افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (2) – عماد علي

 

لو عدنا قليلا الى ما قبل استيراد الفلسفة اليونانية الحقيقية و الواقع الذي فرض التامل و التمعن العقلاني فيما يخص جوهر الفلسفة و ثنايا و تلابيب تعقيداتها و كيفية العمل وفقها في التاريخ الاسلامي، اي ما حدث سياسيا و اجتماعيا فيما بعد وفاة محمد رسول الاسلام و بُرز الصراع السياسي وفقا للمصلحة الدنيوية بشكل واضح و جلي و ما احدث من الخلافات الداخلية بين المسلمين حول خليفة الرسول  و ما وصلتنا من المؤلفات حول ذلك و التي سمي بقضية الامامة لحين اندلاع الحروب الاهلية الداخلية بين المسلمين انفسهم و انقسامهم على الجبهات السياسية المخالفة و غير المنسجمة مع بعضها ( انبثاق الخوارج، الشيعة، السنة، المعتزلة) و ما افرز من الافكار و المواضيع المهمة و الحساسة من حكم على المسلم الكافر او من هو مرتكب الخطيئة الكبرى الى موضوع القضاء و القدر مع الاسئلة المطروحة حول القضايا المعقدة الشائكة حسب الفقه و الحساب و القياس. و كان السبب الرئيسي لكل ذلك هو الاستناد على العقل موازيا النقل لاثبات الذات و رد المناوئين لهم من جميع الجوانب. بمعنى اخر، الفترة التي تم فيها صمت النصوص المقدسة امام العيديد من الاسئلة الدينية و غير الدينية، مما حدا بالمسلمين الى استنطاق النصوص كي ينتجو به الاجوبة ، اي الاجتهاد في العمل الديني، و الذي هو من حيث المصطلح عبارة عن  استعمال العقل في فهم القرار و الحكم الذي ليس لدى النقل اية مقولة واضحة و صريحة حوله، هذه المواضيع التي تراكمت بمرور الوقت كانت نتيجة المنتجات الكثيرة و المنقولة او المستوردة وكان الى حدما اثر ازدياد الصراعات الداخلية و تطور المجتمعات بنسبة معينة. و يمكن تسمية هذا العصر بعصر الكتابة و يعتبر المرحلة الثانية من تنمية الفكر الاسلامي مقارنة مع المرحلة الاولى من الفكر المستند على اساس الايمان، اي مرحلة تجلي و سيطرة الخطاب القرئاني على المجتمع او بالاحرى على قبائل شبه الجزيرة العربية.

من هنا و بسبب توسع الصراعات الداخلية و امتزاج الاثنيات و الاجناس الدينية الاجنبية مع هذه البيئة و ازدياد الحوارات، ففرضت الفلسفة نفسها كضرورة ملحة للمشاركة في صورة و اطار الشكل اليوناني المعروف في الحضارة الاسلامية  التي مهدت لها الارضية السياسية قبل الفلسفية. بمجيء الفلسفة الاسلامية  فسحت الفرصة لعودة العقل ذاته الى الفكر الاجنبي و الامم البعيدة كما قال كندي؛ انه حاول ذلك كي يثري نفسه و يتمكن من التنقل من الحالة المحلية الى المستوى العالمي، لذلك، فان كان الفكر الاجنبي في البيئة الاسلامية مساعدا في ان يكون العقل الاسلامي اكثر نشاطا في ايجاد الاحوبة للقضايا الداخلية المحلية، و بسبب التعارف و الاندماج الفكرالمحلي مع الافكار الاجنبية، فاصبحت الارضية متوفرة للحل المناسب و الجديد لما طرح و واجه تلك الاسئلة و القضايا الفكرية الجديدة. في الوقت الذي كان كندي كاول فيلسوف اسلامي يدعم بشكل رئيسي ترجمة تلك المؤلفات و النتاجات ضمن رسالته الى المنصور الذي كان حاكما بين الاعوام ( 137 – 158 ه)، و حفزه كسلطة لدعم الترجمة (  بالاخص حكمة تلك الشعوب)، فانه كان يؤمن بها بشكل راسخ و يعتقد بانه يمكن بهذه الطريق ان ينجوا من المشاكل الفكرية، دون ان يدرك بان الفلسفة هي بذاتها حاملة للمشاكل و القضايا الفكرية الخاصة بها، و علاوة على ذلك عند خلو الفلسفة من هذه الاسئلة فانها تسقط كفلسفة و تفقد قيمتها .

ان كان دعم الخلافة العباسية لعملية الترجمة حدث سياسي من اساسه، وكان  الهدف الرئيسي هو بناء الخطاب الفكري الموحد و القوي الذي يفرض على الجميع التجمع حوله، و لكن سرعان ما تحول هذا التفلسف الفكري الاسلامي الى السبب العميق و المؤثر لهذه الخلافات. وكما قلنا فان الطبيعة  الاعتيادية لاي عقل يريد ان يتفهم الحياة و الدنيا عن طريق الفلسفة، اي طبيعة الاختلاف و وجود الفهم غير المنسجم مع البعض، و بهذه الاسباب و بالعوامل الاخرى فاننا نعلم بان الترجمة و ظهور الفلسفة في الحضارة الاسلامية كان له التاثير اللامحدود و المستمر على الفكر الاسلامي بشكل عام، و حتى على اولئك الذين كانوا منذ بداية العملية مناوئين للفلسفة و و ترجمة تلك المؤلفات، و يسميهم الكندي في تلك الرسالة بتجار الدين.

