لقراءة الجزء السابق من (وجها لوجه مع داعش) يرجى تتبع الرابط التالي على موقع الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=552497
…وجلسنا أنا وخيري، وبدأ يخبرني عن الشهداء والمفقودين من عائلته، عائلة الشيخ خدر بالأسماء، ثم سألته عن الذي حصل لأصبعه، فقال: “لمست سبطانة سلاحي (البي كي سي) بيدي دون وعي، وكانت قد تحوّلت إلى ما يشبه الجمر نتيجة الرمي المستمر بها على الساتر الغربي من المجمّع فاحترقت أصبعي كما ترى”.
وكان خيري قد توجه إلى الساتر الغربي في تلك الليلة ليقاتل الدواعش مع الآخرين. وبعد أن دخلوا القرية سبقهم بسيارته إلى مركز الشرطة وحمل منها بضعة قطع من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي تركتها الشرطة في مخفرهم، ثم توجه إلى الجبل مثلنا بعد أن سبقه الجميع في خروجهم حتى عائلته.
هذا هو يومنا الأول في الجبل، أنا وخيري وكادت الشمس أن تغيب، وعلينا أن نهيئ نفسينا للمبيت هنا هذه الليلة، كنا قريبين من قرية السكينية في بداية وهاد يسمّى وهاد الحصار وأمام كهف بالاسم نفسه، ورأيت بأننا لوحدنا هنا فالناس لا يزالون في القرية وسيبيتون الليلة فيها كيفما اتفق، ويبدو أن الأمل يراود بعضهم بالرجوع إلى منازلهم وكأن الأمر مجرد حلم أو مزحة، أو لا يرغبون بتصديق ما جرى لهم، فلم يعيش أحدهم فرمانا إسلاميا من قبل ولا يعرفون قوّة الفرمان كفتوى سينفذها مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مهما كلفهم الأمر، بل يسرهم جدا أن يقتلوا ويفجروا انفسهم ليصبحوا أجزاء متناثرة من أجل ذلك، وبالتالي ما كان علينا سوى الهروب منهم والابتعاد عنهم بعد أن نفد عتادنا، ولاذ فوج البيشمركة المخصص لحماية سيباى بالفرار، فكان لزاما علينا أن ننقذ أرواحنا. قلت لخيري:
“ما هو وضعنا لهذه الليلة”. فأجاب قائلا:
“سيارتي هناك، وأشار إليها بيده فقد كانت قريبة علينا نسبيا ويمكن الوصول إليها سيرا على الأقدام خلال عشرة دقائق. وسنذهب لنشحن موبايلاتنا فيها آخر الليل، أما الآن فسننتظر أبني “مراد” ليأخذ الأغنام إلى الجهة الأخرى من الجبل، فقد اتصلت به وهو على وشك القدوم، فالعائلة هناك برفقة عوائل اخوتي وأبنائهم وكذلك عوائل أخرى في مزار (شيشمس)(1)، وبعدها سندخل هذا الكهف لنرتاح قليلا.
أذن خيري لم يلتحق بعائلته ولن يلتحق بها ولن يغادر المكان فقد قرر أن يواجه داعش لا لينتقم فحسب بل ليقاتلهم حتى النهاية، ولكنه يتحين الفرصة المناسبة لذلك، وقد خبأ الكثير من الأسلحة والأعتدة في الجبل، وعاونه في ذلك أبناء عمومته وآخرون وسيلتحقون به عندما يطلب منهم ذلك، وستبدأ المنازلة.
وجاء ابن خيري وأعرفه جيدا، فقد التقيت به مرات عديدة في الديوان مع والده يخدم الضيوف رغم سنه فهو لا يزال في الحادية عشرة من عمره، “مراد” وقد سمّاه خيري على اسم المرحوم والده وينطبق عليه تماما المثل القائل “هذا الشبل من ذاك الأسد” فهو يحمل قلبا لا يعرف الخوف ولا يهاب الصعاب وطريقة تحدثه وأفعاله وما يقوم به يخبرك بأنه ولد ليكون محاربا وقائدا مثل أبيه رغم صغر سنه.
ثم، دخلنا الكهف، وهو واسع وفيه صخرتان بارزتان جلس كلّ واحد منّا على واحدة وكان التعب والإرهاق قد أخذ منا كلّ مأخذ، وجوّ الكهف حار ولزج وقد التصق قميصي على جسدي من الرطوبة والعرق. تمدد كلّ واحد منّا على صخرته، والتفتُ إلى خيري وقلت له: “ألا توجد أفاعي أو عقارب في هذا الكهف؟ فقال وقد أغمض عينيه:
“نحن وحظنا”. وتسلل النوم إلى عينيّ وشعرت بمدى ثقل أجفاني، فلم أنم منذ أربعة وعشرين ساعة ولم أذق طعاما، وكذلك لم أتناول حبوبي التي من المفروض أن آخذها في اليوم مرتين واستسلم جسدي المتعب مرغما.
…يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مزار شيشمس: وهو مزار مقدس لدي الأيزيدية يقع في الجهة الشمالية من جبل سنجار وقريب من مجمع خانصور يبعد عنه تقريبا ثماني كيلومتر