يتبع ج1
وللرد على الموضوع نقول: لا يوجد زمن نبؤة يونان النبي (865-809 ق.م. تقريباً) عاصمة اسمها نينوى، ونينوى هي آخر عواصم الآشوريين، وأصبحت العاصمة الرئيسة للدولة الآشورية في زمن الملك سنحاريب (705-681 ق.م.) واتخذها عاصمةً له في السنوات العشرة الأخيرة من حكمه، بعد عودته من حملته لغزو يهوذا، أي سنة 691 ق.م.، المذكورة في العهد القديم: فانصرف سنحاريب ملك آشور وذهب راجعا وأقام في نينوى (اش 37:37).
وهذه حقيقة تاريخية مطلقة (تاريخياً وكتابياً)، ولذلك لا حقيقة أبداً لوصول يونان النبي إلى نينوى، وللتوضيح:
1: ما جاء عن نينوى في التاريخ والآثار مطابق تماماً لماء جاء في الكتاب المقدس وظهور اسم المدينة لأول مرة من شخص يتكلم عنها في عصره وارتباطها مع سنحاريب بالذات، بل يوضح أن سنحاريب (أقام) في نينوى بعد عودته من غزو يهوذا، فبرغم كل الحروب السابقة وذكر الآشوريين، لم يرد اسم مدينة نينوى مطلقاً لأنها لم تكن موجودة كعاصمة أو حتى مدينة مهمة، لكن بعد سنحاريب يأتي ذكرها مراراً.
2: إن مدينة نينوى تقع على تل اسمه كوي قوينجق (بمصطلح أهل الموصل، تل قالينجو) وهي كلمة تركية (كوي) وتعني قرية (انجيك)، وهي قبيلة تركمانية، سُميت المنطقة باسمهم، ولعلها تعني مذبح الغنم.
قبل سنحاريب كانت نينوى مدينة صغيرة جداً وهامشية مهملة، وهي العاصمة الرابعة والأخيرة للآشوريين القدماء، فالشرقاط (آشور) هي عاصمة الآشوريين الأولى، ونمرود أو كالح هي العاصمة الثانية منذ عهد شلمنصر الأول (1274-1245 ق.م.)، ولا يوجد ذكر مهم لنينوى قبل الملك سرجون الثاني أبو سنحاريب (721-705 ق.م.)، الذي ترك كالح ولم يستقر في عاصمة واحدة خلال الخمس سنوات الأولى من حكمه، بل تنقل بين العواصم القديمة، آشور، وكالح، إضافةً لنينوى، التي كان يتردد إليها كعاصمة مؤقتة دون إعطائها أهمية، ثم شَيَّد له عاصمة خاصة ابتدأً من سنة 715 ق.م. باسمه دور شركوين (خرسباد)، أي مدينة سرجون، وهي العاصمة الثالثة، وافتتحها باحتفال مهيب سنة 706 ق.م.، أي قبل سنة من وفاته، ويقول سرجون في مدوناته في افتتاح عاصمته شركوين:
لقد عملتُ على تصميم المدينة هذه ليلاً ونهاراً، لتشييد الدور لسكنى الآلهة العظام وقصور سكناي الملكية، عسا أن يُبارك آشور المدينة والقصر..إلخ، أنا سركون الثاني أجعل من عاصمتي الجديدة ملائ بالسكان الذين أأتي بهم من جميع أقاصي الأرض.
علماً أن هذه العاصمة على شهرتها كانت مربعة ومساحتها بالضبط (1760×1675 متراً).
3: قام سنحاريب بجعل نينوى عاصمته وسيَّجها وكبَّرها، وفي مدوناته عن بناء نينوى، يقول:
لقد عملتُ الكثير من دور السكن، وجددتُ الشوارع القديمة، ووسعتُ الشوارع الضيقة، وجعلتها تستطع كالشمس.
ولأن نينوى كانت غير مهمة سابقاً، كانت قليلة الماء زمن سنحاريب، فأوعز سنحاريب بشق ستة عشر قناة إليها من نهر دجلة والخوصر والكومل، ويقول:
أنا سنحاريب، ملك آشور، بأمر الآلِهة، عزمتُ على القيام بهذا الأمر وفكرتُ به.
