مع تقدیری لهذا التحلیل المنطقی فی النظر إلی المشاكل المعقدة بین الكورد ومحتلی كوردستان أفضل تسمیتها بنظریة الثلاثیات ولیس المثلثات، فلیست المسافات والأبعاد بین الزوایا هی السبب فی تعقیدات الثلاثیات وعدم إمكانیة تطبیقها، بل قد یكون تآلفها وتكاتفها وتكاملها أو تعاضدها وتفاعلها مع بعضها هی التی تعقدها وتجعلها صعبة الحل والتطبیق. قد یكمن سبب إختیاری لهذا المصطلح فی خلفیتی المهنیة كطبیب إخصائی فی الصحة النفسیة للطفل أو تعلقی بالشعر والأدب أكثر من الریاضیات و السیاسة، ولكننی أرحب بجمیع وجهات النظر حول هذا الموضوع المعقد وأقدر كل المحاولات التی ترنو إلی دراسة الموضوع من كافة الزوایا وبمختلف نماذج التفسیر والتحلیل العلمی لكونها تمثل العوائق الأساسیة أمام تطور مجتمعنا وتشمل أسباب بقائه فی عصر الأسطورة معیشة” وفكرا” وسیاسة”.
و بما أن المۆلف یقر فی مقالته بعدم واقعیة مثلث التوافق و التوازن و الشراكة، فمن الأفضل أن نلجأ إلی إختیار الظاهرة كثلاثی متلازم له تأثیر سلبی علی الكورد وكوردستان ولیس كمثلث ذو أبعاد متساویة. وأود هنا أن أضیف مجموعة أخری من الثلاثیات التی لها تأثیرات كبیرة علی الكورد و كوردستان علینا العمل علی التعرف علیها وتشخیص مركباتها وتأثیراتها لكی نعمل علی إصلاح مسارها و تصحیح الخطإ فیها من أجل مصلحة الكورد وكوردستان:
١– الخائات الثلاث (الخوف والخجل والخطیئة) التی تكون أهم أركان تربیة الطفل فی المجتمع الكوردستانی. فجمیعها أسس هدامة تۆدی إلی تأسیس الشخصیة الضعیفة التی تسود فی مجتمعنا. كل من هذه الأحاسیس النفسیة تسبب فی وضع خلل فی القاعدة الأساسیة للقیم والأخلاق التی یتم بناء شخصیة الفرد علیها عند البلوغ. فالخوف یولد شخصیة خائفة تستعمل الخوف والتخویف فی المعاملة مع الآخرین. والخجل یۆدی إلی سهولة التجریح والشعور باللاقیمة وعدم الثقة بالنفس أو بالآخرین أو بالمستقبل، خاصة فیما یتعلق بالأنثی. أما الخطیئة فتكون فی النفس شعورا” عمیقا” بالذنب والفشل والخطیئة فی جمیع الأمور دینیة كانت أم دنیویة فیعیش الشخص لما بعد الموت ولا یناضل من أجل العیش والتمتع بالحیاة. عندما تجتمع هذه الأركان الثلاث معا” فی تربیة الطفل تقوی بعضها البعض وتتداخل لكی تكون الشخصیة الضعیفة التی تجدها بمستویات مختلفة لدی أی شخص بالغ تربی فی المجتمع الكوردستانی. إنها تلك الشخصیة التی تتقبل الذل والخذلان من الأجانب والإحتلال وتصیب بجروح عمیقة عندما تتعرض للنقد من الأهل والأحباء. وهی الشخصیة المتهیئة للإستسلام لمۆامرات الغرباء وتشم رائحة العداوة من كل ما یفعله الأقرباء ولاتستطیع تمییز الأعداء من الأصدقاء. وهی تلك الشخصیة التی تهیۆنا للتقدیس لكی نصبح عرضة للكوارث والنكبات الواحدة تلو الأخری دون أن نتعض وجعلت منا أكبر قومیة فی العالم لاتتمتع بدولتها الخاصة بل ولازالت تترنح تحت عبء إحتلال غاشم یتكون من سلطات فاشیة لأكبر قومیات ناهضة فی الشرق الأوسط وهی التركیة و العربیة والفارسیة.
٢– القومیات الثلاث التی لازالت سلطاتها الفاشیة تحتل كوردستان وهی من أكبر القومیات الناهضة فی الشرق الأوسط تقسم كوردستان فیما بینها منذ أن أتت إلیها بصفة الإحتلال: القومیة التوركیة فی القسم الشمالی من كوردستان والقومیة الفارسیة فی قسمها الشرقی والقومیة العربیة فی قسمیها الجنوبی والغربی. ولازالت هذه القومیات تعیش فی معمعة البحث عن ذاتها وتوحید قواها لكی تعید أمجادها علی حساب الكورد. وقد طالت هذه المعمعة القومیة فی كل من هذه القومیات بسبب عدم قابلیتها علی حل المشكلة الكوردیة فی بلادها، فهی لاتستطیع الإعتراف بحقوق الأكراد كأقلیة فی أی بلد من هذه البلدان نظرا” لخوفها من إستغلال جیرانها لأكرداها وإستعمالهم كأداة إبتزاز عندما یطالب الكورد بحقوقها القومیة والسیاسیة ولا تكتفی بحریات ثقافیة وإنسانیة فقط.