كان للترجمة دور هام و تاثير على الجميع، فتاثير المؤلفات الفكرية الفلسفية التي تُرجمت لم يكن على المهتمين بها او من ترجمها فقط و انما على المناوئين لها ايضا، فاعتبروها كفرا فوقعوا بشكل غير مباشر تحت تاثيرها. بمعنى اخر، فمن لم تكن له علاقة و تواصل مع الفلسفة فان الفلسفة بذاتها اتصلت به. من جهة اخرى، مثلما كان تاثير الفلسفة بشكل مباشر و غير مباشر فانها من حيث الزمن امتد و الى الابد, حسب ما كانت عليه المرحلة التي نفذت فيها عملية الترجمة و ظهور الفكر الفلسفي فكانت متزامنا مع تدشين حجر الاساس للفلسفة و ظهور كافة العلوم الاسلامية الاخرى، لذا لم يكن ظهور الفلسفة  حدثا تكون له العلاقة المتلاصقة مع عصر و مرحلة معينة او تُختزل تاثيراتها بشكل ايجابي على الذين كانوا متواصلين معها و متشاركين لها فقط و انما كانت ملامحها شمولية و واسعة و مؤثرة على الجميع و كانت ابعاد الفلسفة اليونانية من خلال الترجمة كاهم عنصرالذي فرضت نفسها و لها التاثير المباشر على هذه الحضارة و الثقافة العامة للمجتمع.

كان التوجه الفلسفي للعقل الاسلامي قمة نشاط ذلك العقل و عظيم الاهتمام و التفسير للدين و الحياة، و واجه مبكرا الخطاب النقلي و الديني الجمودي  باسناد و دعم السلطة الاسلامية، و في النهاية و بعد صراع مرير كانت نتيجته اسقاط هذه العقلانية الفلسفية، و سيطرت العقلية المحلية في شكلها الارثوذوكسي, بداية كانت بطابعها الجنبلي و من ثم الاشعري في القرن الثالث في المرحلة الثانية للخلافة العباسية وبعد ان توفر له حينئذ دعم السلطة السائدة . اي، هذا ما ادى الى اختلال في الامر و بدلا من الانفتاح على الفكر الانساني و ترجمة المؤلفات الاجنبية و الحوارات العقلانية و تعددية المذاهب، اصبحت الفتاوى و التكفير و التبديع و التحريم اللغة الثقافية المسيطرة على المجتمع الاسلامي. و بهذا الشكل يمكن ان نعتقد بان ظهور الفكر الفلسي  لم تكن عملية فكرية عقلانية مجردة في الحضارة الاسلامية. انها لم تكن شيئا من نتاج النخبة الثقافية في عصرهم و لم تكن حدثا ثقافيا فقط و انما و بالدرجة الاولى كانت عملية سياسية و من ضرورات السلطة العباسية في مرحلتها الاولى، و كان هذا من اجل بناء الخطاب السياسي العام الشمولي و القوي الذي كان الهدف منه ان يتمكن جمع الجميع حوله داخليا و يمحي التشرذم و ايضا يتمكن من الناحية الفكرية على المستوى الخارجي مواجهة المناوئين له. و هذا لا يعني ابدا تهميش دور النخبة من اهل الكلام الاسلامي في هذه العملية او الرغبة الشخصية للخليفة مامون للعلم و الفكر الجديد في البيئة  الاسلامية مثلا، و كانت هذه العملية اكبر من الرغبة و نية و الارادة الصفية اللاتاريخية. مثلما كما سارت الامورعلى العكس، فان سيطرة الخطاب الارثوذوكسي الاسلامي في بدايته و بشكله الحنبلي في عصر المتوكل وما اصر على منعه لاي نوع من النشاطات الفلسفية و الكلامية او بشكلها الاشعري الى ان نصل الى الامام الغزالي و كتابه الشهير في تكفير الفلاسفة.

كل هذه لم تكن عملا او فعلا دينيا مجردا و لكن كان لها علاقة عميقة بضرورات و احتياجات السياسة و السلطة العباسية الى الخطاب الذي كانت الارادة الدنيوية و التاريخية مختفية وراءها. عندما نلتفت الى الفكر الاسلامي من المنظور التاريخي و الدنيوي، فان مقولة ننيتشة تكون قائمة امامنا و هي تنطق قائلة ( الذي اصبح لديكم الهيا، فانه انساني دون اي حد).  ما اُستقبل دينيا و اصبح مقدسا ضمن هذه الثقافة و طُرح سماويا، فان اكثريته دنيوي و انساني و ارضي. لذا العودة الى البدايات، اي الى العصر الذي ظهر فيه الخطاب الفقهي و العقائدي الديني ليس بشيء يمكن ان يدخل خانة رواية الحكايات و مجموعة من الحوادث التاريخية التي لم تكن لها علاقة بوقتنا الحاضر، ولكنها لها علاقة مباشرة و كحاجة و ضرورة علمية عقلية لرؤية الجانب اللاالهي لهذه الثقافة الانسانية.