ثم قام ببناء قصره المعروف فوق (تل قوينجق)، ووردت في الآثار نقوش القصر وهو في طور الإنشاء والعمال والمشرفين على العمل، وقد جلب سنحاريب التماثيل من أماكن أخرى ووضعها في نينوى، فيقول:
أنا سنحاريب، ملك الجيوش، ملك آشور، أملك التماثيل الضخمة التي تمثل الذكور والإناث من الآلِهة، تلك التماثيل التي كانت في أرض (بلعات) جلبتها بكل وقار، ووضعتها في قصري العظيم في نينوى.
مددت عوارض من خشب الرز المجلوب من قمة الأمانوس من تلك الجبال العالية البعيدة عبر سقوف القصر، وبالنحاس البراق ثبَّتُ أغصان السرو الزكية على الأبواب كي يفوح شذاها عند فتحها وغلقها، وأقمتُ رواقاً صُمم وفق نمط قصر حثي، ويُدعى باللسان الآرامي “بيث حيلاني”، لمتعتي الملكية.
ولم يكن محيط مدينة نينوى قبل أن يطورها سنحاريب يتجاوز ميلين، أي حوالي أقل من كيلومتر مربع واحد، فطوَّره سنحاريب إلى ثمانية أميال، أي حوالي 10 كلم مربع.
ولذلك عدا أن نينوى لم تكن عاصمة، بل لم تكن في عهد سنحاريب نفسه بتلك المغالاة التي يتحدث فيها الكُتَّاب فيها من منطلق ديني إيماني، لا غيره.
ومعروف أن فترة عصر يونان النبي بالذات كانت الدولة الآشورية ضعيفة جداً ولم تكن لها أهمية من عهد شلمنصر الثالث (858-824 ق.م.) إلى عهد تغلاث فلصر الثالث (744-727 ق.م.) حيث أصابها الوهن وعدم الاستقرار ودخلت حروب أهلية داخلية، وأنفصل عنها أقاليم خارجية كبابل، وتجرأت الدويلات الآرامية على التحرش بها، ويصف المؤرخ طه باقر ذلك بعنوان: فترة ضعف الدولة الآشورية. (أي رويستن بايك، قصة الآثار الآشورية، ترجمة، يوسف داود عبد القادر، ص14، 26، 41، 55، 116-119. وطه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات، وادي الرافدين، ص504، 511-518. وأحمد سوسة، تاريخ حضارة وادي الرافدين في ضوء مشاريع الري والزراعة والمكتشفات الآثارية، ج2 ص96-120، 380 ، 403، 419. وفواد سفر، مجلة سومر 1947م، ج1، أعمال الإرواء التي قام بها سنحاريب، ص77-99. وجورج رو، العراق القديم، ص423-4329).
4: إن الكتاب المقدس لا يكلُّ ولا يملُّ عن استعمال عبارة ملك آشور والآشوريين في كل أسفاره حين التحدث عنهم، ولكن سفر يونان، ويونان الذي من المفترض أنه ذهب خصيصاً إلى بلاد الآشوريين (لم ترد في السفر كلمة آشور أو آشوريين مطلقاً)!.
5: حاول قسم من شارحي الكتاب المقدس الالتفاف على نص يونان 3:3: (أمَّا نينوى فكانت مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام، بترجمتها بالعربي، وأحياناً فقط كما في الترجمة العربية المشتركة لسنة 1996م، التي تمت برئاسة بطريرك الكلدان روفائيل بيداويد، فتُرجمت الآية (يستغرق اجتيازها ثلاثة أيام)، وهي ترجمة كاثوليكية عموماً، علماً أن ترجمة فانديك الشهيرة والدقيقة (1848-1864م)، تُترجمها (مسيرة ثلاثة أيام)، والمهم إن ترجمة (يستغرق اجتيازها ثلاثة أيام) هي محاولة توفيقية قدر الإمكان للهروب من حقيقة أن نينوى لا تقع على مسيرة ثلاثة أيام من فلسطين مطلقاً، لا مشياً ولا على الحيوانات، فالمسافة هي أكثر من ألف كيلومتر، وإنني إذ أُقرًّ أن أية ترجمة من لغة إلى لغة تتطلب أحياناً صياغة العبارات لتكون مقبولة عندما