العلاقة بين المرشح والمواطن- جوتيار تمر/ كوردستان

21-4-2018

يمكن تعريف العلاقة الطردية على انها العلاقة بين متغيرين كلما زاد احدهما بمقدار معين يزيد الاخر بزيادة تتناسب مع زيادة الاول والعكس صحيح، ولعل المتتبع للفوضى الانتخابية في العراق واقليم كوردستان سيلاحظ بدون تشفيرات مدى العلاقة الطردية بين المرشحين الذين تمتلئ صورهم جميع الاماكن بدون استثناء، وبين وعي الشعب الذين سيدلون باصواتهم لاحد هولاء المرشحين، وباعتبار اني سبق وان كتبت عن الوعي الانتخابي في مجتمعاتنا، لن اخوض في غمار معنى الانتخاب واهمية الانتخاب والاختيار والى غير ذلك من المؤشرات الدالة على العملية الانتخابية بصورة عامة، لاني فقط اود ان اقارن بين طرفي المعادلة من خلال وجهة نظر شخصية واعتذر ان كانت قد لاتلائم مع رغبة المرشحين وبعض ابناء الشعب المتيمين بمرشحيهم.

لايحتاج الانسان الواعي او الباحث الاكاديمي لاجراء دراسة تفصيلية عن المستويين “الثقافي والوعي” لدى ابناء الشعب العراقي وابناء اقليم كوردستان لكي يحدد من خلال نتائجها ملامح هذا المجتمع المحافظ على طبائعه القديمة من انتمائية عشائرية وطائفية ومذهبية ودينية وقومية والى غير ذلك من الطبائع التي ترتبط بعضها ببعض وفق منظومة اللاتطور والمراوحة ضمن دائرة مساحتها تبدأ باللاشيء وتنتهي عند نقطة اسمها العلمي اللاشيء ايضا، وعلى الرغم من التفاوت الحاصل في البنية الاجتماعية في محافظات الاقليم مقارنة بمحافظات العراق الا ان الامور بجملتها لاتبشر بالخير، فلا الحكومات في الاقليم ولا الاحزاب استطاعت من احداث نقلة موضوعية في البنية الاساسية ” الوعي ” لدى ابناء شعب كوردستان الا بمقدار قليل لايتناسب مع حجم الطموح الكوردي، ولا الحكومات العراقية المتعاقبة استطاعت من خلق تلك الاجواء التوعوية والثقافية التي يمكن من خلالها ان يجتاوز المواطن العراقي مراحل الانتماء الاعمى والارتباط بالمذهب والقومية دون الارض ، وهذا ما يفسره حجم الماساة التي نشاهدها في هذه الفترة بالذات من خلال التعامل مع العملية الانتخابية وفق منظور ضيق جداً يبدأ بالترشيحات البعيدة كل البعد عن الاسس الاكاديمية والتي يحتاجها البلد، وكذلك التعامل مع العملية الانتخابية كسلعة رخصية لفرض ايديولوجيات لاتمت بالمواطنين الا شعاراتياً من خلال تأجيج مشاعرهم المذهبية والدينية والقومية ضد المكونات الاخرى داخل العراق نفسه.