و عليه يمكننا ان نؤكد على خمود و افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها كما هو عنوان الكتاب، و يمكن ان تؤخذ بنظر الاعتبار مجموعة من الملاحظات و منها؛ الهدف و المقصود بالفلسفة الاسلامية و باعتبارها جمع تلك الحوارات الفكرية المستندة على العقل كأرث للشعوب الاخرى و تجلت تحت تاثير الوعي التاريخي و كانت محاولة لكشف المعنى و الدلالات الجديدة للمسائل المهمة من خارج مقولات النصوص المقدسة و ثقافة هذه النصوص. سواء التي لها علاقة باللاهوت و الماوراء الطبيعة الاسلاموية او ما لها العلاقة بالمسائل الدنيوية الاخرى. ان كنا قد القينا الضوء على الفلسفة الاسلامية التي لها اساس يوناني و تطورت على ايدي المترجمين و الفلاسفة غير العرب في هذه الحضارة، و بالاخص الشعوب الايرانية، و لكننا في نفس الوقت ننوي ان نبين من هذه الطريق و ان كان بشكل مختصرجمع النشاطات الفكرية في البيئة الاسلامية كجزء غير منقطع عن النشطات الدنيوية، كي نرى بهذه الطريقة طبيعة و خصوصية و تطور هذا الفكر حتى عصر السقوط و الخمود و الافول. الحقيقة الثانية فيما نقصده من التجلي و الخمود و الافول لا يعني ان هذا الفعل طبيعي و اعتيادي و حدث عقلاني و فكري مجرد و متواضع و مؤثر و لكن على العكس تماما كثيرا ما تكون هذه العملية من جانبيها عمل سياسي و اصطناعي و كانت يستنده القرار السياسي. لذا على القدر ما هي تجلي و هي اظهار الامر و طرحه و من ثم خموده و افوله و سسقوطه. اما الملاحظة الثالثة التي لها العلاقة مع العنوان، وهو عندما نقول  بانه كان الافول الفلسفة في القرنين الخامس و السادس الهجري لم نقصد به الموت النهائي للعملية و الموضوع و لكن هي سقوط و وقوع و فقدان طبيعة الترجل و القيام و بمعنى ان تكون صاحبة الهوية و الابداع كما كانت ابان القرنين الثاني و الثالث بشكل خاص. بعدما تعرضت الفلسفة الاسلامية للضربات المتسلسلة من قبل الرجال الدين التقليديين و السلطة السياسية و كانت النتحية انحراف الفلسفة و تفرغت من طاقة سيرورتها و اسقطت في النهاية.

ان كنا نريد ان نقارن هذه الصورة بما يفعله الانسان و هو يحاول الوصول الى هدف ما و قطع الطريق له نحو الامام، فاننا يمكن ان ندعي بان بداية ظهور الفلسفة الاسلامية كانت عند النصف الثاني للقرن الاول و القرن الثاني كانت هرولة، و بعدها بسبب العوائق او العراقيل التي واجهتها في القرن الرابع و من ثم اصبحت تحت زخم الضربات الصارمة للخطاب الفقهي و السلطة السياسية فانها اصبحت تسير متعرجة، الى انها في القرن السادس و بمجيء الغزالي و المدرسة النظامية ابان سلطة العباسيين فانها اُفلت او سُقطت . مع هذا السقوط و الخمود و ان كان جسد الفلسفة الاسلامية جاثمة على صدرها، فانه كان بين فينة وا خرى، و بما كان يحمل من مقومات  الحركة، فانه يحاول الحركة  من اجل ان لا يقف و يثبط بشكل نهائي. الى ان ظهر ابن تيمية في القرن الثامن و سقطت الخلافة الاسلامية على ايدي المغول، فانها توقفت على الحركة نهائيا كفلسفة و نشاطات عقلية اسلامية حرة . و عوضا عن ذلك اختزل العقل الاسلامي في ترديد و تكرار الخطاب الفقهي السلفي. في هذه العملية الطويلة و المعقدة، و ان وقعت الفلسفة على عقبها و لكن عصارة الثقافة الاسلامية و حتى الجانب اللافلسفي و اللاعقلاني اصيبت بتاثيرات الفلسفة ذاتها. و هذا ما ادى الى ان نقول ان النهاية الماساوية للفلسفة  و سقوطها في الحضارة الاسلامية لم و لن تفرض ان تكون نهاية تاثيراتها و افرازاتها. و من هنا يجب ان نقول بانه عندما نريد ان نفهم الخطوط العامة لتاثير و حظور الفكر الفلسفوي الاجنبي في الحضارة الاسلامية سيبقى فهمنا للفكر العرفاني الاسلامي بشكل عام مشوها و معقدا.

و من هذا المنظور يمكن القول بان هناك ثلاث بيئات و ارضيات التي نمت فيها الثقافة الاسلامية كما تكلم عنها الاكاديمي و المختص في الفكر الاسلامي بشكل عام الدكتور ابراهيم مدكور ، و اولها؛ بيئة اهل الكلام الشيعي و السني، من امثال المعتزلة و الزيدية و بعض من الاشعرية. البيئة الثانية و هي فلسفية مجردة . و الثالثة بيئة اهل التصوف، و هي التي تمكنت من الحفاظ على الفلسفة بعدما همشتها الناس عندما هاجمتها اعدائها، و عليه و لهذا السبب، عاشت الفلسفة مدة طويلة في حضن التصوف كما عاشت مدة اخرى في حضن اهل الكلام.(1).

