سنوات الظلام، لا يسمح فيها حتى الكلام، عندك رأي أذهب به إلى الحمام، لا صوت يعلو فوق أزيز الرصاص، النفط مقابل الغذاء، قتل وتشريد وتهجير ودمار، تعزف سرّف الدبابات، وتنشَد الرشاشات، عتاد؛ سلاح، غدٌ أسود، مات؛ قتل؛ أُعدم؛ أُغتيل، نفذّ ثم ناقش؟!
حرب الثمانين، وحرب التسعين وحرب الحواسم 2003، فكر دموي، يعشق البطش والتنكيل والتعذيب، حتى السماء؛ منعت غيثها، والأرض صلّدة زرعها، فقرٌ وعوزٌ وجحيم، الأمان لمن خضعَ ومُرغ أنفه بالوحل، ومن قال لم؛ قيل له بحد السيف، ومن صاح؛ أُنتزع لسانه، ومن سمع؛ قطعت أُذنه، ومن أنتفض؛ تفجر جسده.
بدأت الحرب، كنت حينها أبن الخمسة عشر عاماً، لدى والدي راديو عشتار الصغيركتب على جانبه(صنع في العراق) ومعه بطاريات كثيرة، كنا نتحضر للحرب ومعاناتها، كانت الإذاعة المشهورة هي (مونت كارلو) بدأ الجيش الاحتلال بالقصف العنيف، نتواصل مع عمي في بغداد، عبر الهاتف الأرضي، الأخبار غير جيدة، وتقدم كبير لقوات الاحتلال، قصفت منطقة الحزام الأخضر(في مدينة النجف) بالقنابل العنقودية، بسبب وجود رادار كما أشيع، وكنا لا نعرف معناه العسكري، فاجتمع شباب المنطقة، وحملنا بعض العصي، كي نبعد عجلة الرادار عن منطقتنا، لأن الطائرة ستقصف مواقع الرادار، قسم الليل علينا بواجبات زوجية، وانتشرنا حول منطقتنا، كي لا تأتي عجلة الموت.
الأمريكان تقدموا جهة بحر النجف، بعملية انزال جوي ليلية، وكانت طائرات ذات المراوح المزدوجة، تنزل كثيرا في البحر عرفنا أنهم احتلوا تلك المنطقة، منذ ذاك الوقت والفكر الداعشي كان يعشش في عقول البعثيين، فوضعوا مدفع 57 نمساوي، بين المنازل، قرب (جبل الحويش) وضل يضرب هذا المدفع مستهدف منطقة البحر، ادخل الرعب في قلوب الأطفال والنساء وأهالي المنطقة المجاورة، لآلة الموت تلك، انتفضوا عليه وطردوه.
احتشد اكثر من مئتان من البعثيين، مع عجلاتهم ونفذوا واجب ليلا على بحر النجف، حيث لم ينجو من كمين للقوات الأمريكية، وفي اليوم التالي أتوقع ظهراً، نسفت مديرية الأمن بصاروخ، جعل البناية تجثم على ركبتيها، وقصفت بداية (شارع المدينة) صوب البحر بقذائف مدفعية راح ضحيتها بعض الاهالي بين جريح وقتيل، ومنطقة الساحة( سوق خضار قرب الكراج الداخلي القديم) هذه المناطق التي أتذكر قصفها آنذاك، وبعدها بساعات تم احتلال مركز المدينة، وخرجت الناس للشوارع، بوجوه شاحبة، يعلوها الخوف من المجهول.
وبعد 15 عام من ذاك اليوم، الحرية تجاوزت حدود الأخلاق والسلوك، وبات كل شيء مباح، إنفجار عظيم من الكبت والحرمان والضغط القاسي، الى العشوائية وإشباع الرغائب، وتعويض ذاك الشعور بالنقص، فتهافتت الناس على الستلايت والاقمار الصناعية، فوق الخراب والدماء؛ تجد طبق(صحن) لمستقبل الإشارة! ثم دخلت الأجهزة الخلوية، حتى أصبحت جزء من شخصيتنا، ونتسابق لاقتناء أحدثها؛ بأي ثمن، حتى وإن لم نأكل لأسبوع، فذاك النقص الشديد والكبت المخيف، جعلنا مرضى نفسيين، ليصبح الموبايل، شعيرة وفرض يجب أداءه مهما كلفة الأمور.
بمرور السنين وبعد فشل متكرر، زاد الطين بلة، الانتخابات كنا لا نفقه سوى يوم الزحف الكبير، فذهبنا، ونحن لا ندرك لماذا نذهب أصلا، فأنتخبنا بآذاننا، وأشرنا بسبابتنا، نبحث عن دكتاتور جديد، وقائد ضرورة، ف35 عاما، لا يمكن محوها بيوم وليله، فاخترنا الأسوء، وأنتخبنا أكثرهم طائفية، وصاحب الخطاب الرنان، فما زالت “شوكت تهتز الشوارب” ترن في آذاننا.
الذكرى ال 15 لسقوط الطاغية، وما جرى على العراق من ويلاة وحروب وإرهاب ودمار؛ أما آن الأوان للشعب أن يقرر ماذا يريد؟ اي صوت هو الأفضل، فما عادة الصراخ والوعيد والنبرة العالية تجدي نفعا، اليوم يجب أن نقرر؛ لا مجال لهدر عشر سنوات أخرى، يجب أن نركن الى الأصوات الهادئة، والنبرة العقلائية، والسلوك الوسطي، والطرح المعتدل، كفانا دماء وقتل، فما عادة ترتوي أرضنا، فقد تشبعت بالدم حتى التخمة، حان وقت الحوار والسلام .. والسلام
ببساطة كل ماحدث هو ، سقط صنم كبير فولد أصناماً صغار ؟
٢: والمصيبة أن هذه الاصنام لم تعرف الشبع ولا الخجل ولا الحياء ولا الصدق ولا الادارة غير اللطم والوجه سخام ، فكل ما تعلمته هو السلب والنهب والدجل باسم الاسلام ، والانكى خانو العراق وشعبه وصاحبوا ألاقزام ، سلام ؟