دير يونان النبي في نينوى (النبي يونس)
لم يعد اثنان من المؤرخين الثقاة مسيحيين أو غيرهم يختلفون على أن القبر الموجود داخل دير يونان النبي (يونس) هو لجاثليق (بطريرك) الكنيسة السريانية الشرقية (النسطورية سابقاً أي الكلدان والآشوريون حديثاً) يوحنا الأعرج الذي أصبح جاثليقاً (بطريركاً) سنة 685م، وسُمُّي بالأعرج لأنه قُذف من مكان عالي من منافسيه للتخلص منه، لكنه لم يمت، وصار يعرج، فهرب واتخذ الدير مقراً له وتوفي فيه سنة 700م.
قد قام المستشرق الفرنسي الأب جان فييه الدومنيكي +1995م، المتخصص بتاريخ المسيحية في العراق والذي عاش سنين طويلة في مدينة الموصل في كنيسة الساعة ببحث كامل عن يونان وديره، ويتحدث بإسهاب عن النبي يونان أو يونس كما يرد في القرآن، الرجل ذو السمكة وديره، مستشهداً بمصادر كثيرة تاريخية مدنية ودينية، قديمة وحديثة، مسلمون ومسيحيون، غربيون وشرقيون، ملتقياً بعلماء وناس عاديين وزيارة الموقع بنفسه، ورغم انحياز فييه الدومنيكي المعروف للسريان الشرقيين باسميهم الجديدين الآشوريون والكلدان الحاليين، لكنه يؤكد الأساطير والتشكيك بوصول يونان النبي إلى نينوى في العراق، ووجودخ في ديره هناك، ولا يخلو أسلوبه من بعض الطرافة، فيقول:
إن دير يونان أو يونس كان معبداً آشورياً، ثم معبداً فارسياً، ثم كنيسة مسيحية، فجامع إسلامي، وقبر يونان موجود في فلسطين في مكان يُسمَّى (كينيز أو ابن كينيز)، وأن الموصل ظهرت منافساً تافهاً لفلسطين في هذه المسألة إذ لم تشتهر بهذا الأمر إلى القرن الرابع عشر، وأغلبية علماء مسلمي الموصل أبطلوا هذا الاعتقاد رغم إيمان الجهلة من أهالي الموصل أنه قبر النبي يونس، والدكتور ويكرام (المروَّج للاسم الآشوري في العصر الحديث) قال: طالما نبؤة يونان لم تتحقق، فآخر مكان يكون فيه قبر يونان هو نينوى، وجاثليق الكنيسة الشرقية حنانيشوع الأعرج +700م المسكين الذي عانى الاضطهاد وقاسى الآلام في حياته من أساقفته ورعيته، والمدفون في الدير، قد صار نبياً عبرانياً وولياً مُسلماً، والقاصد الرسولي المطران اللاتيني كوبيري +1831م، شاهد قرب النبي يونس صخرة كرانيت حمراء قال عنها المسلمون إنها التي ألقى الحوت بيونس عليها، وكل من يلمسها يُشفى من مرض الروماتيزم، ويُعلِّق الأب فييه: ولم يعد أحد يعرف أين تلك الصخرة، ولذلك يذهب المصابون بمرض الروماتيزم للتفتيش عن أدوية في أماكن أخرى.
وهناك ناس في فينسيا (البندقية)، وجبل كاسينو في إيطاليا، وكذلك في مملكة نابولي يدَّعون أنهم يمتلكون بقايا وذخائر وأضلاع من جسد يونان، وآخرون يرون أن يونان وعظ في مدينة نصيبين (القامشلي)، وصورة النبي يونان منحوتة على الصخر هناك ويحتفظ بها المسيحيون رغم أنها تشوَّهت، وقاموس الكتاب المقدس الذي وضعه migne، يعطي عدة حلول لهذا اللغز، منها أن الحوت ألقى بيونان في بيروت، طرابلس، شمال الإسكندرونة، أو أنه ذهب للبحر الأحمر أو الخليج أو ضفاف دجلة، أو بلد (أسكي موصل). (آشور المسيحية، ج2 ص519-553. ملاحظة: الأب فييه عموماً في كتبه يُسمِّي كنيسة المشرق السريانية، ولغتهم سريانية، ورعياهم سريان، وله كتاب الكنيسة السريانية الشرقية، والقديسون السريان..إلخ، وبالطبع كان منحازاً للكلدان لأغراض طائفية وسياسية لأنهم كاثوليك مثله، فيذكر أحياناً الكلدان، ثم لمجاملة النساطرة لكسبهم لنفس الغرض، سَمَّى كتابه بطريقة ذكية، آشور المسيحية، كاسم جغرافي.).