و بهذا المعنى فانه يُعتبر التفهم من اللغة و الفكر العرفاني محاوله للمرور من خلال محاولة  فهم اللغة و الفكر الفلسفي. و ان  وقف هذان الاتجاهان على النقيض وهما مخالفان مع البعض و لكن في الكثير من محطاتهما يمتزجان مع بعضهما، وا ية محاولة لفكهما بشفرة حادة ربما تؤدي الى جرحهما معا. و لهذا السبب فان الفارابي كمستهل حقيقي للفلسفة الاسلامية كثيرا يظهر نفسه كمتصوف، بينما ابن العربي كما كان في قمة تطور التصوف الاسلامي عند بعض الباحثين، فهو يُقدم على انه فيلسوف و ليس بعرفاني.

كما قلنا من قبل فان الثقافة الاسلامية من الوجهة المعرفية و الابستمولوجية،  تنقسم على الاقل الى ثلاث مستويات رئيسية  كما سماها الجابري ( البرهان و البيان و العرفان). و نحن اسمينا المدرسة الاولى بالمدرسة العقلانية و الثانية بالمدرسة النقلانية و الثالثة بالمدرسة العرفانية. الخطا الاكبر في هذا التصنيف للثقافة العقلانية الاسلامية ( الى جانب العديد من الاخطاء المنهجية  و التاريخية و الفكرية) انه يعتقد بانه هناك تقاطع  و انفصال نهائي بين هذه المستويات، في الوقت  يتكشف لدينا و عن طريق القراءات النقدية لمشروع الجابري ( بالاخص من قبل جورج طرابيشي) تلك الحقيقة و هي ان هذه المدارس الثلاث كلما كانت مخالفة و حتى اضدادا مع البعض ولكن سيلتقون مع البعض في العديد من الوجهات، و لكل منهم تاثيره الكبير و العميق على الاخر. و من هذا المنظور و المرصد، لفهم العرفان الاسلامي و لغته و فكره و توجهه، نحتاج كثيرا الى تفهم طبيعة الفلسفة في فضاء الفكر الاسلامي، كما  هو الحال عندما نكون بعيدين عن فهم المدرسة العقلية سيكون هذا العمل ناقصا و سيخرج معوجا . و هذا لا يعني ابدا بان التصوف الاسلامي ليس صاحب هوية و خصوصية به، و لكن يكون هذا بمعنى؛ ان الاتجاه الديني و الاتجاه الفكري له هو امتداد و تعمق الحوار الميتفايزيقي و اللاهوتي خلال الحضارة الاسلامية. لذا هذا ليس بصدفة ان يكون تجلي الفكر التصوفي الاسلامي متزامنا  و هو متوازي في المكان ذاته مع ظهور الفلسفة في الحضارة ذاتها( يعني العراق في القرن الثاني و الثالث). لا يعني كلامنا هذا بان هذا الكتاب هو باب للتصوف الاسلامي فقط و لكنه باب للفلسفة الاسلامية و محاولة لفهم الزخم الفلسفي الاسلامي، و في الحقيقة هو محاولة لفهم الزخم الفكري الاسلامي بشكل عام، لانه و كما نعلم بانه الفكر العرفاني الاسلامي و على الاقل منذ بايزيد البسطامي في القرن الثاني الهجري مرتبط بشدة مع الفلسفة الاسلامية في القرون الوسطى. مع ذلك، هذا الكتاب نتاج مستقل، و في هذة الوجهة، فانه محاولة لاظهار بدايات الحوارات الخارجية و المحلية و طبيعة تلك الحوارات و تاثيراتها الخارجية و الداخلية منذ توسعه و تعمقه حتى تضييقه و بهاتته.

5 Comments on “ افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (2) – عماد علي”

  1. أين الفلسفة الإسلامية ؟ بالله عليك جميع العلوم الأدبية والعلمية والفلسفية حرامٌ شرعاً وقبيحٌ على المسلم الحقيقي أن يبحث فيها , جميع الذين تضلعوا بالعلوم جميعها وعلى رأسها الفلسفة إعتبروا كفاراً حتى الاطباء مثل إبن سينا ، إخوان الصفا هم مجموعة من المسيحيين تنشطوا في علم لا أعرف ما أسميه وليكن الفلسفة وهم مسيحيون ضالون كفار إسلاميّاً حتى اليوم , تكلم عن الفلسفة التي في البخاري وسورة التوبة وسترى

  2. انظروا الى آثار الفلاسفة اليونانية كيف تركت بصماتهم على الانجيل المقدس كتاب الله لبني إسرئيل ليكمل التوراة ولكن جعلوا لكتاب النجيل الواحد الى ثمانين إنجيلا بحيث حرفوا كلام الله تعالى حسب أذواقهم وفي هذه اللحظات تدور مشاورات لتجديد كتاب الله تعلى اذن لم تبقى الديانة المسيحي الا اسمآ وافرغوا ما فيها من عذاب يوم القيامة وينكرون يوم الحساب ما يهمه الا حياة الدنيا يوصفهم الله تعالى خير تعبير (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) ۞ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) )

    النصرانية وما تفرع عنها من مذاهب
    1- النصرانية
    2- الأرثوذكس
    3-الكاثوليك
    4-البروتستانت
    – فروع أخرى :
    1-المارونية
    2- الجزويت
    3- المورمون
    4- شهود يهوه
    5-الأبوس دي
    6-المونية “حركة صن مون التوحيدية”
    النصرانية

    التعريف:
    هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة(*) من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح، ولكنها جابهت مقاومة واضطهاداً شديداً، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات(*) وثنية(*).

