٩/٤/٢٠٠٣ تأريخ لا يمكن ان ينسى في تأريخ العراق المعاصر، ولا تكمن أهمية الحدث عند هذا اليوم تحديدآ، بل أمتد تأثيره على تغيرات طرأت على طريقة واسلوب حياة الفرد منا، وتغيير كبير لم يسبقه تمهيد، بل جاء دفعة واحدة مما سبب حالة من الطيش الاجتماعي والسياسي، وتخبط واضح اشتد أوجه في العقد الاول، بعد سقوط الطاغية وخفت وطئته نوعا ما في العقد الثاني الذي نشهده، وربما سنغادر المراهقة الاجتماعية والسياسية في العقد الثالث، بعد ان يستوعب العقل العراقي حجم التغيير وأثره!
كان المجتمع العراقي يعيش حالة من الالغاء الممنهج لافكاره، وتصوراته حول الواقع ولأكثر الأفكار رسوخآ في عقل الانسان، و خاصة السياسة منها، و حلت محلها مجموعة من الافكار، انه نوع من التحويل القسري كان يمارسه النظام الشمولي السابق على الشعب، اذ مارس التعنيف الفكري لعقول الناس، وعمل بشكل منظم على محاربة الافكار المستنيرة او بوادرها!
وكان يرسم الخطط لتغيير العقل العراقي المبدع بصورة جذرية، بحيث يتحول الفرد الى دمية حية، الهدف منه خلق و تأسيس جيش أدمي من دم ولحم، بمعتقدات تمجد النظام، وأيدلوجيته منغلقة محصورة في ذهن اسير!
على حين غفلة تنهار كل تلك الاسوار المحيطة بالافكار، صبيحة التاسع من نيسان ٢٠٠٣، لتنطلق جامحة بدون حسيب او رقيب، بعد سنوات التعتيم والتكميم، فمن الطبيعي ان نشهد تخبط هنا، او فوضى هناك وعنجهية هنا وفتونه هناك!
الملفت للنظر ان المهاترات غالبا ما تنشط افتراضيآ فقط، في حين نجد ان ارض الواقع صحراء خالية، من تلك الاصداء والاصوات المتعالية “كيبورديآ”
علينا ان نتفق اولآ ان العامل الاقتصادي، والفراغ الذي يعانيه اغلب شبابنا ممن يرزحون تحت وطئة البطالة، سببآ رئيسيآ بنشاط العالم الافتراضي، اذ يقضى الشباب جل اوقاتهم بهذه العوالم،
يقال مصائب قوم عند قوم فوائدٌ، لذلك نرى ان صفحات التي تتاجر بالافكار المستهلكة والطائفية تنشط بفضل هؤلاء المراهقين والشباب ، اذ تعمل تلك الصفحات المشبوهة ببث سمومها ببطئ في عقولهم البسيطة، وتجعل منها سلعة تمرر من خلالها ما تريد، فاصبحت تجارة رائجة، وحرب باردة مفتوحة لا رابح فيها بل الجميع خاسرون.
سفسطة تلك الصفحات باتت مكشوفة للجميع، فهم على أهبة الاستعداد، وفي حالة استنفار كامل لتصيد خبر هنا او مقطع فديو هناك، لأعادة فبركته حسب ما تراه اكثر سمية واثارة للرأي العام، وابرز تلك الفيديوات الذي انتشر مؤخرآ، فيديو “المهوال” وبغض النظر عن محتواه، الا انه يؤكد مسألة مهمة ان السفسطة عادت من جديد، بثوب اكثر حداثة اذ عرفنا حقيقة الامر ان معيار السفسطائيين ببساطة، “لا يوجد معيار” لان الانسان معيار الاشياء جميعآ كما يزعمون، فما اراه انا حق تراه انت باطل وهكذا، فلا توجد ثوابت نحتكم اليها وبالقول الدارج”حب واحجي واكره واحجي” وقضية المهوال وما تبعتها من فديوات للمهوال نفسه يوضح ملابسات الحادث تؤكد كلامنا، اذ انبرى الجميع لتحليل الفديو واصبحوا فجأة مابين محلل سياسي، وضابط مخابرات ناجي من الحرب العالمية الثانية، وفريق ثالث تبرع ان يكون جهاز كشف الكذب!
اجتهدوا في تفسير كلام المهوال في المرة الاولى والثانية، هذه القضية برمتها ان دلت على شيء فانها تدل، ان العقل العراقي تحول من الأسر الجبري والتعسفي، الى الأسر الاختياري، والكثير منا اختار ان يغلق نوافذ عقله عن رؤية الحقيقة وفضل ان يكون سلعة مجانية، تتلاعب وتتاجر بها اصحاب صفحات مسمومة ومأجورة، تدار عبر ثلة لا يروق لهم النظام والاستقرار، يخشون التغيير لانهم على يقين ان التغيير قادم لا محالة.
*المصدر/غسيل الدماغ
كاثلين تيلر