عفرین لم ولن تسقط… د.عبدالباقی مایی

١٢\٣\٢٠١٨

عفرین لم ولن تسقط…فقد أثبتت “مقاومة العصر” ذلك. إن وقعت عفرین تحت الإحتلال التركی بقوة السلاح فهذا لیس معناه أن عفرین سقطت و قبلت بالإحتلال بل ستستمر المقاومة بشكل أو بآخر، سواء” كانت ضد الإحتلال التركی أو السوری أو غیره من أنواع الإحتلال. فالوقوع تحت الإحتلال لیس سقوطا”. كلنا فی كوردستان نعیش تحت الإحتلال منذ أجیال عدیدة. وقد یبدو لبعض منا بأننا تعودنا علی العیش تحت الإحتلال فلا یستطیعون تخیل العیش فی حریة وإسقلال، بل وقد لایكون البعض مستعدا لمتطلبات الإستقلال ولذلك لایرون فی النضال من أجل الحریة والإستقلال أی معنی أو مبرر. فمن لم یمارس الحریة والإستقلال أبا” عن جد، لایعرف طعمها بل یعتقد أن العیش تحت الإحتلال والعبودیة هی الحیاة دون بدیل. علی هذه الوتیرة تسیر الحیاة لدیهم، ویتم تربیة الأطفال علی هذا الأساس فتتكون بالنتیجة شخصیة ضعیفة للفرد مبنیة علی الخائات الثلاث (الخوف والخجل والخطیئة).

مقاومة عفرین علمتنا دروسا جدیدة فی كیفیة التعامل مع الإحتلال. وهی مقاومة فریدة من نوعها، فلسفتها هی فهم الحیاة والشعور بطعمها وقیمتها والحریة فی إختیارها، ومادتها هی الشخصیة السلیمة التی تربت علی تلك القیم، ومدبرها هو العنصر الأنثوی الذی ینتمی إلی الحركة النسویة فی العالم المتحضر، ووسائل تربیتها تعتمد علی العلم الحدیث فی مجالات مختلفة مثل علم النفس التربوی، والعلوم النفسیإجتماعیة والبشریة الحدیثة. أین تجد في تأريخ العالم هكذا مقاومة صارمة فی القرار، وحاسمة فی الأمر، وصامدة فی البقاء، وشاسعة فی الأفق، وعمیقة فی المعانی، وطویلة فی الأمد، ومعتمدة كلیا علی الذات، وجامعة بین ذكر وأنثی، وطفل وشیخ، وكوردی وعربی، ومسلم ویزیدی ومسیحی، كلهم سواسیة فی التضحیة والفداء؟!

إستلهمت مقاومة عفرین معانیها ومعنویاتها من شعب كوردستان فی جمیع أجزائه وأضافت إلیها تضامن وإنضمام الأصدقاء من كافة أنحاء العالم لیشاركوا فی تقدیم آیات التضحیة والفداء، فمنهم من أتی لیناضل من أجل حركة الأنوثة العالمیة كحركة رائدة فی العالم المتحضر ومنفذة علی أرض الواقع متمثلة فی الإدارة الذاتیة فی “روژئاڤا” كأول تجربة ناجحة لنموذج جدید فی التعایش السلمی علی أرض كوردستان مع فدرالیة شمال سوریا. ذلك النموذج الذی جذب إنتباه العالم المتحضر وجلب نقمة الرجعیة والفاشیة بشقیها العنصری والدینی فی المنطقة متمثلة بأردوگان الذی جن جنونه فرمی بنفسه وبنظریته وبطموحه إلی بحر الهلاك الذی لارجعة منه. وإعتمدت مقاومة العصر فی عفرین كلیا علی الطاقات الذاتیة للشخص الذی تمت بنایة شخصیته السلیمة بالتربیة المبنیة علی العلوم الحدیثة من نفسیة ونفسیإجتماعیة وفلسفیة فیما یتعلق بالسعادة فی فهم الحیاة والشعور بمعناها وحریة إختیارها.

لیس بالعجیب ولا بالغریب أن یدخل ثانی أكبر جیش فی (حلف الناتو) إلی عفرین عن طریق الغزو والإحتلال المبنیین علی الحقد والكراهیة فی نظریة شوفینیة كما هو الحال بالنسبة لجیش أردوغان. فالمهم فی الأمر هو أن عفرین أصبحت معروفة لدی العالم أجمع بكوردستانیتها وشهدائها وأساطیرها التی سجلت التأریخ. علینا أن لاننسی بأن أرض كوردستان كلها محتلة، فجمیع أهل كوردستان یعیش فی أجزائه الأربعة تحت الإحتلال التركی فی تركیا والفارسی فی إیران والعربی فی كل من العراق وسوریا، ونكاد أن نكون قد تعودنا علی العیش تحت الإحتلال بمرور الزمن وتحت سیاسة الإستعمار التی تلتها الإمپریالیة فی تطبیق طرق غسل الدماغ، إضافة إلی فشل الثورات والسیاسات التی قام بها شعب كوردستان هنا وهناك وتولت قیادتها أصحاب الشخصیات الضعیفة فی المجتمع فسرعان ما خذلت هذه القیادات شعبها وربطت مصالحها مع المحتل عندما وقعت فی فخه.

أما مقاومة عفرین فقد علمتنا كیف نتعامل مع الإحتلال، فسجلت لنا فی التأریخ درسا كیف نتمتع بالسعادة فی فهم الحیاة، وإستیعاب معانیها، وتطبیق الحریة فی إختیار أسلوب العیش تحت الإحتلال، فنرضی بالموت فی سبیل الحریة ولانقبل بالإحتلال حكما” علینا. هذه هی بدایة الكفاح الصحیح من أجل الكورد وكوردستان ولیست نهایته كما یظن البعض.

مقاومة عفرین تذكرنا بقصیدة الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان (١٩٠٥– ١٩٤١ ) :

“الشباب لن یكل، همه أن یستقل أو یبید…

نستقی من الردی ولن نكون للعدا كالعبید…”.