ويقول المؤرخ الأب ألبير أبونا، الذي ينتمي للكنيسة السريانية الشرقية (الكلدنية حديثاً، النسطورية سابقاً) التي يعود لها دير يونان أو النبي يونس، مستفيداً من فيه الدومنيكي أيضاً:
إن ما قيل عن يونان النبي والسفر القصير في العهد القديم الذي يُنسب له، فهو يدخل من باب الأمثال التي قيلت في الكتاب المقدس، شأن الأمثال الإنجيلية، لإيصال حقيقة (إيمانية) للناس بطريقة أقرب إلى أذهانهم، فعلى صعيد التاريخ، كل ما قيل عن يونان وعمله ومجيئه إلى نينوى يدخل ضمن أسلوب الأمثال، والتاريخ الآشوري الذي اطَّلع عليها العلماء في الوثائق العديدة التي وصلتنا في كل عهوده، لا يذكر أن نبياً عبرانياً أقبل إلى العاصمة نينوى، وأنذر الناس بخراب المدينة، ومما لا ريب فيه أن رواية مجيء يونان إلى نينوى وموته ودفنه في أحد تلال نينوى، رواية مختلفة جملةً وتفصيلاً، وهناك من يذهب للقول إن الحوت الذي ابتلع يونان قذفه شمال الموصل في موقع بلد (أسكي موصل)، ويربطون بين كلمتي (بلد)، (وبلط)، أي قَذفَ، وكيف ينقلون الأحداث التي ربما جرت في البحر المتوسط إلى نهر دجلة؟، وكيف نقل هذا الحوت النبي إلى نواحي الموصل؟.
كل ما في الأمر أن الموضع الذي يُطلق عليه النبي يونس كان ديراً باسم يونان، وهو أحد رهبان نهاية القرن الرابع، وبرز اسم الدير في نهاية القرن السابع، والقبر والجثمان والتابوت داخل الدير هو للبطريرك حنانيشوع الأعرج الذي أصبح بطريركاً سنة 685م ونتيجة مشاكله الشهيرة مع أساقفته التي بسببها سُمِّي الأعرج لأنهم قذفوه من مبنى وصار يعرج، فهرب واتخذ الدير مقراً له وتوفي فيه سنة 700م، وبعدها سكن الدير رهبان كثيرون، وآخر ذكر لدير يونان هو سنة 932م، تحوَّل بعدها إلى مسجد على تل التوبة، وفي سنة 1349م، تم فتح ضريح الجاثليق الأعرج، وزاره ورأى جسده معظم الموصليون، ومنذ ذلك الحين صار الاعتقاد أنه النبي يونان (يونس)، وقضية دير نينوى فيها الكثير من المغالطات اختلطت فيها الأسطورة والتقليد بشيء من التاريخ، والتبست هوية الدير بدير آخر باسم النبي يونس (يونان) قرب دمشق ذكره ابن فضل الله العمري في المسالك والممالك، ص346، وهناك دير آخر قرب الأنبار باسم يونان أيضاً، ومهما يكن من أمر، فبالتأكيد أن يونان النبي لم يأتي قط إلى هذه البلدان، وإني أتسال كيف يتسنى للمؤرخين والمثقفين أن يصدقوا هذه الرواية ويكتبوا عنها وكأنها حقيقة تاريخية، في حين أنها لا تمت للتاريخ والحقيقة بصلة.
