لاشك بأن المرحلة الاتية تتضمن مراحل متعدد في مقدمتها إعلان النتائج وبعدها الحراك السياسي الاساسي بين الكتل وهي مستمرة منذ فترة ليست بالقصيرة ولكن لم تبلغ الاتفاق و لم تتبلور إلى مرحلة التحالفات الرسمية التي تؤهلها لتشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان وتشكيل الحكومة بعدها والتي عليها اعداد السبل الكفيلة للبحث عن آلية استيعاب الجماهير الغاضبة وتحقيق مطالبهم المشروعة من خلال الجلوس والنظر الى سلبيات و ايجابيات السنوات الماضي لبناء المستقبل ، ومن اهمها الاستفادة من التجارب التي تؤكد بأن المشاكل لا تحل عن طريق العناد والتصلب بالمواقف وتجاهل الشركاء وعدم الاصغاء لنصائح الأصدقاء والحلفاء الحقيقيين وعلى الجميع ان يكونوا شركاء ايجابيين في هذه المرحلة و التركيز على القوى المعتدلة من كافة مكونات الشعب العراقي ليكون صوت العقل والتفاهم والحوار والحفاظ على مصالح العراق العليا ، والتحالفات لا تخرج الى الوجود بسهولة و ليست كما كانت في المراحل السابقة بوجود التظاهرات الشعبية والوعي الجماهيري التي تنظرالى جوانب المآسي العراقية التي يمكن تعدادها بالجملة والتي يختزلها سؤال في غاية البساطة: أين ذهبت الأموال التي جناها العراق من نفطه منذ العام 2003؟ كيف يمكن أن تصرف كلّ هذه الأموال من دون أن تكون على الارض نتائج ملموسة او تحقيق مكاسب في خدمة للمجتمع و ما الذي يمكن أن تؤدي إليه سنوات طويلة من المآسي المتتالية غير ذلك المشهد الذي نراه اليوم في البصرة والنجف والناصرية ومدن وبلدات أخرى في الجنوب والوسط وهي ليست مجرّد انتفاضة شعبية لفئات معينة من الشعب تبحث عن كهرباء وفرص عمل في بلد لا تزال أحواله تسير نحو الأسوأ في كلّ يوم رغم كل الخيرات والعقول الموجودة فيه وهي ليست مجرّد انتفاضة شعبية لشباب يبحث عن كهرباء وفرص بعد ان زادت المعاناة وتضاعف الهم و انعدام الامن الي غول البطالة المخيف الي تدمير البني التحتية للمدن والمصالح وغلق أبواب الرزق وارتفاع الاسعار وتفشي الامراض ؟ أيّا تكمن أبعاد التحرك الشعبي في الجنوب العراقي، وبغض النظر عمّا إذا كان عفويا بالفعل، وهو عفوي في جانب كبير منه، وبغض النظر أيضا عمّا إذا كان سيصل الزحف الحقيقي إلى بغداد وما الذي يمكن أن تؤدي إليه سنوات طويلة من حكم المحاصصة غير الوجع والمعاناة و الطرف الذي يعد العدة للمضي بتشكيل الحكومة عليه ان يكون بمستوى العطاء والتطور باستمرار والإيمان بأسس المواطنة وإجراءات واضحة تنقذ البلاد من أزماته المتكررة ويراعي الثوابت الوطنية و ضرورة إيجاد قيادة قادرة على وضع الرؤى الاستراتيجية القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى و طمس معالم الماضي المؤلمة، ومحاولة إيجاد غد مشرق للمواطنين، والسعي إلى فتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة بمفهوم الإقناع وليس بمنطق القوة، ، أن يعرف كيف يعيد ثقة المواطن بالعملية السياسية الذي بدأ يتحرك ويراقب ويعمل بحذرعلى اصلاح ذات البين والتعاون بالبر والتقوي والايفاء بالعهد واللين والتسامح وتجنب كل الأسباب التي تؤدي الي تفرقة الشعب والتكبر وتحقير الناس وايذائهم والسخرية منهم واجتناب سوء الظن ونعالج الامور بالحكمة والموعظة الحسنة و القضية الاساسية التي يجب التركيز عليها هي أن تكون الوحدة الوطنية العراقية بمستوي طموح جميع العراقيين ولجميع الاطياف لأنها تعكس أيضاً التعاون بين الجميع من أجل الحفاظ علي أمن وسلامة العراق وانقاذه من غرق المآسي والويلات و التركيز ايضاً على البرنامج الحكومي الواقعي الذي يلبي المطالب والاتفاق على ماذا برنامج عمل للسنوات الاربع القادمة وماذا سيتم الفعل عليه خاصة اننا على اعتاب انعطافات مهمة فمن يريد أن يحكم عليه أن يفهم أن المرحلة القادمة تتطلب ثوابت جديدة بعيدة عن المحاصصة والطائفية ومن اهمها الاستفادة من التجارب السابقة التي تؤكد بأن المشاكل والتوافقات غير الدستورية أحدثت ضررا بالعديد من الثوابت في هذا الوطن، ولا يمكن ان يستمر الوضع بالسياقات السابقة لأنها لم تجلب الخير للعراق .و يمكن أن ينطلق القطار من خلال وضعه على السكة الصحيحة الموصلة للأمن والبناء والعطاء والغد المشرق بالمشاركة التي تعني تتحقق الإطار الوطنى الجامع الذي يرسم حدوده وملامحه مشروع اصلاحي كنمط للحياة وللممارسة ويحفظ للدولة أسس سيادة القانون ولمختلف الأطراف المشاركة بعقلانية وشفافية بما يحقق أهداف النهضة والبناء ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وفق مؤشرات التنمية والمكانة الاجتماعية بالعدل أساس الحكم والتعاون والتراحم بين المواطنين والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة للجميع والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص والدين والأخلاق ، فيتحقق بذلك مبدأ السيادة الشعبية ويرسخ بناءاً قائماً على الانتماء والوحدة الوطنية وتعزيز الحقوق والحريات وتعظيم الطاقات والقدرات، من خلال تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية محورها بناء الإنسان اولاً وتلبية حاجاته ثانياً، والرقي بالوطن الغاية منها دولة الرخاء والرفاهية والمحورالذي يرتكز عليه في عالم آخذ في التطور والتغير السريع .
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي