“نص المقال “
تزامناً مع تأكيد ،خسارة “العدالة والتنمية” التركي الانتخابات البلدية في أنقرة بعد 16 عاما من تسيير هذه المدينة…وتأكيد خسارة الحزب إسطنبول، المدينة العريقة والمهمة في مثل هذه المحطات السياسية، لا سيما أن هذه الانتخابات تعتبر اختبارا حقيقيا لشعبية أردوغان، خصوصاً مع استمرار سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاستئثار “الكامل “بالسلطة، كما يتحدثُ جُلّ معارضيه، ومن هنا فقد برزت إلى الواجهة وتزامناً مع هذه الخسائر “السياسية “الداخلية الكبرى “للعدالة والتنمية” مجموعة تحديات قد تطيح بسمعة حزب “العدالة والتنمية” داخلياً ودولياً ، وهذا مابدا واضحاً من خلال التقارير الدولية التي بدأت بشكل أو باخر تسلط الضوء على ملفات الداخل التركي ،ومنها تقرير “مراسلون بلا حدود”، في مداخلة لهم أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي انطلقت فعاليات دورته الـ40، يوم 25 فبراير “2019”، وتواصلت إلى 22 مارس الماضي، ومضمون التقرير يتحدث “أن وضع حرية التعبير والصحافة حرجًا في تركيا”، حيث يواجه ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في تركيا إدانة بالسجن لمدة 15 عامًا” وهذه التقارير تزامنت مع مسارات وثورات إعلامية جديدة للصحف ووسائل الإعلام التركية التي تعكس سخط طيف واسع من الشارع التركي، المعارض لسياسات “العدالة والتنمية” ، بالإضافة إلى سخط طيف من الشعب التركي من سياسات “العدالة والتنمية” في الداخل، فمشاهد استمرار حملات الاعتقالات بحجة المشاركة بمحاولة الانقلاب الفاشلة وما تبعها من أزمات متلاحقة يعيشها حزب العدالة والتنمية تحديداً، وهنا يمكن القول وفي هذه المرحلة، إنّهُ يبدو واضحاً لجميع المتابعين لتداخلات الفوضى في الحالة التركية أنّ “العدالة والتنمية” ، أصبح يعاني من حالة فوضى وتخبط وأزمة داخلية وإلى حدما خارجية صعبة إلى حدّ ما.
وبالحديث عن ملف الداخل التركي وليس بعيداً عن مضمون التقارير الدولية ، يقرأ بعض المتابعين اليوم أنّ “العدالة والتنمية” أثبت أنّهُ وصل في حواره مع بعض مكونات رئيسية من الشعب التركي إلى طريق مسدود، وخصوصاً في ملف السلام مع الأكراد، وتحديداً مع حزب العمال الكردستاني « بي كي كي». فالأكراد ما زال زعيمهم التاريخي عبد الله أوجلان، والمحكوم بالمؤبد، محتجزاً في سجنه الانفرادي في بحر مرمرة، منذ 17 عاماً، مسبباً فقدان ثقتهم بهذا النظام كما يتحدثون، بالإضافة إلى أنّ “العدالة والتنمية” بدأ يمارس سياسة مزدوجة المعايير بتعامله مع قوى سياسية مختلفة على الساحة التركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حزب «الشعب الجمهوري وحزب «الحركة القومية» اليميني المعارض و «الشعوب الديمقراطي الكردي»، وجماعة فتح الله غولن، خصوصاً بعد إعلان مجموعة من الأحكام والاعتقالات بحقّ رموز سياسية ودينية في الداخل التركي، وبحقّ بعض معارضي النظام خارج تركيا.
