بتاريخ 27/ 10 / 2018 م وبدعوة من الرئيس التركي أردوغان عقدت قمة رباعية بين الرئيس التركي أردوغان والمستشارة الألمانية ميركل والرئيس الروسي بوتين والرئيس الفرنسي ماكرون الهدف المعلن للجميع هو متابعة مسيرة السلام في سوريا ولكن بالتأكيد يختلف أهداف واجندات كل دولة عن الاخرى بشكل كامل او جزئي.
كان أردوغان على عجلة من أمره وبمجرد فض الاجتماع بساعات حتى بدأ يقصف مناطق الكورد بداية في قرى كوباني وبعدها بيوم في كري سبي وليس تصادفا ان يتزامن ذلك بمجرد انتهاء القمة وبالذكرى العالمية لمقاومة كوباني، فما هو مآل وعواقب القصف التركي الذي لا مبرر له والذي ادى الى استشهاد طفلة لا يتجاوز عمرها عشرة سنين وذلك اثناء رجوعها من المدرسة الى بيتها بالاضافة الى استشهاد عدد من المواطنين الآمنين.
الحرب النفسية التركية بكل وسائلها الاعلامية الكثيرة جار على قدم وساق ولا يتوانى اردوغان في كل يوم باطلاق تصريحات نارية تهدد وتوعد الكورد مدعيا بأن خطته باتت شاملة وكاملة بالهجوم الشامل على روزئافا مدعيا بأنه سيقضي على الهيكل الارهابي في شرق الفرات .
بالطبع استراتيجية أردوغان باتت واضحة منذ اكثر من ثلاثة سنين ونيف ألا وهو عدم السماح بانشاء اي كيان كوردي ومن اي نوع ما وحتى ان كان من نوع ادارة مناطقهم او من نوع الحكم الذاتي او الفيدرالي او المركزي او اللامركزي وهذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع اردوغان بالقصف اليومي على روزئافا وخاصة منذ انهائه للعملية السلمية ومن طرف واحد مع حزب العمال الكوردستاني في عام 2015 م.
أنا لا أعتقد بحسب الدلائل الموجودة على ما يجري على سطح الارض بأن أردوغان سيحقق مبتغاه ويهاجم هجوما شاملا على روزئافا والسبب الرئيسي هو ان الكورد باتوا من اللاعبين الاساسيين في الحرب على الارهاب وهم حلفاء امريكا والتحالف الدولي على الارهاب واردوغان يعرف جيدا الآن بأنه تجاوز الخط الاحمر الامريكي بالقصف على الحليف الكوردي ولا اعتقد مثلما ورد في وسائل التواصل الاجتماعي بأنه لولا ضوء اخضر امريكي لما قام اردوغان بالاستفزازات والقصف على روزئافا، واثبات هذا الشيء يحتاج الى أدلة دامغة، والظروف الموضوعية والذاتية لا تسمح لتركيا للقيام بما يحلو لها في المستقبل المنظور على الاقل.
أمريكا هي القوة العظميمة التي تحكم العالم ولا خجل لديها او اية مبادئ انسانية ان ارادت القيام بتأكيد عمل ما، وان كان هناك ثمة ضوء اخضر لأردوغان لما توانت امريكا لحظة واحدة بالاشارة الى ذلك بكل وضوح، ولما قالت بأنها تشعر بقلق شديد تجاه ما تقوم بها تركيا ضد حليفتها روزئافا، والاشارة الى القلق الشديد هو بمثابة الاشارة الى تجاوز تركيا الخطوط الحمراء المرسومة لها من قبل امريكا سواء أكانت عن طريق تفاهمات كتابية او شفوية.
سياسة أمريكا باتت واضحة تجاه روزئافا وتركيا ألا وهي سياسة التوازن والاحتواء بين عضو الناتو تركيا وبين الكورد في روزئافا، ولكن ما يبدو لي ومنذ سقوط المشنوق صدام حسين وحتى الآن زيادة حدة الخلافات بين تركيا وأمريكا، الى درجة تبيان أردوغان وسياسييها بالندم على عدم اشتراكها في الحرب على العراق قبيل سقوط صدام، علما بأنه يحصل احيانا تحسن العلاقات لمدة قصيرة عندما تلبي تركيا بعض المصالح الامريكية ويتراجع اردوغان عن تعنته مع أمريكا، كما هو حاصل الآن في أعقاب افراج تركيا مرغما عن القس الامريكي، علما بأن أردوغان كرر في مناسبات عديدة بأنه سوف لن يفرج عن عميل الاستخبارات الامريكي لديها طالما هو رئيس لتركيا.
تركيا وباقي الدول المحتلة لكوردستان يعرفون جيدا بأن هناك نقاش سري وعلني في سبيل اقامة دولة او دول او دولة كوردستان الكبرى على اراضي كوردستان التاريخية ولذلك تقوم بكل ما هو ممكن في سبيل عدم التوصل الى هذا الهدف، والسينارهويات ربما تحتاج الى سنين متعددة، قد يتم انشاء كوردستان في الباشور او في روزئافا او دولة واحدة تمتد من السليمانية وهولير وقامشلو مرورا بكوباني وكري سبي ومابوك وئافرين وصولا الى البحر الميتاني، يجب ان لا ننسى بأن الوصول الى البحر الميتاني معناه بيع نفط وغاز المنطقة بما فيه غاز ونفط دول الخليج عن طريق ذلك ومعناه القيام بضربة قاصمة الى مبيعات روسيا في هذا المجال الى دول العالم واوربا بشكل خاص التي تتعرض احيانا كثيرة وتنحني لطلبات المافيا الروسية السياسية بقيادة قيصرها بوتين.