    التأسيس وأبرز الشخصيات:
    مرت النصرانية بعدة مراحل وأطوار تاريخية مختلفة، انتقلت فيها من رسالة منزلة من عند الله تعالى إلى ديانة(*) مُحرَّفة ومبدلة، تضافر على صنعها بعض الكهان(*) ورجال السياسة، ويمكن تقسيم هذه المراحل كالتالي:

    · المرحلة الأولى :
    النصرانية المُنزَّلة من عند الله التي جاء بها عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام:
    – هي رسالة أنزلها الله تعالى على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية(*). وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من يؤمن بأن غاية الإنسان هي الحياة الدنيا، حيث لا يوم آخر، ولا جنة ولا نار، ومنهم من يعتقد أن الثواب والعقاب إنما يكونان في الدنيا فقط، وأن الصالحين منهم يوم القيامة سيشتركون في ملك المسيح(*) الذي يأتي لينقذ الناس، ليصبحوا ملوك العالم وقضاته. كما شاع فيهم تقديم القرابين والنذور للهيكل رجاء الحصول على المغفرة، وفشا الاعتقاد بأن رضا الرهبان(*) ودعاءهم يضمن لهم الغفران. لذا فسدت عقيدتهم وأخلاقهم، فكانت رسالته ودعوته عليه الصلاة والسلام داعية إلى توحيد الله تعالى حيث لا رب غيره ولا معبود سواه، وأنه لا واسطة بين المخلوق والخالق سوى عمل الإنسان نفسه، وهي رسالة قائمة على الدعوة للزهد في الدنيا، والإيمان باليوم الآخر وأحواله، ولذا فإن عيسى عليه الصلاة والسلام كان موحِّداً على دين(*) الإسلام ملة(*) إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.

    – المبلِّغ: عيسى ابن مريم عليه السلام، أمُّه البتول مريم ابنة عمران أحد عظماء بني إسرائيل، نذرتها أمها قبل أن تحمل بها لخدمة المسجد، وكفلها زكريا أحد أنبياء(*) بني إسرائيل وزوج خالتها، فكانت عابدة قانتة لله تعالى، حملت به من غير زوج بقدرة الله تعالى، وولدته عليه السلام في مدينة بيت لحم بفلسطين، وأنطقه الله تعالى في المهد دليلاً على براءة أمه من بهتان بني إسرائيل لها بالزنا، فجاء ميلاده حدثاً عجيباً على هذا النحو ليلقي بذلك درساً على بني إسرائيل الذين غرقوا في الماديات، وفي ربط الأسباب بالمسببات، ليعلموا بأن الله تعالى على كل شيء قدير.

    – بُعث عيسى عليه السلام نبيًّا إلى بني إسرائيل، مؤيَّداً من الله تعالى بعدد من المعجزات(*) الدالة على نبوته، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله. ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

    كما كان يخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم بإذن الله.

    وقد أيده الله هو وحواريِّيه(*) بمائدة من السماء أنزلها عليهم لتكون عيداً لأولهم وأخرهم.

    – تآمر اليهود على قتله برئاسة الحبر الأكبر (كايافاس) وأثاروا عليه الحاكم الروماني لفلسطين (بيلاطس) لكنه تجاهلهم أولاً، ثم لما كذبوا عليه وتقوَّلوا على عيسى عليه السلام بأنه يدعو نفسه مسيحاً(*) ملكاً، ويرفض دفع الجزية للقيصر، دفع ذلك الحاكم إلى إصدار أمراً بالقبض عليه، وإصدار حكم الإعدام ضده عليه السلام.

    – اختفى عيسى وأصحابه عن أعين الجند، إلا أن أحد أصحابه دلَّ جند الرومان على مكانه، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام وصورته عليه، ويقال إنه يهوذا الإسخريوطي وقيل غيره، فنُفِّذ حكم الصلب فيه بدلاً من عيسى عليه الصلاة والسلام حيث رفعه الله إليه، على أنه سينزل قبل قيام الساعة ليحكم بالإسلام، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ثم يموت كما دلت على ذلك النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة.

    – آمن بدعوة المسيح عليه السلام الكثير ولكنه اصطفى منهم اثني عشر حواريًّا(*) كما هم مذكورون في إنجيل (*) متى.

    – وهناك الرسل السبعون الذين يقال بأن المسيح(*) عليه السلام اختارهم ليعلِّموا النصرانية في القرى المجاورة.

    · المرحلة الثانية :
    ويسميها مؤرِّخو الكنيسة(*) بالعصر الرسولي، وينقسم هذا العصر إلى قسمين: التبشير وبداية الانحراف، والاضطهاد الذي يستمر حتى بداية العهد الذهبي للنصارى.

    · التبشير وبداية الانحراف:
    بعدما رُفع المسيح عليه الصلاة والسلام، واشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص؛ حيث قُتل يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الصياد فكان أول من قتل من الحواريين، وسجن بطرس، وعذب سائر الرسل، وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه الصلاة والسلام حتى كادت النصرانية أن تفنى.