وفي الستينيات التقيتُ ذات يوم مع المؤرخ الموصلي المرحوم سعيد الديوه جي في متحف الموصل، وكان حينها مديراً لمكتبة المتحف، وتجاذبنا أطراف الحديث حول شؤون محلية، فقلتُ له: يا استأذنا المحترم، ألاَّ تعرفون حقيقة النبي يونس وما جرى في قصته من التزوير والتحريف أجيالاً عديدة، حتى بات الناس يعتقدون، بل يؤمنون بما ليس مثبتاً بالعلم والتاريخ؟، فأجابني بكل بساطة، بلى نحن نعرف الحقيقة، ولكن هل نستطيع أن نقولها أو نكتبها؟.( ألبير أبونا، ديارات العراق، ص97-103. وتاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، ج1 ص81).
لذلك دير يونان المُسمَّى بالنبي يونس لا علاقة له البتة بالنبي يونان، كما مرَّ بنا، إنما هو دير شيَّده في القرن الرابع الراهب يونان، زميل أو أحد تلاميذ أنطونيوس، وأني (نيسكو) أرى أن الراهب يونان هو أحد رهبان دير أوجين قرب طور عبدين، الذي قام سنة 390م بزيارة دير مار توما في جنوب قطر قرب اليمامة الذي كان الناسك عبديشوع من ميسان في جنوب العراق بتأسيسه، وأقام فيه مدة يقضي الصلوات بالسريانية. (بيدجان اللعازري، أخبار الشهداء والقديسين، ج1 ص486-48. علماً أن شخصية أوجين القبطي غير حقيقة أيضاً، ولا أحد يعرف شيئاً عنه، لكن وجود الدير باسمه هو حقيقي).
صوم نينوى
أمَّا بالنسبة لصوم نينوى القديم المذكور في سفر يونان في العهد القديم فلا يوجد أي ذكر له في التواريخ اليهودية مطلقاً، وصوم نينوى الحالي الذي يصومه المسيحيون الشرقيون هو ثلاثة أيام، واسمه بالسريانية (الباعوثة) أي الطلبة والتضرع، ويبدأ الاثنين من الأسبوع السابق للصوم الكبير الأربعيني، ولا علاقة لهذا الصوم مطلقاً بصوم نينوى المذكور في سفر يونان، ولا يوجد أي ذكر لصوم اسمه نينوى في التاريخ المسيحي مُطلقاً قبل القرن السابع الميلادي، ففي سنة 576م انتشر مرض مُسمَّى بالشرعوط في السريانية، أي الوباء أو الطاعون في المنطقة الشمالية العراقية، مثلث كركوك، الموصل وتكريت، وكان ذلك في عهد الجاثليق السرياني الشرقي النسطوري، حزقيال (570-581م)، ويقول النساطرة، إنه بسبب ارتفاع الموت والمصيبة اقترح مطران كركوك سبريشوع على الجاثليق حزقيال الصوم ثلاثة أيام، فاستحسنه الجاثليق وأمر بصومه، (الأب ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، ج1 ص118. وأنظر المجدل ترجمة الجاثليق يوسف +570م، وخلفه حزقيال)، واسم مطران كركوك الذي اقترح الصوم ووضع طقوسه هو سبريشوع، وقد اعتبر سبريشوع هذا الصوم على غرار صوم داود النبي (2 صموئيل، إصحاح 12) وليس نينوى، وطبعاً داود عاش قبل يونان. (التاريخ السعردي، خبر سبريشوع، مطران باجرمي “كركوك”، ج2 ص313)، علماً أن السريان الشرقيين (الكلدان والآشوريين الحاليين) قاموا بحذف اسم المطران سبريشوع من كتبهم كالحودرا، كما في طبعة بيدجان للصلوات الطقسية،ج1 ص161، ويبدو أنها محاولة لغرض ربط صومهم قدر الإمكان بنينوى القديمة، مع ملاحظة أنه قبل هذا التاريخ كان هناك صوم مشابه لصوم نينوى، ثلاثة أيام أيضاً ويبدأ من اثنين الميلاد، اسمه باعوثة (زينا) مخصص لمنطقة العمادية وقربها (قرية كوماني) لكنه أُبطل استعماله، (انظر فييه الدومنيكي، المصدر السابق، ص526)، علماً أن فييه أخطأ في الاسم واعتقد أن زينا هو (يزدينيا) مطران نينوى، والصحيح أنه (زيعا) الوارد ذكره في كتاب شهداء المشرق، ج2 ص129-131، وربما أخطأ أيضاً في اعتقاده أن الصوم أُبطل، والصحيح أنه لم يكن أصلاً صوماً شاملاً للجميع، وقسم من النساطرة من قبائل جيلو وباز قرب قرية مار زينا لا زال يستذكرون ذلك.