إنّ السياسة البوليسية التي ينتهجها “العدالة والتنمية” ، كما يؤكدُ معارضو “العدالة والتنمية” الآن بحقّ معارضيه، تثبت أنّ “العدالة والتنمية” بطبيعة الحال، لا يمكن له أن يتبع أي نهج جديد، يؤسّس لحالة شراكة وطنية تخدم توفير حالة من الأمن والاستقرار في الدولة، فهو في النهاية، وكما يتحدث معارضوه، نظام إخواني ليس له فكرة أو أداة أو أرضية أو حاضنة، سوى التحشيد المذهبي والتأزيم الجيوسياسي داخل تركيا بشكلٍ خاص، وفي الإقليم بشكلٍ عام، لضمان استمرار بقائه في سدّة الحكم. بالإضافة إلى كلّ ذلك، يعاني الشعب التركي من أوضاع اقتصادية صعبة، فهناك بعض المكونات تعيشُ أوضاعاً صعبة جداً، فلا يغرّ البعض إن شاهد حجم العمران واتساعه ونشاط الاقتصاد، فهناك احتكار ضيق يُملّك المستثمرين الأجانب ما يزيد على 70 في المئة من حجمه ورأس ماله، ويعلم أغلب المطلعين على الخفايا وراء الكواليس، وخصوصاً الخفايا الاقتصادية، وتحديداً خبراء الاقتصاد، حجم الأزمة الاقتصادية في الداخل التركي، والتي حاول “العدالة والتنمية” إخفاء حقائقها عن الشعب التركي الذي بدأ يشعر بنتائجها بشكلٍ ملموس في الفترة الأخيرة، وتشير تقارير كشفتها جمعية حقوق المستهلك التركية أن هناك 16 مليون شخص في تركيا لا يحصلون على التغذية الكافية، و48 مليون آخرين يعيشون مستوى خط الفقر …وخصوصاً في المدن التي يقطنها الأكراد في شرق وجنوب شرق تركيا ديار بكر ـ موش ـ بينغول ـ أورفة ـ عنتاب ـ بطمان ، ففي هذه المدن يظهرُ بشكلٍ واضح ارتفاع نسبة الفقر، وعلى هذا تُقاس معدلات البطالة والتضخم ونمو الاقتصاد وحجم الأزمات الاقتصادية مجتمعة، المتولدة عن هذه الأرقام في عموم هذه المدن والمحافظات التركية الـ 81 الأخرى.
داخلياً، يبدو واضحاً في هذه المرحلة تحديداً، كما يؤكد بعض معارضي “العدالة والتنمية” ، أنّ الدولة التركية تعاني أزمة اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية ـ سياسية مركّبة، فهي اليوم تعيش كدولة على وقع أزمة اقتصادية خانقة، خصوصاً بعد الأرقام الاقتصادية السلبية التي ظهرت مؤخراً، والتي رافقتها سياسة قمعية ينتهجها “العدالة والتنمية” ضدّ معارضيه، وهذه المؤشرات تؤكد، بحسب معارضيّ “العدالة والتنمية” ، أن النظام التركي بات يمرّ بأزمة ثقة خارجية وداخلية، خصوصاً بعد أن بات حلم تركيا بأن تكون واحدة من دول الاتحاد الأوروبي أمراً صعب المنال تزامناً مع خلافات متصاعدة مع بعض دول أوروبا الغربية وأمريكا،وعلينا ألا ننسى هنا أنّ تركيا بدأت خلال الفترة الأخيرة تعاني عزلة إقليمية وضغوطاً دولية بعد فشل الرهان على الإخوان في مصر وعدم حدوث اختراق “سياسي “ملموس في الملف السوري.
من هنا يمكن القول إنّهُ في هذه المرحلة ومع ظهور مجموع هذه الملفات الخارجية،والداخلية الاقتصادية والسياسية والقبضة البوليسية ومصادرة حرية الشعب التركي وبحجج واهية، بالإضافة إلى الاتهامات العالمية للنظام التركي بتمويل الإرهاب في سورية والعراق تحديداً، فهذه بمجموعها بالإضافة إلى الأحكام الجائرة بحقّ المعارضين للنظام التركي، تطرحُ مجموعة تساؤلات عن المصير المستقبلي لحزب التنمية والعدالة، وما إذا كان هذا الحزب سيأخذ البلاد بأكملها مستقبلاً إلى حالة الفوضى، وإلى المزيد من تعميق حالات الانقسامات المجتمعية في الداخل التركي «عرقياً وطائفياً، وإلى المزيد من التضييق على معارضي هذا الحزب.
ختاماً، إنّ المرحلة المقبلة في الداخل التركي، تُنبئ بمزيدٍ من التعقيدات الشائكة، خصوصاً بعد أخذ “العدالة والتنمية” وسيلة القمع وتشديد القبضة البوليسية على معارضيه، كخيارٍ مستقبلي قابل للتطبيق في جميع المراحل، ما سيعمّق حالة الشرخ بين النظام التركي وبين مكونات كثيرة من عموم الشعب التركي، وخصوصاً مع ألاكراد الذين ضاقوا ذرعاً بسياسة “العدالة والتنمية” نحوهم، وهي سياسة تهميش وإقصاء كما يتحدثون، وهذا ما سيفرز، كما يؤكدُ الكثير من المتابعين، نتائج غير متوقعة، ومفاجآت كبرى مقبلة في الداخل التركي.
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.