ما يسمى ب”دولة”- جوتيار تمر/ كوردستان

 

 

يختلف مفهوم الدولة عن الحكومة في جزئيات بسيطة، فعلى الرغم من كونهما مترادفان في احيان كثيرة الا ان  مفهوم الدولة يعد اكثر اتساعاً من الحكومة، فالدولة وبحسب اراء المختصين كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل اعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وذلك ما يفرض واقعاً حتمياً بكون الحكومة هي ليست الا جزء من الدولة، فالحكومة بتركيبتها ليست الا وسيلة او الالية التي تؤدي الدولة من خلالها سلطاتها، ومما لاشك فيه من المفترض ان تكون الدولة اكثر ديمومة مقارنة بالحكومات التي هي بطبيعة عملها مؤقتة، وبالتالي فان الحكومات هي في الاصل الوسيلة التي تحقق الدول غاياتها من خلالها، الا في حالات شاذة ونادرة حيث تحقق الحكومات غاياتها من خلال استغلال اسم الدولة لاسيما تلك الحكومات التي تعتمد النهج الطائفي والمذهبي والقومي القبلي المتعصب في سيرورة امور الدولة، وهذا ما يحدث بالضبط في اغلب الدول التي لاتتبنى النهج الديمقراطي لاسيما دول الشرق الاوسط وبعض الدول الاخرى في اوربا الشرقية وافريقيا واسيا وامريكا اللاتينية، وذلك ما يفرض واقعاً غير مستقراً وفوضوياً تتحكم فيه الايديولوجيات المتعفنة الدموية الساعية لتحقيق كل غاياتها دون ان يوقفها وحشية الوسائل التي تتبعها.

ووفقاً لمفهوم اللااستقرار يستمر الحراك الشعبي اللامنظم ظاهرياً والموجه باطنياً في اغلب المناطق الشرق اوسطية،ولم يعد خافياً على متتبع للوضع السياسي في هذه المناطق ان الاجندات التي تتحكم بالموارد الاقتصادية لهذه الدول هي نفسها التي تتحكم بالرؤية السياسية والتوجه السياسي لها ايضاً، ناهيك عن كونها هي التي تدير الدفة وتحدد اتجاها فمصالحها هي البوصلة وهي فوق كل اعتبارات سواء أكانت سيادية، او طائفية، او حتى حدودية وقومية.

ما يجري الان في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن وحتى في ليبيا ليس الا نتاج طبيعي للرؤية التي رسمتها المنظومة المصلحوية على المستويين الاقليمي والدولي تلك المنظومة التي دائما ما تتحفنا بالجديد المثير في خططها وتوجهاتها بحيث تأتي في الغالب عكس المتوقع، وعكس التيار السائد، فحتى التحالفات لديها ليست الا ممراً لتحقيق ما تريد، وهي بلاشك ليست مقدسة يمكنها التخلي عن من تشاء وقت ماتشاء وحسب مصلحتها الاسمى، ففي كوردستان العراق مثلاً تم التخلي عن اكبر حليف لها البيشمركة حين اصبحوا بقادتهم خارج المسار المصلحوي، وفي سوريا تكررت عمليات التخلي عنهم وعن مدنهم حين لم تتوافق توجهاتهم مع توجهات حلفاء اكثر تأثيراً من الناحية الاقتصادية والسلطوية، وكذا الحال في اغلب المناطق والدول ليس على مستوى الشرق الاوسط فحسب بل على المستوى الدولي.

لايختلف اثنان ” واعيان” على ان هذه السياسة المصلحوية ادت الى شيوع الفوضى في اغلب الدول الشرق اوسطية، تلك الفوضى التي تتحكم بها اجندات خارجية من جهة، واخرى داخلية حزبية تابعة لتلك الاجندات، بحيث اصبحت البلاد مجرد ساحة للعب تلك الاجندات واحزابها الموالية لها، دون الاخد باية اعتبارات وطنية وسيادية، فلاشيء يمكنه ان يقف امام الغاية الاسمى لها، ولايهم الوسائل والضحايا طالما ان النتيجة هي التحكم وادارة الامور وفق نهجها، اما الفوضى وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية وفقدان السيادة الوطنية فكلها امور لاتدخل ضمن جغرافية الاهتمام لتلك الاجندات المصلحوية.

