في الواقع لم أكن أرغب في الكتابة عن «الإنتخابات العراقية» البرلمانية القادمة إن كان على مستوى العراق العام، أو على مستوى إقليم جنوب كردستان الخاص، لعدم إيماني بجدوى ذلك. ومن وجهة نظري الشخصية يمكن إطلاق تسمية “حفلة بغاء” أو كرنفال صور مقزز عليها. ولكن نزولآ عند رغبة بعض القراء الكرام، كتبت هذه المقالة، وأتمنى أن تجدون فيها ما هو مفيدآ لكم.
حسب قناعتي لا توجد إنتخابات عراقية بمعناها الصحيح والدقيق للكلمة، الأصح هناك إنتخابات شيعية يتحكم بها عدة عائلات معروفة، وهي بدورها تعمل تحت سقف المرشد الإيراني. إضافة لحزب الدعوة الأمريكي-الإيراني، ومليشيات علي السيستاني الملقب بعلي الشيش. وإلى جوارها هناك بعض الشخصيات السنية الهزلية، من ذوي النفوس
الضعيفة الساعية للمجد والثراء الشخصي. وعلى جانبهم الأيمن يوجد انتخابات عائلية في إقليمي الطالباني والبرزاني لا أكثر ولا أقل.
هذه هي الانتخابات الرابعة منذ سقوط نظام صدام حسين الإجرامي، وكثيرون يصفونها بالديمقراطية المشوهة وهي حقآ كذلك، بسبب سيطرة الأحزاب الشيعية الطائفية عليها، والتدخلات الأجنبية وخاصة ايران الخمينية، وتركيا الأردوغانية، وفساد النخبة السياسية العراقية، وتفرد الشيعة بالحكم، وتحول العراق إلى محافظة ايرانية بكل معنى الكلمة، وإنشاء دولة المليشيات بقرار من المرجعية العليا، قدس سره علي الشيش صاحب دخل سنوي يفوق دخل تجار الأفيون والحشيش.
الأميركيون ظنوا أن النظام الذي صمموه في العراق (البرلماني الفيدرالي) سيكون قادرآ على إستيعاب جميع العراقيين بإختلاف قومياتهم ولغاتهم وأديانهم ومذاهبهم، وهذا كفيل في منع نشوء سلطة الفرد الواحد. لكن هذا النظام للأسف أفشل، بسبب شهوة الطرف الشيعي العراقي الجامحة في السيطرة على كل شيئ وإقصاء الأخرين أي الكرد والسنة، والعمل بعقلية المنتقم من هذين المكونين! وعاد حكم الفرد الواحد الى العراق من جديد، وخير دليل على ذلك حكم الصدام الشيعي- نوري المالكي.
السؤال هنا: ما جدوى الإنتخابات، إذا كان القرار في القضايا المصيرية والمفصلية المتعلقة بمستقبل العراق، بيد المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني؟ الذي يحج اليه كل السياسيين العراقيين الشيعة، قبل الإنتخابات وما بعدها، لينالوا رضاه. وهو الذي
أفتى بإنشاء مليشيات الحشد الشعبي الطائفية، دون الرجوع للحكومة ورئيسها، أو لرئيس الدولة والبرلمان نهائيآ؟
كيف يستقيم هذا مع الكلام عن الديمقراطية وحكم المؤسسات في العراق؟ ثم هل هناك نص في الدستور، يمنح المرجع الشيعي أيآ كان موقعه، هذا الحق وهذ الصلاحيات؟؟
ماذا فعل البرلمان العراقي للمواطنين العراقيين بكردهم وعربهم خلال الفترة الماضية؟ سوى تغطية السرقات المنظمة، من قبل قادة وزعماء الأحزاب والقوى المنضوية تحت قبة البرلمان، وتعديهم على القانون والدستور؟؟!!
هل قام بمحاسبة المسؤولين عن هزيمة القوات العراقية أمام تنظيم داعش الإرهابي في الموصل قبل عدة سنوات؟ أبدآ.
هل استطاع تحديد المسؤولين عن ضياع 400 مليار دولار، وتقديمهم للمحاكمة؟ قطعآ لا. ثم ما الفائدة من البرلمان، إذا كانت الدول الإخرى مثل إيران، هي التي تقوم بتعين رئيس الوزراء الشيعي، كما كان الحال مع نوري الهالكي، رغم فوز قائمة اياد العلاوي في الإنتخابات بأكثرية الأصوات!!!
وما قيمة البرلمان إذا كان تحول الى مجمع للإمين والجهلة والنساء العاهرات من زمان صدام، وحسينية يصلي فيه أصحابي العمائم السوداء؟؟
وفيما يخص بالتمثيل الكردي في البرلمان “العراقي”، حسب قناعتي الشخصية، لا يوجد تمثيل للشعب الكردي فيه، وإنما هناك تمثيل لعائلة البرزاني والطالباني وأذنابهم، وكل طرف يسعى لتحقيق مكاسب لنفسه، على حساب مصالح الشعب الكردي.
أما على الصعيد الإنتخابات ضمن حدود ما تبقى من أراضي جنوب كردستان، فلا أظن هناك فائدة من إجراء أي انتخابات برلمانية أو رئاسية، في ظل سيطرة المافيا البرزانية والطالبانية على القوى العسكرية والأمنية والمصادر المالية، وقطاع الإعلام بشكل شبه تام.
ألم تفوذ حركة التغير في الإنتخابات الماضية بالمركز الثاني، بعد حصولها على خمسة وعشرين مقعدآ من مقاعد البرلمان؟ وبناءً على ذلك حصلت على منصب رئاسة برلمان الإقليم، وفق الإتفاق الثلاثي، الذي تم عقده بين كل من الإتحاد الوطني، والديمقراطي الكردستاني وحركة التغير، والذي على أثره شكلت الحكومة الحالية، برئاسة نجيرفان البرزاني. فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة الإولى، تكالب الطرفان القويان حزب البرزاني والطالباني على حركة التغير، ففرغوا محتوى الإتفاق من مضمونه، وعندما رفعت الحركة صوتها منتقدةً تصرف شركائها في الإئتلاف الحكومي، قام البرزاني بإغلاق باب البرلمان، ومنع رئيسه من دخول مدينة هولير لمدة سنتين!! وهددوا زعيم الحركة بالتصفية الجسدية، مما حدى به الى مغادرة الإقليم والتوجه لبريطانيا، للحفاظ على حياته وأمنه.
النتيجة الثانية، كانت إغتصاب مسعود البرزاني للسلطة، وإستمراره في رئاسة الإقليم رغم إنتهاء مدته الدستورية.
النتيجة الثالثة، نهب أموال النفط والغاز بشكل منظم، والدخول في علاقات مشبوه مع كل من تركيا وإيران من قبل كلا الطرفين.
النتيجة الثالثة، ضياع كركوك ومعها نصف مساحة الإقليم.
النتيجة الرابعة، إنتشار الفساد والفقر والبطالة في الإقليم، وإنعدام الخدمات الإجتماعية الأساسية.
النتيجة الخامسة، بقاء الإقليم مقسم بين ادارة السليمانية مشيخة الطالباني، وإدارة هولير مشيخة البرزاني . خلاصة القول، لا معنى للإنتخابات، ما لم تملك قوة مسلحة حقيقية على الأرض، تحميك وتحمي مصالحك، حتى لو فزت بجميع مقاعد البرلمان.
ختامآ: إن مستقبل العراق مهدد بالتشرذم والإحتراب الداخلي، ولا أرى أي مخرج له مما هو فيه الأن، دون تقسيمه لثلاثة أقاليم فدرالية، وإنهاء حكم القوى الدينية الشيعية
في بغداد، ومشاركة الكرد والسنة في صناعة القرار السياسي، الأمني والإقتصادي للبلد بشكل حقيقي وفعال.
أما بالنسبة لإقليم جنوب كردستان، لن يتغير شيئ على الأرض نهائيآ، ما دام عائلتا الطالباني والبرزاني موجدتان في سدة الحكم. وأي كلام غير ذلك، هو مجرد كلام أغاني وأماني.
03 – 05 – 2018