تكون الترجمة الحرفية تبتعد عن المعنى، ولكن النص العبري ليونان 3: 3، واضح (ونينوى كانت مسيرة ثلاثة أيام)، أي إنها تبعد ثلاثة أيام عن فلسطين، كما تم أيضاً حذف كلمة (وبدأ) يونان يدخل إلى المدينة، التي تبيِّن بوضوح أن يونان بدأ يدخل أطراف المدينة وأصبح على مسيرة يوم واحد منها، علماً أن البطريرك بيداويد يعلم أن النص السرياني الأصلي منذ القرن الثاني الميلادي يُطابق العبري، ولكن يبدو أن توجهات البطريرك بيداويد الآشورية المعروفة عنه والواضحة لأغراض سياسية، قد أثرت في الترجمة، والترجمة الحرفية للنص السرياني هي (مسيرة ثلاثة أيام)، ثم يأتي حرف اللام مع نينوى (لنينوى)، أي وبدأ يدخل (إلى) نينوى، وهذا هو النص السرياني (ܡܪܕ ܬܠܬܐ ܝܘܡܢܢ، ܘܫܪܝ ܝܘܢܢ ܠܡܥܠܠ ܠܢܝܢܘܐ ܡܪܕܐ ܝܘܡܐ ܚܕ)، ولا يحتاج النص إلى تأويل وتفسير أكثر وإعادة صياغة الجملة، ومع هذا، إن كانت الترجمة على بعد ثلاثة أيام عن فلسطين، فهي غير مقبولة، وإن كانت تعني اجتيازها ثلاثة أيام، فأيضاً غير مقبولة، فمساحة نينوى حتى بعد أن طوَّرها سنحاريب وفي كل تاريخها لا تتجاوز 10 كم مربع، أي قطرها أقل من 4 كلم، واليوم مدينة الموصل تعدداها أكثر من مليونين نسمة، واجتيازها مشياً لا يستغرق أكثر من أربع ساعات، وأنقل الترجمة الحرفية العبرية، من كتاب (العهد القديم العبري، ترجمة بين السطور، عبري- عربي، للأبوان بولس الفغالي وأنطوان عكر، جونية، لبنان، الجامعة الأنطوانية، 2007م، ص932) مع ملاحظة الإصرار على تأويلها في الجهة اليمنى (يستغرق اجتيازها ثلاثة أيام)، وكذلك كيف حُذفت كلمة (وبدأ).
https://d.top4top.net/p_10675h31j1.png
6: ينفرد سفر يونان بميزة تختلف عن كل العهد القديم، بل تناقضه، وهي قيام يهودي بالذهاب والتبشير إلى بلاد بعيدة، وأهلها من غير بني إسرائيل، فالديانة اليهودية محصورة في بني إسرائيل فقط ولا يهمها الأمم الأخرى، لذلك مفسروا الكتاب المقدس يفسرون أن السفر الذي يسلط الضوء الإيماني على الأمم الأخرى من الخطاة والوثنيين، لكي لا يظن اليهود أن الله رحيم ويقتصر على بني إسرائيل فقط. (هناك من يُفسِّر سفر عوبيديا ألموجَّه للأدوميين أنه إلى الأمم كسفر يونان، لكن سفر يونان مخصص للأمم الوثنية البعيدة، والأدوميين كانوا قريبين من اليهود جغرافياً وعرقيَّاً، وكان اليهود يعتبرونهم، يهوداً، أو إخوة لهم. (الأدوميين هم من نسل عيسو أخو يعقوب).
7: أمَّا الناحية الدينية: إن السيد المسيح باستشهاده بآية يونان في متى ومرقس قد أعطى لسفر يونان قوة وأهمية، ولكن كما رأينا أن استشهاد السيد المسيح كان رمزياً للدلالة عن موته وقيامته، مثل ما استعمل أمثلة كثيرة، ويجب ملاحظة أن السيد المسيح قد استعمل كلمة الأشرار مع نينوى لأن نينوى والآشوريين هم رمزاً للشر.
والآية كاملة في لوقا 11 ومتى 12هي : وفيما كان الجموع مزدحمين ابتدأ يقول: هذا الجيل شرير، يطلب آية ولا تعطى له آية إلاَّ آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل، ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان وهوذا أعظم من سليمان ههنا، رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان وهوذا أعظم من يونان ههنا.
