التي توظفها السلطات للحصول على مكاسبها الشخصية.
لن اخوض في المهاترات السياسية فيما يتعلق بحكومة بغداد، لكون اي شخص سيقرأ الموضوع سيقول بانكم انفصاليون وانكم تدعمون تمزيق جسد الامة والوطن والى غير ذلك من المهاترات السياسية التي يطلقها ممن هم يحلبون الصخر العراقي لمصالحهم وليس الشعب فقط، لذا ساتحدث عن كوردستان باعتبارها الان تعيش حالة من الاستنفار العام لاسباب متعددة، فمن ناحية هناك غليان شعبي بسبب قطع الرواتب وعدم وجود برنامج محدد لتحسينها، وكذلك بسبب الصراعات السياسية التي اودت في النهاية الى ضياع الحلم الكوردي بعد الاستفتاء الناجح الذي اجري في كوردستان، ومن ناحية اخرى وصول الكورد الى مرحلة عرض السلعة ” الانتخابات ” على الصعيدين المركزي ” بغداد ” والمحلي ” اربيل / هه ولير” ، وبلاشك المواطن هو الركيزة الاساس في كل المتحولات والمتغيرات التي تحصل والتي يُحتمل انها قد تحصل، والغريب كوجه مقارنة بان بغداد تصرف الرواتب بسخاء وتقرض الاموال بسخاء بالطبع على حساب البنية التحتية للاقتصاد العراقي والذي وبحسب المختصين يغرق تحت وطأة الديون، فيما نجد بان حكومة اقليم كوردستان تعيش في حالة من الهذيان السلطوي، وهي بعيدة كل البعد عن تحريك اية دوافع للمواطن كي يخوض تجربة الانتخابات مثلاً بالدرجة المطلوبة وبتلك الحماسية التي هي في الاصل تحدد وجوده ضمن هيكلة العراق العام وهيكلة كوردستان الخاص، وبذلك تقوم بقتل ما تبقى من الايمان بها، وبوجودها الفعلي، وبامكانية قيامها بوضع الحلول المناسبة لهذه الازمات المتوالية ” السياسية – الاقتصادية – الحزبية – الاجتماعية “.
ان المنطق الذي تتبناه حكومة كوردستان ليس الا نتاج فعلي للعدمية التي تعيشها اغلب التيارات السياسية الكوردية، التي لاتبحث عن مصلحة المواطن بقدر ما تبحث عن اسقاط المقابل واخضاعه لمنظومة مغايرة عن ما استمرت عليه طوال السنوات الماضية، وبلاشك ان المواطن شعاراتياً هو الهدف الاساس للقدماء والجدد، وكل حزب بما لديهم فرحون، دون ان يقدموا اية مقترحات فعلية واقعية نابعة من الواقع العياني لتحسين الحالة السياسية والاقتصادية لكوردستان، فكل الموؤشرات تدل على ابداع هذه التيارات باختلافها فيما يتعلق بالشعاراتية ” المواطنة” ، وانها وبحسب ما تقول تضع حقوق المواطن الكوردي ضمن اولوياته السياسية السلطوية والى غير ذلك التي كما سبق وان اشرنا اليها بانها السلعة، في حين نجدهم يتناحرون داخلياً، ولايتقبلون وجود احدهم للاخر، بل وصل الامر بهم الى التشهير بالقادة الكورد الذين خدموا القضية لعقود متوالية.
ان مفهوم المواطنة في العراق وكوردستان يتخذ منحنى متدني لدرجة بان الانسان لاقيمة لديه الا اعلامياً وظاهرياً في حين ان اي فعل قويم يخدم مصالح المواطن ليس الا حبر على ورق عتيق يستخدمه هولاء الساسة لمصالحهم ولفرض الاجندات التي يعملون تحت وطأتها، في بغداد التصريحات تاتي نحن لانحارب المواطن في حين تجد اغلب المناطق المنكوبة جراء سيطرة داعش لم تزل خراب، وبدون خدمات، فضلاً عن الاختطاف والقتل وخروج العصابات بل حتى ظهور خلايا داعشية جديدة، وفي الوقت نفسه، تمنع القوت عن كوردستان وذلك لفرض سياسة لوي العنق، وهذا كله لان الكوردي قال اريد ان اعيش حراً مستقلاً، وليس هذا فقط بل ان مقولة نحن لانحارب المواطن اوصلتهم الى منع المريض ان يسافر في المطارات داخل كوردستان ناهيك عن المسائل الاخرى المتعلقة بالحدود ، وكل هذا باسم نحن لانحارب المواطن الكوردي او المواطن بصورة عامة، ولم تستقر الامور على هذا فحسب، بل زادت الطين بلة في التصريحات المتوالية للحكومة العراقية بكونها ستعمل على تقديم الرواتب للموظفين في كوردستان، كسلاح اخر اعلامي مؤقت يخدم المرحلة الدعائية للانتخابات المقبلة والتي اصبح العراقيون يترقبونها بشغف لا لانهم سيجدون تغيرات على المستوى السلطوي والفهم والادراك السلطوي ، انما فقط ليعرفوا موقعهم من اللوحة السلطوية القادمة التي تنادي وبصوت مسموع بان المواطن العراقي هو الهدف الاساس للحكومة وليس شيء اخر.