أمَّا السريان الأرثوذكس وحسب ابن الصليبي +1171م، في كتابه أرعوثو (المجادلات)، فمن وضع صوم نينوى هو المفريان (الجاثليق) ماروثا التكريتي (628-649م)، بسبب انتشار الطاعون المذكور، ومن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية انتشر إلى بقية الكنائس، وفي سنة 975م تبؤا كنيسة الإسكندرية القبطية البطريرك أفرام بن أبي زرعة وهو سرياني، ففرض صوم نينوى على الكنيسة القبطية.( القس منسى يوحنا، تاريخ الكنيسة القبطية، ص377).
وهناك رواية أخرى للسريان الشرقيين حول صوم نينوى، جاءت في مصادر كثيرة منها كتاب الحوذرا سنة 1659م، وغيره، هو أن مطران الحيرة يوحنا الأزرق في زمن الجاثليق الشرقي حنانيشوع (685-700م)، رتَّبَ صوم نينوى عندما طلب أحد أمراء الحيرة المسلمين أربعين بنتاً عذراء ليتخذهن زوجاتً له، فاجتمع الفتيات في الكنيسة وصلوا مع المطران ثلاثة أيام، فتوفي الأمير، فأمر الأزرق إقامتها سنوياً في الاثنين الذي يلي الدنح، وقد ذكر عبديشوع الصوباوي +1381م أن الأمير هو الخليفة عبد الملك بن الوليد (نيسكو: قمتُ بتدقيق المخطوط وأكيد يقصد أبو الوليد عبد الملك بن مروان +705م)، وأبن العبري نقلاً عن مصادر النساطرة في ترجمته للجاثليق حنانيشوع، قال: قيل إن هذا الأمير هو عبد الملك بن مروان، وذكر أبي الرحيان البيروني أيضاً ذلك، وقال إن العباديين في الحيرة صاموه بسبب الأمير والبنات العذارى، لكنه نسبه إلى أمير الحيرة قبل الإسلام زمن معركة ذي قار. (مخطوط عبديشوع الصوباوي، فهرس مخطوطات دير مار مرقس، مجمع السريان الشرقيين ص340. وابن العبري، تاريخ المفارنة، ص30، البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص279).
وشكراً
موفق نيسكو
(… كان معبداً آشورياً، ثم معبداً فارسياً، ثم كنيسة مسيحية، فجامع إسلامي …)
عين الحقيقة فهو معبد للشمس سواء كان للآشوريين أم للميديين أم لكليهما ، أم الساساني الكورد ي , وبعد زحف الإسلام مباشرةً كان سيُدمّر فوراً لو لم يسرع المسيحيون المعترفين بهم في العهدة العمرية , إلى إحتلاله وقد فعلوا حسناً وربما الداسنيون (دسناييَ) قد سلموهم المعبد قبل تدميره بعد الزحف الإسلامي السريع , لكن كما ذكرت في مقالاتك السابقة أن دفع الجزية السنوية قد أجبرت المسيحيين على بيع أملاكهم لسدادها ومنها الأديرة كدير النبي يونان . كم مكث ديراً للمسيحيين ؟ لا نعلم بالتأكيد قد أصبح مسجداً للمسلمين أثناء الحكم العباسي وليس قبل ذلك فلم يُسيطر الامويون على العراق حتى نهاية عهدهم
وأخيراً داعش لم تغفل هذا فعلمت أنه معبد شمس للكفار ففجروه