وهذا ما يفرض علينا كمتابعين ان نحاول اجراء مقارنة للعلاقة بين المواطن والمرشح الذي هو يمثل حزبه – طائفته – قوميته والى اخره من هذه الدوائر المغلقة التي بنظري لاتخدم الدائرة الاساس والكبرى، هذه المقارنة هي وجهة نظر شخصية اسسها نابعة من خلال الرصد العياني للشارع سواء في العراق او في كوردستان بالطبع ليس من باب التعميم انما الطرح كفرضية يمكن للقارئ والمتابع ان يعاين الوضع وفق نظرته الشخصية، وسنبدأ مقارنتنا بالترشيحات في العراق وذلك من خلال رصد عقلية المرشحين بالدرجة الاساس واهمية وقوفهم على حملتهم الدعائية كجزء من القيمة الشخصية له كمرشح عن قائمة او حزب او جهة اخرى، وهنا تبدأ الطامة حيث اللاوعي الدعائي يمكن رصده من خلال اماكن تعليق الصور الدعائية ولعل من قارئ يقول ليس المرشح من يقوم بتعليق صوره، ونحن نقول له سبق وان ذكرنا بان متابعة الحملة الدعائية جزء من شخصيته، لذا هذا ليس بمبرر يمكن الاستناد عليه فالمرشح يجب ان يكون عليماً بمجريات حملته الدعائية ومسيطراً عليها ومدركاً باهمية عدم التجاوز على الممكنات والانجراف في المحضورات وبالتالي فان حملته الدعائية تمثل لدى الطبقة المثقفة والواعية شخصيته التي يمكن من خلالها اقناع هذه الشرائح بالتصويت له دون الانصياع لمبدأ القومية والمذهبية والطائفية والحزبية، ولعل الامر الصادم هو ان كل المرشحين من حيث وجهة نظري لايعلم بمجريات حملته الدعائية الا من خلال كمية الصور التي امر بتعليقها والمبلغ الذي دفعه لطبع تلك الصور من جهة والمبلغ الذي صرفه على القائمين بتعليق صوره من جهة اخرى، وهذا ما جعل الصراع بين المكونات الاجتماعية يتخذ شكلاً اخراً مضافاً الى الاشكال الموجودة والمتأصلة في البنية الاجتماعية العراقية، وليس بمخفي على احد نتائج هذه الفوضى التي خلقها اللاوعي واللاتنظيم الدعائي للمرشحين، والتي وصلت الى حد القتل بسبب اماكن وضع الصور الدعائية، وهنا تبدأ المقارنة الحقيقة حول العلاقة بين المرشح والمواطن، فالمرشح لايهمه التنظيم الدعائي والمواطن المنتمي لذلك المرشح لايملك الوعي الكافي لمعرفة اساسيات الحملة الدعائية الانتخابية لذا قد تجده يفقد السيطرة على نفسه ويهاجم على القائمين باعمال المنافس وبذلك تتحول المسألة من حملة دعائية انتخابية الى ازمة عشائرية مذهبية قومية قبلية، وهذا ما يجعلنا ان نقول بان العلاقة هنا تبدو بصورة جلية علاقة طردية بين المرشح والمواطن، لان العقلية الفوضوية التي يمتلكها المرشح الذي يتفاخر بوضع مثلا حرف الدال امام اسمه او حتى القابه العلمية الاخرى او العشائرية و الدينية والقبلية نجده يمثل تلك الشريحة التي تعلق صوره على حاوية الانقاض، او على جسر مكسور، او بيوت مهدومة ، وهذا الاخير انتمائه الاعمى يجلعه يفعل اي شيء كهذا من باب الوفاء والاخلاص دون ان يفكر بان الباقين من الناس ممن ليس له شأن بهذا الصراع سينظر ون الى المرشح ذاك على انه انتهازي والى غير ذلك من التصورات التي يمكنها ان تحفز المنافسين للقيام باعمال غير مرغوبة تجاه المواطنين البعيدين عن هذا الصراع، ناهيك عن تعليق الصور في الاماكن التي من المفترض ان لاتسلم للمرشحين الا بامر من الحكومة وباخذ موافقة البلدية وغيرها من المؤسسات، وهنا مقارنة اخرى المرشح الذي يتعدى على املاك الدولة بدون اذن وهو مازال مرشحا فكيف سيكون تصرفه بعدما يحصل على المقعد، بالتاكيد المقارنات كثيرة، ولكن اغربها والتي تعبر عن عقلية المواطن بعلاقته الطردية مع علاقة المرشح قيام بعض الشباب بتشويه صور المنافسين ناهيك عن تقبيل صور المرشحات الجميلات والى غير ذلك من التصرفات التي تؤكد فرضية ان العلاقة طردية بين المرشح وبين المواطن، فاعمال اتباع المرشح تمثل صورته طالما لايمكنه ان يسيطر عليها.