    وفي ظل هذه الأجواء المضطربة أعلن شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه عمالائيل، أعلن شاول الذي كان يُذيق أتباع المسيح سوءَ العذاب، إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق، مؤنباً له على اضطهاده لأتباعه، آمراً له بنشر تعاليمه بين الأمم، فاستخف الطرب النصارى، في الوقت الذي لم يصدقه بعضهم، إلا أن برنابا الحواري دافع عنه وقدمه إلى الحواريين(*) فقبلوه، وبما يمتلكه من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين وتسمى بـ بولس.

    – انطلق الحواريون للتبشير بين الأمم اليهودية في البلدان المجاورة، التي سبق أن تعرفت على دعوة المسيح عليه السلام أثناء زيارتها لبيت المقدس في عيد العنصرة، وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن متَّى ذهب إلى الحبشة، وقُتل هناك بعد أن أسس فيها كنيسة ورسَّم – عيَّن- لهم أسقفها(*). وكذلك فعل مرقس في الإسكندرية بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما وقتل في عهد نيرون عام 62م.

    – أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية، وأسس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة(*) أورشليم ورسَّم لهم أساقفة(*). وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فوجدا خلافاً حادًّا بين أتباع الكنيسة حول إكراه الأمميين(*) على إتباع شريعة التوراة(*) فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين(*) لحسم الخلاف بينهم.

    · بداية الانحراف :
    – فيما بين عام 51 – 55م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين – مجمع أورشليم – تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة 62م ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر – إعمالاً لأعظم المصلحتين – استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو الدافع لانخلاعهم من ربقة الوثنية(*)، على أنها خطوة أولى يُلزم بعدها بشريعة التوراة. كما تقرر فيه تحريم الزنا، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذُبح للأوثان، بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة.

    – عاد بولس بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة وقوله أنها: “كانت لعنة تخلَّصنا منها إلى الأبد” و”أن المسيح(*) جاء ليبدل عهداً قديماً(*) بعهد جديد(*)” ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله(*) بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله(*)، أو الروح القدس(*)، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب ليحاسب الناس في يوم الحشر. وهكذا كرر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه وانفصل عنه مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمنها عقيدته ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة 65م.

    – قد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى: ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً(*)، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير. وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية، أما باقي الحواريين والرسل(*) فإنهم قُتلوا على يد الوثنيين(*) في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها.

    · الاضطهاد :
    – عانت الدعوة النصرانية أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالاً عديدة؛ مابين الحمل على الخُشْبِ، والنشر بالمناشير، إلى التمشيط مابين اللحم والعظم، والإحراق بالنار.

  3. تكملة رجاء
    الاضطهاد :
    – عانت الدعوة النصرانية أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالاً عديدة؛ مابين الحمل على الخُشْبِ، والنشر بالمناشير، إلى التمشيط مابين اللحم والعظم، والإحراق بالنار.

    – من أعنف الاضطهادات وأشدها:
    1- اضطهاد نيرون سنة 64م الذي قُتل فيه بطرس وبولس.
    2- واضطهاد دمتيانوس سنة 90م وفيه كتب يوحنا إنجيله(*) في أفسس باللغة اليونانية.
    3- واضطهاد تراجان سنة 106م وفيه أمر الإمبراطور بإبادة النصارى وحرق كتبهم، فحدثت مذابح مُروِّعة قُتل فيها يعقوب البار أسقف(*) أورشليم.
    4- ومن أشدها قسوة وأعنفها اضطهادُ الإمبراطور دقلديانوس 284م الذي صمم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى تصل الدماء إلى ركبة فرسه، وقد نفذ تصميمه؛ وهدم الكنائس(*) وأحرق الكتب، وأذاقهم من العذاب صنوفاً وألواناً، مما دفع النصارى من أقباط مصر إلى اتخاذ يوم 29 أغسطس 284م بداية لتقويمهم تخليداً لذكرى ضحاياهم.

    – هكذا استمر الاضطهاد يتصاعد إلى أن استسلم الإمبراطور جالير لفكرة التسامح مع النصارى لكنه مات بعدها، ليعتلي قسطنطين عرش الإمبراطورية.

    – سعى قسطنطين بما لأبيه من علاقات حسنة مع النصارى إلى استمالة تأييدهم له لفتح الجزء الشرقي من الإمبراطورية حيث يكثر عددهم، فأعلن مرسوم ميلان الذي يقضي بمنحهم الحرية(*) في الدعوة والترخيص لديانتهم ومساواتها بغيرها من ديانات(*) الإمبراطورية الرومانية، وشيَّد لهم الكنائس، وبذلك انتهت أسوأ مراحل التاريخ النصراني قسوة، التي ضاع فيها إنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام، وقُتل الحواريون(*) والرسل، وبدأ الانحراف والانسلاخ عن شريعة التوراة(*)، ليبدأ النصارى عهداً جديداً من تأليه المسيح(*) عليه الصلاة والسلام وظهور اسم المسيحية(*).