٣– ثلاثیة الحدود التی تقسم كوردستان بین القومیات الثلاث المحتلة لكوردستان وهی توركیا وإیران والعراق. فهی منطقة جبلیة وعرة طالما تعاركت علیها السلطات المحتلة لكوردستان فی أقسامها الشمالیة فی توركیا والشرقیة فی إیران والجنوبیة فی العراق دون أن تستطیع السیطرة علیها بصورة كاملة حیث لجأت إلیها قوات الحركة التحرریة المسلحة فی كوردستان طلبا للحمایة فی جبالها وودیانها وكهوفها كلما ضاق علیها الخناق قبل أن ینتهی بها الأمر إلی الإستسلام أو أن تضع أوزارها بصورة مۆقتة لكی تعید المقاومة المسلحة من جدید فی مناطق أخری من كوردستان عندما تتهیأ الظروف لذلك. فهی المنطقة التی تصبح الملجأ الأخیر للحركات التحرریة المسلحة فی كوردستان قبل أن تحول مسارها فی معظم الأحیان من الكفاح المسلح نحو النضال السری أوالسلمی أوالدبلوماسی بعد أن تضع السلاح جانبا بصورة مۆقتة.
٤- ثلاثیة القوی الكوردستانیة الپێشمه‌رگة والگریللا والمحاربون “شه‌رڤان” بین سلطات أقلیم كوردستان فی العراق و الثورة الكردیة فی توركیا و ثورة “روژئاڤا” فی سوریا، بالتعاقب. عدم قابلیة الأحزاب التی تقود هذه القوی علی التفاهم فیما بینها یجعل من هذه القوات منقسمة علی نفسها دون مبرر منطقی فتصبح علی أهبة الإستعداد للإقتتال فیما بینها كلما وقعت هذه الأحزاب فی حبال سلطات الإحتلال وتعرضت لضغوطاتها. فإن ثلاثیة هذه القوی هی التی تكون العائق الوحید فی طریق تكوین دولة كوردستان المستقلة. لأن وحدة االشعب والوطن متوفرة بطبیعتها ولكن وحدة قوی كوردستان لازالت تكون الحلم الذی لم یتحقق لحد الآن بسبب عدم الإتفاق بین الأحزاب المسیطرة علی هذه القوی الثلاث. وهذه الأحزاب تعیش وتنمو فی فخ سلطات الإحتلال فی كل من توركیا وإیران وعراق وسوریا، تلك السلطات التی دائما” توحد جهودها ضد الكورد رغم خلافاتها العمیقة فیما بینها.
٥- ثلاثیة وحدة شعب وأرض و قوی كوردستان متلازمة ضروریة لتحقیق الإسقلال. دون تحول هذه الثلاثیة إلی وحدة متكاملة لایمكن للأكراد أن یتمتعوا بحقوقهم مهما حاولوا ضمن الدول المحتلة لكوردستان وتحت حكم سلطاتها. وبالرغم من وحدة شعب كوردستان و نضاله المستدیم فی كافة أجزائه من أجل الحصول علی دولته المستقلة، وكذلك بالرغم من وحدة أرضه المتواصلة المترابطة والتی تتسم بصفات جیوتوپوگرافیة متمیزة عن محیطها، فقد باءت جمیع محاولاته للحصول علی حقوقه المشروعة بالفشل. وسبب ذلك یعود إلی فشل سیاسات الأحزاب السائدة فی كوردستان التی تمخضت من الكفاح المسلح والغیر قابلة علی قیادة أو إدارة سلطات معاصرة نحو التطور والتمدن.
هذه بعض الأمثلة علی الثلاثیات المتحكمة بأوضاع ومصیر الكورد وكوردستان أضفتها علی المثلث الصعب الذی وصفه السید “كوڤلی” حول علاقة الأقلیم ببغداد. و هنالك الكثیر من الثلاثیات التی لم نذكرها هنا لضیق المجال أو لعدم إكتشافها لحد الآن. فحبذا لو أضیفت إلیها أمثلة أخری عسی أن یكون هنالك إستمرار فی تحلیل هذه النظریة ووضعها تحت البحث والتنقیب من أجل وحدة ثلاثیة أرض وشعب و قوی كوردستان فی طریق ثلاثیة السلم والحریة والإستقلال دون إنفصال.
