ذكر موقع “درج ميديا” ان جوهر خطاب التيار السلفي الكوردي بدأ ينحدر في الآونة الأخيرة إلى ما كان يحذر منه طوال سنوات، وذلك مع احتدام الخلاف بين أجنحته المتناحرة على خلفية موالاة رموز ودعاة يتصدرون “مشهد الدعوة”.
وأوضح الموقع المعني بشؤون الشرق الأوسط، في تقرير له أمس الأحد، 8 تموز 2018، ان تاريخ نشوء تيار “السلفية العلمية” في إقليم كوردستان يعود إلى منتصف الثمانينات، عن طريق السعودية التي كانت تساند بغداد في حربها مع طهران، حيث تأسست في السليمانية أول مدرسة باسم “عمر بن الخطاب السلفية” وتحديدا في مسجد “الإيمان” وعلى تلة تاريخية اسمها “مامه ياره”، بقيادة الملا عمر السلفي الذي تخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة.
وأضاف التقرير ان” النظام السابق كان يتغاضى عن انتشار هذا التيار الآتي من السعودية تارة، ويضيق عليه تارة أخرى، بحسب العلاقة مع الرياض من جهة، وشكاوى وتحذيرات الشخصيات الدينية والاجتماعية الكوردية النافذة، المناوئة لنهج السلفية والتي كانت لا تنسجم مع الإسلام الكوردي التقليدي الموالي للطرق الصوفية، من جهة أخرى”.
وتابع أنه “بعد الانتفاضة الشعبية وخروج المحافظات الكوردية من قبضة النظام البعثي عام 1991، انطلق ربيع الإسلاميين الكورد في ظل ما عرف بالصحوة الإسلامية، ومن ضمنها السلفيون الذين استغلوا الفرصة لتوسيع نشاطاتهم، بعد أن فتحت لهم أبواب التواصل مع الدعوة الأم في أرض الحرمين، بعيداً من أعين رجال الأمن والمخابرات العراقية”.
وأردف الموقع بالقول أنه ” وعلى عكس أقرانهم من السلفية الجهادية والإسلاميين الحركيين، الذين ركزوا على العمل السياسي ومواجهة التغريب والعلمانية، ركز السلفيون الكورد جل طاقاتهم في محاربة الحزبية، والتحذير من الانخراط في السياسة، إلى جانب تركيزهم على مواجهة البدعة ومظاهر الشرك وفق أدبيات هذا التيار الذي يفضل اسم الدعوة على ما سواها من المسميات الأخرى كالجماعة والحركة”.
وأشار إلى ان النسخة السعودية من السلفية توسعت من أقصى شمال كوردستان في دهوك إلى أقصى جنوبه كرميان، وتصدر صفوفها دعاة ورموز تجاوزوا الجغرافيا الكوردية، أشهرهم حمدي عبد المجيد السلفي، الذي ذاع صيته كمحقق ومؤلف لكتب الحديث وأسانيد الرجال، وكانت له حظوة في الخليج، بسبب تتلمذه على يد القطب السلفي الشهير محمد ناصر الدين الألباني، منتصف القرن الماضي.
وبين أنه في بدايات القرن الحادي والعشرين تراجعت الصحوة الإسلامية الكوردية، لأسباب عدة بينها: تداعيات أحداث 11 أيلول 2001، والاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، وهيمنة الأحزاب العلمانية على السلطة في كوردستان، وتشرذم الأحزاب الإسلامية وانشقاقها إلى أجنحة متناحرة، وتوقف المد السلفي عن التوسع مع توقف “الصحوة”، لفقدان الدعامة التي كان يستند إليها والمتمثلة بـ”ضرورة مواجهة الإسلام الحركي”.
وتابع ان هذا الجمود الذي أصاب الدعوة السلفية، فتح عليها أبواب الصراعات الداخلية، في ظل انشطار أجنحة جماعة الأم في السعودية إلى أجنحة “المدخلية” و”الصحوة”، وأتباع المشايخ القدامى التقليديين في السعودية وما يطلق عليهم “كبار العلماء”، حيث تمكن جناح “المدخلية” من ترجيح الكفة لصالحه في الوسط السلفي الكوردي، نظرا إلى مكانته في السعودية وتواصل “ربيع بن هادي المدخلي” نفسه ومساعديه، مع أقطاب السلفية الكوردية، ومتابعة أحوالهم عبر لقاءات وزيارات نظمت، على هامش رحلات الحج والعمرة.
كما ان سيطرة “التيار المدخلي” في كوردستان، لم يمكنه من توحيد السلفيين الكورد ضمن إطار تنظيمي جامع، حيث انقسموا إلى أقطاب ورموز ومشايخ محليين بشكل حاد، وتخلل ذلك تبادل اتهامات كشفت التناحر في كوردستان، ما دفع كثيرين إلى القول إن الدعوة في هذه البقعة، بقيت كـ “اسم براق” لدى الموالين لها، إلا أنها تأبى الاجتماع في إطار جامع، وحتى الاتفاق على مشتركات للعمل، إذ يقاطع عدد كبير من دعاتها، القناة الفضائية الوحيدة السلفية باللغة الكوردية “النصيحة”، ويحذرون من صرف الزكاة عليها، بحجة التعارض مع الشريعة، وغموض التمويل، والانحراف عن تفاهمات التأسيس.
إضافة إلى ان انشغال جناحي السلفية في السليمانية التي تعد عاصمة للثقافة الكوردية، بكباش الأقطاب، يعقب فقدان التيار عصره الذهبي حينما كان يمتلك همزة وصل قوية مع امتداداته في مدينة دهوك ومنطقة بهدينان، تمثلت بكلية الشريعة، التي كانت تمول من السعودية، قبل أن تقدم حكومة الإقليم على إغلاقها بحجة “السير في الاتجاه الخاطئ ومعاداتها لوسطية الإسلام” قبل سنوات، وبتغييبها عن المشهد، ورحيل الداعمين لها أمثال “حمدي السلفي” و”علي بن نبي”، واختفاء معظم أساتذتها وانخراطهم في التعليم الأكاديمي الحكومي، فقد السلفيون في المنطقتين الكورديتين “سوران وبهدينان” أواصر التواصل، ورسخت هذه القطيعة الانقسامات السياسية والثقافية واللغوية التي تتحكم أساسا بعلاقة هاتين المقاطعتين، وأدت هذه القطيعة إلى مزيد من التشرذم في صفوف السلفية الكوردية، في ظل تمسكها برفض وتحريم إقامة روابط تنظيمية أو أحزاب وتجمعات عصرية، على شاكلة الأحزاب الإسلامية أو العلمانية.
وختم الموقع تقريره بالقول إن “انسحاب شيخ جامع بهشت ومدير قناة النصيحة عبداللطيف أحمد، من التيار المدخلي، وإعلانه الولاء لخط مشايخ السلفية التقليديين قبل فترة، زاد من المشاحنات السلفية البينية الكوردية وفتح جبهة جديدة، وهي ترجمة مناكفات السلفيين في البلد الأم السعودية في الساحة الكوردية، في ظل معاناة سلفية مزمنة من هشاشة التنظيم والهيكلية، فضلاً عن التراجع تحت تأثيرات الحداثة والمد القوي للثقافة الغربية”.