    · نشأة الرهبانية والديرية وتأثير الفلسفة على النصرانية:
    – في خلال هذه المرحلة ظهرت الرهبنة(*) في النصرانية في مصر أولاً على يد القديس بولس الطبي 241 – 356م والقديس أنطوان المعاصر له، إلا أن الديرية – حركة(*) بناء الأديرة – نشأت أيضاً في صعيد مصر عام 315 – 320م أنشأها القديس باخوم، ومنها انتشرت في الشام وآسيا الصغرى. وفي نفس الوقت دخلت غرب أوروبا على يد القديس كاسليان 370 – 425م ومارتن التوري 316 – 387م، كما ظهرت مجموعة من الآباء(*) المتأثرين بمدرسة الإسكندرية الفلسفية (الأفلاطونية الحديثة) وبالفلسفة(*) الغنوصية(*)، مثل كليمنت الإسكندري 150 – 215م أوريجانوس 185-245م وغيرهما.
    نشأة الكنيسة اليعقوبية:
    – واجه الإمبراطور جستنيان 527 – 565م صعوبة بالغة في تحقيق طموحه بتوحيد مذهبي(*) الإمبراطورية لتتحقق له سلطة الإمبراطورية والبابوية معاً. وبعد انتصاره في إيطاليا ودخول جيوشه روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب(*) الطبيعة الواحدة(المونوفيزتية) على البابا(*) فجليوس الذي رفض ذلك بشدة، مما عرضه إلى القبض عليه وترحيله إلى القسطنطينية، ليعقد مجمع القسطنطينية الخامس سنة 553م الذي انتهى بتقرير مذهب الطبيعة الواحدة، ولعن أصحاب فكرة تناسخ الأرواح(*)، وتقرير أن عيسى عليه السلام كان شخصية حقيقية وليست بخيالية.

    – ومن آثار هذا المجمع استقلالُ أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة إقامةُ كنيسة(*) منفصلة لهم، تعرف بالكنيسة اليعقوبية، تحت رئاسة مؤسسها يعقوب البرادعي أسقف(*) الرَّها مما زاد في عداء البابوية للإمبراطورية الشرقية.

    · نشأة الكنيسة المارونية:
    في عام 678 – 681م عمل الإمبراطور قسطنطين الرابع على استرضاء البابا أجاثون بعدما فقد المراكز الرئيسية لمذهب الطبيعة الواحدة في مصر والشام لفتح المسلمين لهما، فتم عقد مجمع القسطنطينية الثالث عام 680م للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح(*) طبيعتين ومشيئة واحدة. وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة، ولذلك انفصلت طائفة المارونية ولحقت بسابقتها من الكنائس المنفصلة.

    · انفصال الكنيسة إداريًّا:
    – جاء هذا الانفصال بعد النزاع والصراع الطويل ابتداءً من الإمبراطور ليو الثالث 726م الذي أصدر مرسوماً يُحرِّم فيه عبادة الأيقونات، ويقضي بإزالة التماثيل والصور الدينية والصلبان من الكنائس والأديرة والبيوت على أنها ضرب من الوثنية(*)، متأثراً بدعوة المسلمين لإزالة هذه التماثيل التي بالكنائس في داخل الدولة الإسلامية.

    – تصدى لهذه الدعوة البابا(*) جريجوري الثاني، ثم خَلَفه البابا جريجوري الثالث ليصدر الإمبراطور قراراً بحرمان الكراسي الأسقفية في صقلية وجنوب إيطاليا من سلطة البابا الدينية والقضائية وجعلها تحت سلطان بطريرك(*) القسطنطينية. واستمر الوضع على ذلك إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين الخامس 741 – 775م ، وازدادت الثورات(*) اشتعالاً ضد دعاة اللاأيقونية، فعقد مجمعاً في القسطنطينية لتبرير سياسة تحريم الصور والأيقونات. وقد رفضت البابوية حضوره، ولم يحضره سوى ثلاثمائة وأربعين أسقفاً(*) تحت رئاسة بطريرك القسطنطينية ليقضي بتحريم تصوير المسيح في أي شكل، وكذلك تحريم عبادة صور القديسين، وتحريم طلب الشفاعة من مريم؛ لأن كل هذا من ضروب الوثنية.

    – ولكن هذه القرارات لم تدم طويلاً حيث أمرت الإمبراطورة الأيقونية إيرين التي خلفت زوجها الإمبراطور ليو الخزري بعقد مجمع نيقية عام 787م بعد تعيينها للبطريرك خرسيوس المتحمس للآيقونية بطريركاً على القسطنطينية، وانتهى المجمع على تقديس صور المسيح ووالدته والقديسين، ووضع الصور في الكنائس(*) والأديرة والبيوت والطرقات بزعم أن النظر إليهم يدعو للتفكير فيها.

    – في عام 869م أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة انبثاق الروح القدس(*) من الأب(*) وحده، فعارضه – كالعادة – بطريرك روما وقال إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن(*) معاً، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع 869م (مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرَّر فيه أن الروح القدس منبثقة من الأب والابن معاً، وأن جميع النصارى في العالم خاضعون لمراسيم بابا روما، وأن من يريد معرفة ما يتعلق بالنصرانية(*) وعقائدها عليه برفع دعواه إلى بابا روما. ولذلك تم لعن وعزل فوسيوس وحرمانه وأتباعه، إلا أن فوسيوس استطاع أن يعود إلى مركزه مرة أخرى. وفي عام 879م عقد المجمع الشرقي اليوناني (القسطنطينية الخامس) ليلغي قرارات المجمع السابق، ويعلن أن الروح القدس منبثقة من الأب(*) وحده، ويدعو إلى عدم الاعتراف إلا بالمجامع السبعة التي آخرها مجمع نيقية 787م.