نلاحظ المثلين اللذين أستخدمهما السيد المسيح أن نينوى قورنت مع الأشرار وسمعت صوت الله عن خوف واضطرار، ولم تسمع إلاَّ بعد ذهب إليها يونان بنفسه، أمَّا ملكة التيمن في سبأ العربية فسمعت عن اشتياق وحكمة وذهبت بنفسها إلى أورشليم بموكب عظيم جدًا وبالهدايا والأطياب والذهب إلى سليمان، وأمنت بالرب، قائلةً لسليمان (ليكن مباركا الرب إلهك الذي سر بك)، ولذلك قصد السيد المسيح هكذا يجب أن يأتي المؤمنين بنفسهم إلى الله مثل ملكة التيمن العربية وليس كأشرار نينوى، والضربات التي وجهت إلى نينوى عندما لم يلتزموا بتوبتهم ومناداة يونان، ستوجه لليهود إذا رفضوا الإيمان بالمسيح، ويقول القديس أمبروسيوس: إن آية يونان ترمز لآلام ربنا، وهي شهادة ضد خطية اليهود، فبأهل نينوى يُشير إلى عقاب اليهود الذين لا يقبلون المسيح، وفي نفس الوقت الرحمة إن تابوا.
علماً أن ملكة التيمن هذه مذكورة في سفر الملوك الأول، إصحاح 10، وهي ملكة سبأ، وهي المعروفة عموماً في التواريخ المدنية خاصة عند العرب، بلقيس، لكن لا أحد يعلم من هي هذه الملكة في التاريخ المدني بالضبط، والأثيوبيون (الحبشة) يدَّعون أنها ملكتهم، وهي الملكة كنداكة الواردة في سفر أعمال الرسل (أع 8: 27)، وهي خليفة ملكة التيمن المقصودة في قول السيد المسيح، وهي من نسل سليمان حسب الآية 13 (أعطى الملك سليمان لملكة سبأ كل مشتهاها الذي طلبت).
وشكراً
موفق نيسكو
يتبعه ج3
مجمل القصة أسطورية لا تستحق التعليق لكن هناك حقائق لا تهضمها القصص الدينية , فمثلاً بلقيس (بلند قيز ) إسم فارسي سنجاري دخلوا اليمن وعمان وأنحاء الجزيرة العربية الصالحة للزراعة زمن سابور الثاني 20 9 ت 379 ميلادية وإذا إفترضنا أنهم دخلوها قبل ذلك فليس قبل 24 ميلادية عندما فتح الرومان مجال السير والتجارة وعادوا وتابوا لأنها منطقة مقفرة , والأبعد من ذلك قيام دولة السبئيين في حدود 400 قبل الميلاد هذا كأبعد إحتمال , وسليمان مات في 980 قبل الميلاد أو نحو ذلك ولا ذكر لفتوحات دولة إسرائيل في التاريخ فكيف إلتقت به وتزوجته وكانت له زوجة مصرية واحدة وجواري كثيرات
نينوي كانت عامرة قبل أن يتخذه الآشوريون عاصمةً إسمها يدل على ذلك نين ئافا وهي كلمة كوردية تعني تجديد الإعمار ، المعمورة الجديدة من العدم, أي أنها كانت خربة جعلوها تسطع ( والدليل مئة ألف مقاتل ميدي بقيادة كاوة الحداد / أرباس لحماية العاصمة , هؤلاء يجب أن يكونو متأهبون وتكون بيوتهم في المدينة أو قريبةٌ منها ) وكانوا فيه مع السريان حتى نهاية الدولة العباسية
الماء لم يصل نينوى من الكومل هذا مستحيل وليس هناك أثر لمجرى ماء إليها من كومل , إذهب وتحقق ميدانياً , سد جروانا هو لإرواء سهل مهد والنافكور أما الخوصر فهو يمر بمجراه الطبيعي من وسط نينوى شرقي القصر , ودجلة أيضاً قريبة ومياه الخوصر تكفي لأي مدينة في ذلك الزمن . ولا يبدو أثر لمحاولة تحويل فلو حاولوا لنقلو ماء الشيخان إليها بكل سهولة لكنهم لم يفعلوا فلا أثر لذك أيضاً, ولا أُر لقناةٍ من دجلة من شمال القاضية وهو أمرٌ ممكن لكن لا أثر . ولهذا فأنا أتحفظ جداٌ مما كُتب عن التاريخ لكنه تنويه عن الأحداث تدلنا على الماضي وبإمكانك إستخلاص العموميات
ثم كيف يقول سرجون الآشوري أنا سرجون الثاني هل كان إختصاص تاريخ ويعلم أن ملكاً عظيماً بهذا الإسم قد حكم في جنوب العراق قبل1500 عام فدعى نفسه الثاني ؟ أم البحاثة هم يطلقون معظم الألقاب والأسماء لتممييزها .