وفي الوقت نفسه نجد في كوردستان اهتمامات واضحة حول القوائم التي ستشارك في الانتخابات على الصعيدين المحلي والمركزي، وتذهب اغلب التلميحات حول امكانية توحيد الصفوف بعد الانتخابات لجعل الصوت الكوردي مسموعاً في بغداد، ولكن على ما يبدو ان الكورد لم يعتبروا من التاريخ لا قديماً ولا حديثاً ولا حتى مجرياته في الامس القريب، فنجد الصوت الكوردي مبحوحاً غير مؤثراً كما اصوات اغلب المكونات الاخرى خارج منظومة الدعم الخارجي، والتي بلاشك هي ” المنطومة” التي ستحسم الامور والاصوات، وبعدها سيبدأ العد التنازلي لحلب المواطن من جديد، وفرض اتاوات جديدة عليه بحجة الازمة الاقتصادية، وحجم الديون، ولاعتبارات مذهبية، واخرى حزبية، واخرى اجنداتية، واخرى لاعتبارات سبقية، فالحزب الفلاني كان معارضاً والحزب الفلاني كان موالياً لجهة معادية، والى اخره من هذه الشعارات التي ستظهر للمواطن، وكأن صوته ودعمه في الانتخابات كان مجرد وبال عليه، على هذا الاساس فالكورد لن يجدوا من بغداد سوى ما وجدوه في الامس القريب، حيث يكون صوتهم مهماً للوصول الى الكرسي وبعدها يتم فرض الاتاوات على الكورد بداعي انهم قاموا بالاستفتاء للاستقلال من جهة، وبداعي انهم لم يسلموا المطارات والمعابر والنفط للحكومة المركزية من جهة، وهكذا يكون الصوت الكوردي وبال على الشعب الكوردي” المواطن”، كما ان الكورد لم يعتبروا من التاريخ في اختيارهم للاسماء التي يمكن ان تمثلهم سواء في البرلمان العراقي او الكوردستاني.
ولااخفيكم سراً بان اغلب المرشحين في القوائم الكوردية وعلى الرغم من تزيينها بالشهادات العليا لاتعدو الا اسماء مستهلكة مسبقاً لكونها لم يتم ترشيحها على اساس خلق ابداعي، انما هي اسماء لارضاء جميع المكونات الشعبية داخل كوردستان، وحتى ان وجدت قائمة تقول نحن لانعتمد ذلك اساساً ورسماً للترشيحات فانه يقول ذلك من باب الشعاراتية المغايرة والتي يريد من خلالها اظهار نفسه على انه مختلف عن البقية في حين لو تفحصت الاسماء جيداً لوجدت انها ان لم تعتمد على مسألة ارضاء جميع المكونات الاجتماعية فانها اسماء اختيرت لبعثرة اوراق المنافس داخل جغرافيته” الضد”، وبذلك يكون الترشيح ايضا غير ملائماً للمواطن الكوردي الساعي لخلق وجوده الفعلي ضمن الهيكل العام للدولة، لعله في وقت قريب يجد فرصة اخرى كي يوصل صوته العالم .
ان الصورة التي نجد عليها الان المواطن في العراق وكوردستان، لهي صورة مشوهة للانسان الحقيقي، الفعال، الساعي لتحقيق وجوديته، لكون تلك الصورة مرهونة بعدة عوامل، لعل ابرزها الانتماء الحزبي ” المذهبي” ومن ثم الانتماء القومي، ومن ثم الولاء الاعمى، وهذا ما يفقد الانسان وجوديته الفعلية جراء ما يتم فرضه عليه من قِبل الدوائر المذكورة، وبذلك يتحول من انسان يفترض به ان يكون حراً في الاختيار، الى مُسير في جميع خطواته، بل حتى مسير في احلامه ، ولايقف الامر عند هذا الحد بل يتعداه الى كون وجوده مرهون بالاساس بكمية الحقد الذي يحمله تجاه منافسيه، وهذا كله يتم فرضه من الاجندات المتحكمة به وباسياده، وفي مرحلتنا الحالية نجد الشعارات المرفوعة التي تلقي استحساناً من قبل الاجندات المذهبية والقومية وقواعدهم الشعبية “المواطنون” هي الشعارات التي تعادي كوردستان والكورد” المواطن”، فكل جهة تتخذ من محاربة الكورد وقطع الميزانية عنهم وتهميش وجودهم تلقى شعبية واسعة بين الاوساط المذهبية والحزبية، ولا اعلم لماذا يصر الكورد على المشاركة في العملية السياسية” كمواطنين” في بلد فيه شعار محاربتهم والحقد عليهم هو الاساس الفعلي للنجاح والانتشار والقبول بين الاوساط الشعبية فيه.
استوقفني هذا السطر من هذا المقال والعهد على الباش كاتب ويقول… (وكذلك بسبب الصراعات السياسية التي اودت في النهاية الى ضياع الحلم الكوردي بعد (الاستفتاء الناجح الذي اجري في كوردستان، )انا لااعرف كيف سيحصل الشعب الكوردي على حقوقه اذا كان الاستفاء جلب الكارثة لكوردستان ومثقفيها وماجستيريها يصف الاستفتاء بالناجح بالله عليكم من اية ناحية كان الاستفتاء ناجحا.وفي نظر الأستاذ تمر الهزيمة نصر والفشل نجاح نفس أسلوب الثقافة البعثية.
الإستفتاء كان فاشلا بكل المعاير حتى طفل صغير ما كان يقع في تلك الأخطاء إن عدم إتخاذ أية خطوة تمهيدية لنجاح الإستفتاء لكارثة حقيقية والكارثة الأكبر أنهم لم يتصوروا دقيقة بأنه سيتم محاربتها من قبل العراق أو تركيا أو إيران ! أي منطق هذا ؟ كالمسؤل الذي قال: ممكن نية ، أي من غير الممكن حول أستفسار صحفي حول إذا هاجمت العراق الأقليم ، مثل هذا المسؤل لا يمكن إن ينوط به مسؤلية حظيرة من الحيوانات فكيف بمصير شعب ؟