الرحالة بدل رفو يتحدث عن أدب الرحلات ويحكي عن رحلاته
احتضن فناء المركز الثقافي بشفشاون يوم الجمعة الرابع من ماي الجاري لقاء مع الرحالة والمترجم والشاعر العراقي الكوردي بدل رفو، وهو لقاء يندرج في إطار مد الجسور بين الأدباء والفنانين والمثقفين من مختلف القارات، وكذا في إطار انفتاح مدينة شفشاون على ثقافات وشخصيات وآفاق أخرى ، وهو المسعى الذي يهدف إليه منتدى الحوار للفنون والثقافات، الجهة المنظمة لهذا اللقاء بشراكة مع مؤسسة محمد حقون لذاكرة شفشاون والمركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة المغربية.
اللقاء كان مناسبة تجدد فيها تواصل الجمهور الشفشاوني بمختلف أطيافه مع بدل رفو بعد لقاء السنة الفارطة الذي خلف صدى محمودا وواسعا، ويعتبر الرحالة بدل رفو مدينة شفشاون موطنا أثيرا له مثل غراتس النمساوية مقامه الحالي، و قرية الشيخ حسن الكوردية العراقية المهد الأول، و الموصل و بغداد الأرض المحتضنة لشغب وأحلام الطفولة وعنفوان الشباب، قبل الهجرة المشبعة بالحنين.
بدل رفو المفتون بالأمكنة المعطرة ببهارات الثقافات، والمسقية بأبخرة عادات وتقاليد وأساطير الشعوب، والمسكون بسحر الجغرافيا وتلون تضاريسها و اختلاف طبيعتها، وعبق التاريخ وترسباته وامتداداته، حكى في تلك الأمسية عن ما شاهده وسمعه وعاشه واختبره في رحلاته عبر العالم، وروى طرائف ووقائع وعبر احتفظت بها ذاكرته الخصبة من هذه الرحلات لبلاد العرب والعجم، منها مصر والمغرب والهند والمكسيك وداغستان وتوسكانا الإيطالية وباريس، ويوغسلافيا ماقبل انهيار جدار برلين، وسويسرا إلخ.
لقد أتحف بدل رفو الجمهور الحاضر بقصص غريبة و شيقة مثل:
-حكاية ملثمي الليل أو “اللصوص القوميين” بجنوب المغرب الذين هجموا على الرحالة وصاحبه، إذ بعدما نهض الرحالة واقفا من خيمته ولهج بأنه عراقي اعتذروا له بعدما كانوا يطلبون “الفلوس”.
-صعود جبل بالمكسيك للتحقق من نبوءة نهاية العالم عند المايا في 21 ديسمبر 2012 التي لم تقع.
– التواضع الملفت لمحافظ المدينة المقدسة جولولا بالمكسيك الذي دوخ الرحالة عند دعوته لزيارته واستقبله بلباس عادي؛ واعتقد الرحالة أن المستقبل أحد من خدم المحافظ.
– طقس ذبيحة الخروف على شرف الرحالة الضيف و تقديم طبق لحم الدجاج له في العشاء بداغستان.
-سكان القبور في القاهرة الذين زارهم الرحالة وتأكد عند حديثة مع بعضهم من جنون ارتباط المصري بمصر وحبه الذي يصل حد التفاني.
– مفارقة النظافة العجيبة لأطفال الهند في الأحياء المهمشة القليلة النظافة التي زارها الرحالة…
ولم تكن الأمسية الرائعة مع بدل رفو والتي أطرها الشاعر والصحفي عبدالجواد الخنيفي، قطعة من ليالي ألف ليلية وليلية فقط، بل كانت أيضا درسا مستقصيا و مفيدا قدمه الرحالة عن أدب الرحلات وفنون الرحلة و موضوعاتها، والتي ذكر منها القرآن الكريم رحلة قريش في الشتاء والصيف، وتلتها رحلات عديدة عبر العصور والحقب اشتهرت منها رحلة ابن بطوطة عبر الأمصار، ثم رحلة رفاعة الطهطاوي لباريس، لذلك فبدل رفو يقتفي أثر السابقين و يمكن عده امتدادا معاصرا لتراث الرحالين والمغامرين من العرب، وكذا العجم، وتتعدد طرق رحلاته ووسائلها من ركوب السيارة والحافلة والقطار، إلى امتطاء الباخرة، ثم المشي على الأقدام حسب الظروف، وتبقى الطائرة الوسيلة التي لا يلجأ إليها إلا اضطرارا لأن الطريق التي يسلكها الرحالة نحو الدول والمناطق والمدن، حسب بدل رفو، هي ركن أساسي في الرحلة؛ فيها الكثير من المتعة للجوارح والتهييء النفسي والمتعة للرحالة لاتقل عن متعة المقام في الديار.
