قوة الشعوب في وحدتهم- دلشاد مراد

منذ بدء الغزو الأوروبي «الفرنسي البريطاني الإيطالي» لمنطقة الشرق الأوسط خلال الربع الأول من القرن العشرين في أعقاب انهيار الدولة العثمانية عام 1918م، كان همهم وهدفهم الأول تشتيت شعوب المنطقة للحيلولة دون النهوض الحضاري للمنطقة من جديد.

ويبدو أن الدول الغربية اتقنت تنفيذ هدفها، فالقوميون الترك الذين كان آل عثمان يمثلونهم وشكلوا دولتهم التي احتلت البلاد العربية وكردستان ومنطقة البلقان، اعتمدوا على سياسة التتريك والتجهيل بحق الشعوب الأخرى، فكانوا بحق ممثلي القوى العالمية المهيمنة في المنطقة، ولكن عندما بدأت حركات التحرر العربية والكردية والأرمنية بالظهور، أيقنت تلك القوى أنه حان الوقت ليتدخلوا مباشرة في المنطقة، ولكن كان لا بد في البداية من إيجاد بدلاء آخرين من العناصر المحلية في المنطقة، ولهذا أرسلت البعثات التبشيرية وفتحت المدارس ذات الطراز والمنهاج الغربي، وخلال بضع سنوات تخرَّج العشرات وجرت تهيئة بعضهم لقيادة شعوب المنطقة، حتى أن أبرز مؤسسي الفكر القومي التركي والعربي وبخاصة المتطرف منه كانوا من خريجي تلك المدارس، وكانت نتيجة ذلك فيما بعد ظهور المنظمات السرية والحركة القومية التركية المتطرفة والأحزاب الإسلامية في تركيا وهي توازي الحزب النازي في ألمانيا من الناحية الأيديولوجية والتطبيق من ناحية تهميش الشعوب وطمس هويتهم الثقافية والحضارية.

لم يشأ الغرب عندما أتى لغزو المنطقة أن ينهيَ الدولة العثمانية تماماً، وأبقوا على سيطرة العنصر التركي المتطرف على الأناضول وقسمٍ كبير من كردستان، ودعموا مصطفى كمال أتاتورك وهو من خريجي المدارس الماسونية ليكون على رأس الدولة التركية الجديدة مع طاقم تركي متطرف ليرتكبوا مجازر فظيعة بحق شعوب الأرمن والسريان والآشور والكلدان والكرد، ولهذا فإن القوى المهيمنة العالمية مدينة للمتطرفين الترك من جانب تطبيق رؤاها التخريبية في المنطقة، وعليه استمروا في دعمهم طوال القرن المنصرم، ومولوا الدولة أو الحكومة السرية في تركيا (منظمة الغلاديو ومن بعدها منظمة أرغنينكون) التي تمثل وتعبر عن الشكل أو البناء الحقيقي للكيان التركي، وما جرى في تركيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة هو أن رجب طيب أردوغان على الأغلب قد أصبح جزءاً من الكيان السري في تركيا، ولهذا ظهر تحالف بين حزبه «العدالة والتنمية» والحركة القومية التركية المتطرفة والتي تمثل الجانب السياسي المرئي للكيان السري، ولذا حتى يتم ضمان سيطرته على مقاليد الأمور دون أي عوائق، أتيح له الانقلاب على حليفه فتح الله غولان زعيم جماعة الخدمة، وكذلك إبعاد عشرات الآلاف من أنصار المنظمات المعارضة له، واعتقال المئات من ضباط الجيش من غير الموالين له، وكذلك الانقلاب على عملية السلام مع الكرد واعتقال السياسيين والبرلمانيين الكرد وإغلاق العديد من المنظمات المجتمعية والمؤسسات الإعلامية، وما جرى من سياسات التهميش والدكتاتورية وقمع الشعوب والاحتلال الخارجي ليس إلا تنفيذاً لذات السياسات السابقة منذ تأسيس الدولة التركية بدعم من القوى المهيمنة العالمية، أي أن الدولة التركية قامت لتصبح رأس حربة في تنفيذ سياسة إبادة الشعوب الأصيلة في المنطقة وتنفيذ سياسة القوى المهيمنة العالمية في منطقة الشرق الأوسط.

إن تركيا الأردوغانية تمثل خطراً على الأمن القومي للشعوب الأصيلة في المنطقة، وعليه لا بد من تدارك الأمر وتمتين الأواصر الوحدوية بين الشعوب وتشكيل جبهة قوية بوجه الاحتلال والتوسع التركي الجديد في المنطقة.

 

*زاوية في العمق- صحيفة روناهي/ سوريا