ان ما يحدث الان في العراق خير انموذج على تلك الحالة، فالسيادة التي من المفروض ان تكون بيد الحكومة هي الان بيد الاحزاب، والحكومة التي من المفترض انها مستقلة وذات سيادة وطنية، هي ليست الا لعبة بيد الاجندات الخارجية لاسيما امريكا التي تحاول فرض رؤيتها السياسية للمرحلة القادمة في الشرق الاوسط في حين ان ايران وتركيا من جهتهما تحاولان بشتى الوسائل فرض واقعهما على العراق، وان كانت تركيا تحاول ان تتحكم باقليم كوردستان اقتصادياً، فان ايران تتحكم اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً بالعراق من وسطه لجنوبه، وهذا التحكم لم يأتي عبر وجود قاداتها وقواتها العسكرية في العراق فحسب بل تعدت ذلك الى خلق ميلشيات تنتمي بولائها التام لها وعلى الرغم من محاولة هذه الميلشيات الظهور بصبغة وطنية عراقية الا انها لايمكنها ان تخفي ولائها الاعمى لاصحاب العمامات في ايران وذلك ما نتج عنه انفلات السيادة الوطنية وانفلات الامن والسلام في اغلب المدن العراقية التابعة للحكومة المركزية، ناهيك ان تلك الميلشيات في صراع وتنافس مستمر مع الحكومة لتحقيق مكساب اكبر ولو على حساب الشعب وامنه، فلايستبعد ان تتنافس الميلشيات والحكومة في السيطرة على المدن الجنوبية وسحب قواتها من الاماكن التي مازالت مهددة من قبل تنظيم الدولة داعش.

لااريد الخوض في المعيات بصورة اعمق لاني اعلم بان هناك من سيرى في كلامي عنصرياً وسياتي على ذكر الاقليم والازمة الاقتصادية التي يعيشها الاقليم، وبدون اية مقارنات اريد ان اوضح ان الفوضى التي تعم العراق الان والتي ادت قيام الشعب بقطع الطرق الرئيسية بين البصرة وغيرها من المدن وحتى المعابر الدولية، وكذلك التي ادت الى سيطرة الشعب على احدى المطارات الفعالة كمطار النجف وما يحدث في ميسان والديوانية وغيرها من المدن العراقية الواقعة تحت سلطة الحكومة المركزية لايمكنها ان تكون من باب الصدفة والعبث، انما هي ضمن رؤية ممنهجة وواقعية تديرها منظومة متكونة من احزاب داخلية تابعة لاجندات خارجية وتلك الاجندات نفسها هي قائمة باعمال المنظومة المصلحوية العليا التي لايمكنها السكوت على الانتهاكات التي تحصل للمواطنين اثناء تفريق وصد المظاهرات الا اذا كانت ترى بان ما يجري ليس الا ممر لتحقيق مصالحها الفوقية.

ومن هنا يأتي التساؤل السامي الذي بدأ يتسرب الى عقول الواعين في الدولة التي تسمى العراق، لااقول ذلك من باب الاستهزاء انما من باب الواقع، لانها في صورتها الحالية ليست بدولة انما هي مجرد ساحة لعب محلية للاحزاب المتصارعة للوصول الى سدة الحكم” اشبه بالانقلاب العسكري”، وللاجندات الخارجية المتمثلة اولا بالمذهبية والطائفية، ومن ثم بالصراع الاقليمي الاقتصادي، ومن ثم بالمصلحة العامة للمنظومة العليا الكبري، واخيراً بدولة ميليشيات يتحكم بها اشخاص اصحاب نفوذ ديني لا اكثر، لا خبرة لهم سياسياً ولا علاقات دولية لهم، يمكنهم الاستناد عليها في رسم ملامح السلطة والدولة، انما فقط لديهم الخبرة في قتل الشعب واثارة الفوضى والانفلات السياسي والعسكري والتحكم بالموارد الاقتصادية، وتحقيق رغبات المذهب الذي ينتمون اليه، واعتقد بانه سيوافقني الكثيرين بان هكذا وضع داخل رقعة حغرافية لايمكن ان يطلق على تلك الجغرافية بدولة، وبعيداً عن النعرات التي تأتي لتحفر في التاريخ والشعارات القائلة بان الوطن سينتصر والى غير ذلك من الشعارات التي لم تعد تؤتي ثمارها على ارض الواقع فالوطن اصبح مجرد هيكل عظمي، حيث اقتطع كل حزب جزء منه، وباعه للذي يدفع اكثر، والسيادة اصبحت بدون قيمة وبدون وصاية وبدون وجود فتركيا تدخل متى ما تشاء، حيث سابقاً كان الجميع يتهم الاقليم بانه متحالف مع تركيا، ولكن الان وبحسب توجهات سياسة بغداد وباتفاقيات معلنة تركيا تدخل، وايران لاتدخل فحسب بل تقود الجبهات، وتعطي الاوامر، ناهيك عن امريكا وغيرها من الدول التي تتحكم بكل موارد العراق.. فياترى هل توجد دولة تسمى العراق، ام ان الخيال وحده هو الذي يرسم جغرافية دولة تسمى العراق، والاماني