بات من المعروف بحسب الوكالات العالمية بأن الرئيس الامريكي ترمب سيلتقي بنظيره التركي أردوغان في منتدى باريس للسلام، الذي يسعى لتعزيز التعاون الدولي من أجل التغلب على التحديات العالمية، ومن المقرر أن يُعقد في 11 نوفمبر/تشرين ثاني الجاري ويستمر لمدة ثلاثة أيام، ومن المرتقب بأنه سيتم مناقشة الامور الجارية الآن في روزئافا وعدة قضايا منها مشكلة منبج وادلب وغيرها من القضايا ولكن بالتأكيد سيسعى أردوغان بكل جهده لبيع كل شيء لترامب في سبيل انهاء وتخريب مكاسب وتجربة روزئافا.
لا أعتقد بأن لقاء الرئيسين سيقدم أو سيؤخر في الموضوع وعلى سطح الارض من شيء خاصة وانه لا يوجد حتى الآن تفاهمات او تقاسم على الكعكة بين روسيا وامريكا في شرق الفرات بعكس ماحدث في جنوب سوريا من اتفاق روسي امريكي بانهاء وجود العصابات المسلحة هناك عن طريق مساعدة أردوغان او بالاحرى بيع أردوغان ( لثورتهم ) في سوق النخاسة.
أن الخلافات الامريكية التركية أعمق بكثير مما نتصور فتركيا ( المسلمة) هي العضو الوحيد في الناتو التي تدافع عن اجندات الاخوان المسلمين في المنطقة، وكل شعوب العالم يدركون بأن الاخوان المسلميون هم آباء وأمهات كل التنظيمالت الارهابية التي تأسست في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى ظهور دولة الشر الالهية بقيادة داعش، ويدركون جيدا بأن تركيا كانت آخر دولة انضمت الى التحالف الدولي على الورق لمحاربة داعش، ولكنها لم تقم بمحاربة داعش ولكنها فتحت حدود سايكس- بيكو المصطنع امام ارهابيي دول العالم ودعمتهم بكل الوسائل المادية والمعنوية وهدفها الاول والاخير هو محاربة الكورد في كل مكان وابادتهم بكل الوسائل في سبيل عدم نشوء اي كيان كوردي من أي نوع كان.
التاريخ يذكرنا بأنه قبل وجود كل الدول العربية الحالية التي تكونت بعد انهيار الامبراطورية العثمانية أسس الشيخ محمود البرزنچي مملكة كوردستان في الباشور وعاصمتها سليماني في عام ١٩١٩ وقضت عليها إنكلترا بالطيران في عام ١٩٢٣ والكورد موجودين على ارضهم منذ اكثر من عشرة آلاف عام وأسسوا سابقا وحاليا وقبل كل الدول الفاشلة حاليا دولا وممالك وإمبراطوريات والآن باعتقادي أن الوقت حان لاعادة ترسيم حدود دول المنطقة بعد قرب الانتهاء على داعش.
وأخيرا أقول بأن أحسن رد على استراتيجية تركيا هو السعي الدبلوماسي السريع لدى أمريكا واوربا والعالم بالاعتراف الرسمي بالادارة الذاتية الديموقراطية، والبدء بتحرير ئافرين بعد التفاهمات الدولية وخاصة مع امريكا وفرنسا وباقي دول التحالف خاصة وان قلق الشعب الكوردي في روزئافا كبير جدا لما حدث مؤخرا، الكورد يشيرون الى ما حدث قبل سنة في كركوك، والى اتفاق الشاه والعراق في الجزائر وانهاء ثورة الملا مصطفى البارزاني في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، انا اعتقد بأن مقارنة اليوم مع تلك الفترة ومقاربتها مقارنة ومقاربة غير موفقة لست بصدد ذكر اسبابها الآن .
السؤال هل سيحدث ما حدث مع ثورة البارزاني؟ الجواب انا استبعد ذلك كليا، ما يحدث على سطح الارض يؤكد قولي هذا فأمريكا تدعم حليفتها قسد والكورد بشكل يومي بكل الامكانيات المادية والمعنوية واللوجستية وتكرر على لسان البنتاغون واكبر مسؤؤوليها بأنها لن تخرج من منطقة الشرق الاوسط وتتركها لروسيا، وعند ظهور بوادر انسحاب امريكا من روزئافا سيكون الخطر كبير على الكورد وعليهم الاعتماد على أنفسهم بدون مساعدة أمريكا أو ربما تغيير خارطة تحالفهم مع اللاعبين الاساسيين في سوريا وروزئافا سيكون لصالحهم، على الكورد في امريكا وروزئافا واوربا تكثيف مظاهراتهم في كل مكان ليبينوا للعالم جرائم اردوغان في ئافرين وجرائمه واستفزازاته وتهديده اليومي للكورد الابرياء الذين يعيشون على ارضهم التاريخية قبل وجود اي جنس مغولي ارهابي واحتلاله لمناطق الكورد والعرب والارمن وغيرهم من القوميات والمكونات الاساسية لمنطقتنا .
على الدبلوماسيين والسياسيين الكورد ان يبينوا للعالم بأن اية قطرة دم تراق في روزئافا يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الاولى امريكا وبالدرجة الثانية دول الاجتماع او العدوان الرباعي الذين اجتمعوا في اسطنبول وهم تركيا وروسيا والمانيا وفرنسا وأعتقد بأن أمريكا تدرس الوضع الآن وسيكون موقفها حاسما خلال الايام القادمة ضد ارهاب اردوغان وعلى أردوغان أن يدرك بأن روزئافا اصبح واقعا ملموسا كما اصبحت كوردستان الجنوبية واقعا ملموسا ومعترف به على الصعيد العالمي.
سيف دين عرفات – ألمانيا في 28 / 10 / 2018 م.