في هذا اللقاء حضرت شفشاون بقوة سواء لدى بدل أو في نقاش الجمهور، ذلك لأن الرحالة لم يستهوه و يأخذ بلبه مكان آخر كشفشاون التي أصبحت بالنسبة إليه وطنا ثانيا و دفئا عائليا وحضنا إنسانيا، فهو يتكلم لغتها الدارجة و يرتوي بزلال مائها ويستلذ بطيب طعامها وينتعش بصفاء هوائها ويسعد برفقة أبنائها من شعراء وفنانين وأدباء وبسطاء، واكتسب فيها أصدقاء أوفياء.
شفشاون تمنح شهادة المواطنة الفخرية للرحالة بدل رفو
شفشاون مدينة البياض رمز النقاء والصفاء، وفية لأصدقائها، محبة لمن يسدي لها أية خدمة من عشاقها، وبدل رفو واحد من هؤلاء الأصدقاء والعشاق، أبى رئيس بلديتها المهندس محمد السفياني الذي حضر إلى جانبه نائبه حسن الدحمان، و ثلة من الفنانين والشعراء والأدباء والفاعلين الجمعويين والإعلاميين من نساء ورجال المدينة، إلا أن يوشح الرحالة بدل رفو العراقي الكوردي بشهادة المواطنة الفخرية تقديرا واعترافا بالأعمال الشعرية والفنية التي خطتها ريشته وأبدعتها صوره عن مدينة شفشاون المغربية الأندلسية المنزوية بين جبال الريف.
هذا التوشيح يعكس كذلك إرادة المدينة الراسخة منذ القدم في استضافة الغرباء وفي الاحتفاء بالتعدد الثقافي والتنوع الإثني… المنصهرين في بوتقة وحدة إنسانية ثرية وغنية تزيد الوطن الأم إشعاعا وتوهجا في العالم.
وفي نفس الجو الاحتفالي التكريمي للرحالة والمترجم والشاعر بدل، قدمت للمحتفى به هدايا من طرف الفنان التشكيلي عبدالمجيد أزراف، والفنانة التشكيلية نزيهة البشير العلمي، والأديب محمد بنخو، وشهادة تقديرية من طرف منتدي الحوار للفنون والثقافات قدمها لبدل شاعر المدينة عبدالكريم الطبال.
توقيع كتاب ًرقصة الشعرً
الكتاب يحتوي على مختارات من الشعر النمساوي لثمانية وعشرين شاعرا و إثنتي عشرة شاعرة أبدعوا على امتداد القرنين العشرين والواحد والعشرين، الكتاب ترجمه وأعده المترجم والشاعر بدل رفو الذي له باع طويل في ترجمة الشعر الألماني إلى الكوردية والعربية والشعر الكوردي إلى العربية، حيث إن في جعبته الآن ما يناهز خمسة عشر كتابا شعريا، وهو بهذا يساهم في إثراء المكتبة الأدبية العربية والكوردية، وفيما يلي نورد مقتطفات من بعض المختارات الشعرية التي يزخر بها كتاب ًرقصة الشعرً الذي وقعه المترجم في نهاية اللقاء/الحفل التكريمي الذي نظم على شرفه:
الرضى
نحن نسافر
فلسنا على عجلة
والسرعة
نحن الذين نحددها…
وما السعادة إلا
قبلة تداوي الليل.
إدوارد ف.اورتنر
الديموقراطية
الديموقراطية
آراؤنا
تفرقت
كأصدقاء.
ارنست واندل
التحول
ما دمت كنت هنا
فالشيء الوحيد
الذي ينقصني هو الحرية
والآن أنت راحل
لي حريتي
والشيء الوحيد الذي ينقصني
هذه المرة
هو انت.
أندريا سايلر
أشياء كثيرة
أشياء كثيرة
جمعتها في حياتي
الكلمات، الصور، النباتات الشائكة
والأحجار…
الأصداف، الأعواد وحافظات البذور…
قطع الزجاج والمرارات…
السكوت…
وإحدى الأشياء أحببت أن
أحميها…
طيبة الناس المفرطة!.
كريستينا بوسطا
خيمة بدل لا زالت هنا على مرتفع سيدي عبدالحميد تنتظر عودة السنونو الذي أدمن الرحيل من أرض إلى أخرى بكر ومن أفق إلى آخر جديد، وبين السفر والكتابة تظل ثلاث غاويات تتعرشن بشرايين الروح: بلاد الكورد بالعراق، غراتس وشفشاون، ويظل البحث عن الإنسان والسلام قائما ما دامت نذر التتار والمغول الجدد تدق نواقيسها في كل حين.
عبدالحي مفتاح