وفي اقليم كوردستان سنجد الصراع الحزبي هو الاساس في العملية الانتخابية بعيداً عن النعرات القومية والدينية والمذهبية، فالكورد يشكلون الغالبية العظمى من سكان الاقليم وبذلك التنافس الحقيقي يرتكز بينهم، بالطبع مع وجود تنافس على متسوى اقل بين المكونات الاخرى داخل كوردستان من الاشوريين والكدانيين والتركمان والعرب والكورد من المذاهب الاخرى وغيرهم، ولكن بالاجمال التنافس الحقيقي والكبير اصبح بين الاطراف السياسية والحزبية في كوردستان،  وهذا التنافس خلق جواً غريباً بين الاطراف المتصارعة لاسيما على مستوى المرشحين والمواطنين الذي اصبحوا يرفضون المساومات السياسية من جهة وكذلك عدم احترام حقوق المواطنين من جهة اخرى، وهذا ما ولد تنافراً واضحاً بين المرشح والمواطن، فالعديد من المرشحين ليس همهم الا نشر الصور ولايهم اين ، حتى باتت الارصفة ممتلئة بصورهم بحيث ان المارين اصبحوا اما ينزلون للشارع او يخرجون من على الرصيف للمرور، هذا من جهة ومن جهة اخرى وجدنا بعض المرشحين يسرف بدرجة غير منطقية في الاعلان والدعاية حتى استغل الجبل وكتب بالمصابيح الكهربائية اسمه ورقمه وقائمته عليه، ناهيك عن الاماكن الاخرى التي لايجوز استغلالها للدعاية الانتخابية باعتبارها تابعة للحكومة وليس لجهة حزبية، وهذا ما ولد نفورا اخراً لدى الطبقة الواعية والمثقفة في المجتمع الكوردي، بعكس المواطنين المنتمين لعشيرته او لحزبه، والغريب ان التنافس العشائري بين مرشحي الحزب الواحد ايضا وصل لذروته، وبالتالي فان العلاقة الطردية هنا مكملة للعلاقة الطردية في العراق، غياب الوعي التنظيمي لدى المرشح، يتبعه ويوازيه غياب او انعدام الوعي لدى المواطن المنتمي لقائمة المرشح والقائم باعمال الدعاية للمرشح، وهذا ما دفع الرافضين لهذه الفوضى بحرق الصور الموضوعة على الارصفة الرئيسية والاماكن الحكومية والتمثيل بالصور وحتى ان البعض خرج يصور قيامه باسقاط كل اللافتات والصور الموضوعة على الارصفة الرئيسية بشكل علني ومباشر عبر صفحته على شبكات التواصل الاجتماعي مطالباً اصحاب الصور بان يحترموا حقوق المواطنين.

تتواصل الحملات الدعائية ويتواصل نزف الاموال عليها مع الازمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاقليم، ويتواصل الصراع الحزبي بين الاطراف السياسية مع الحاجة الملحة لتوحيد الصوت الكوردي للثبات امام التيار القومجي والمذهبي والطائفي الذي ينتظرهم في بغداد، ويستمر المتعصبون لقوائمهم واحزابهم بمحاربة المنتمين للاحزاب الاخرى عبر كل الوسائل المتاحة لهم، دون وعي ودون ادارك بخطورة الامر، فالاخرين لاينظرون ولن ينظروا الى الكورد على انهم منتمين للحزب الفلاني وللجهة الفلانية، انما ستبقى نظرتهم الى الكورد على انهم ابناء كوردستان التي سعت للاستقلال عبر احدى اكبر واهم محطات التاريخ الكوردي ” الاستفتاء ” ، لذا ستبقى العلاقة الطردية بين الاحزاب الكوردية شوكة في خصر القضية الكوردية، وستبقى العلاقة الطردية بين المرشحين والمواطنين خنجراً في خصر العملية الانتخابية والوعي الانتخابي، كما ستبقى المذهبية والطائفية طاعوناً في جسد العراق، مضافاً الى كل ذلك الارواح الفاسدة التي تتغدى على اموال الناس وعقولهم للحافظ على مصالحهم الذي سيبقون وصمة عار على جبين الحكومات المتعاقبة في العراق وكوردستان.