    – وهكذا تم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية تحت مسمى الكنيسة(*) الشرقية الأرثوذكسية، أو كنيسة الروم الأرثوذكس برئاسة بطريرك(*) القسطنطينية، ومذهباً (*) بأن الروح القدس(*) منبثقة من الأب(*) وحده، على أن الكنيسة الغربية أيضاً تميَّزت باسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية، وبزعم أن لبابا(*) روما سيادة على كنائس الإمبراطورية وأنها أم الكنائس ومعلمتهن، وتميزت بالقول بأن الروح القدس منبثقة عن الأب والابن(*) معاً. ولم يتم الانفصال النهائي – الإداري – إلا في عام (1054م)، وبذلك انتهى عهد المجامع المسكونية، وحلت محلها المؤتمرات الإقليمية أو سلطات البابا المعصوم لتستكمل مسيرة الانحراف والتغيير في رسالة عيسى عليه السلام.

    ومن أبرز سمات هذه المرحلة الأخيرة – القرون الوسطى – الفساد، ومحاربة العلم والعلماء والتنكيل بهم والاضطهاد لهم، وتقرير أن البابا معصوم له حق الغفران، مما دفع إلى قيام العديد من الحركات(*) الداعية لإصلاح فساد الكنيسة، وفي وسط هذا الجو الثائر ضد رجال الكنيسة انعقد مؤتمر ترنت عام 1542 – 1563م لبحث مبادئ مارتن لوثر التي تؤيدها الحكومة والشعب الألماني، وانتهى إلى عدم قبول آراء الثائرين أصحاب دعوة الإصلاح الديني. ومن هنا انشقَّت كنيسة جديدة هي كنيسة البروتستانت ليستقر قارب النصرانية بين أمواج المجامع التي عصفت بتاريخها على ثلاث كنائس رئيسية لها النفوذ في العالم إلى اليوم، ولكل منها نحلة وعقيدة مستقلة، وهي: الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، بالإضافة إلى الكنائس المحدودة مثل: المارونية، والنسطورية، واليعقوبية، وطائفة الموحدين، وغيرهم.

    علي بارزان

  4. الاخ علي بارزان المحترم. لو استطعت ان تنورنا ولو ببصمه واحده من اثار الفلاسفه على الانجيل لنكون لك من الشاكرين. وثانيا استاذ علي كلامكم هذا حول تحريف الانجيل هذا بحد ذاته طمس للاحكام الشرعيه الوارده في القران بدليل الايات التاليه .بما ان الانجيل كتاب من الله فلا يمكن تحريفه مطلقا من قبل الانسان وبشهاده القران .١. الايه تقول لا مبدل لكلام الله .٢. الايه تقول لا تبديل لكلماته .٣.وانا انزلنا الذكر وانا اليهالحافظون .٤. الايه تقول يا اهل الكتاب لستم على شى حتى ان تقيموا التوراه والانجيل .٥. الايه تقول انما عيسى ابن مريم …كلمه الله..وروح منه ،،،فكيف اذا كان عيسى كلمه الله والانجيل صادر من هذه الكلمه يحرف.ووووايات كثيره . وثانيا الانجيل ترجم الى اكثر من اربعماىه لغه وبكل رحابه صدر وبكل ثقه لامحدوده وهذا شرط من شروط الكتب السماويه .. والباحث يحججك ايظا في القران لماذا هذا التناقض الفضيع بين السور المكيه والمدنيه وانت اعلم منا به ولماذا الله في القران يبدل من كلماته واياته بين حين واخر وبشهاده القران…١..الايه تقول لو بدلنا ايه مكان ايه ..٢.. الايه تقول وما ننسخ من ايه او ننسيها ناتي بخير منها او مثلها،،وهنا اسال هل الله ينسى او هل كلامه فيه تفاضل ..ولماذا لا يترجم القران مثله مثل الانجيل . لو جنابكم قمتم بترجمته الى اللغه الكرديه على سبيل المثال الايات التاليه ..١..ومريم ابنت عمران التي حافظت ..فرجها..فنفخنافيه…٢وما استمتعتم به منهن فاعطوهن اجورهن…..الخ ..٣..والايه والله ما ادري ماذا يفعل الله بي وبكم ..٤..ومن حججك بعد ما جاءك من علم قل لهم تعالوا بابناءكم ونساءكم وانفسكم وابناءنا ونساءنا وانفسنا ونبتهل الى الله
    ونجعل ..لعنت الله … على الكاذبين .طبعا هذه الايه كتبت عندما جاء نصارى نجران الى محمد وشككوه في نبوته فقال لهم نبتهل الى الله ليلعن الكاذبين .الطبري والقرطبي.

  5. يا اخي وأستاذي خدر المحترم بعد تحياتي الأخوية الصادقة ليست من باب الغيبة ولا الرياء لا تأخذني ربما تقول لماذا لم يستجيب لتساؤلاتي نعم صدقني جاوبتك جوابا وافيآ ومتواضعا من خلال ثلاث رسائل متتالية اظن انها اخد من وقتي ربما اكثر من اربع ساعات وأرسلتها في نفس الليلة ولكن لم يحظى بالموافقة (والأخوة القائمين ادرى مني ربما لم يصلح للنشر) وهذا فقط للعلم مع تحياتي
    ١٩ ٠٢ ٢٠١٩ الساعة
    01:20 صباحا بعد المنتصف الليل
    علي بارزان

Comments are closed.