مقاومة الحرب النفسیة فی كوردستان- د. عبدالباقی مایی

 

١٢ تموز ٢٠١٩

سبق وأن ذكرت فی تحلیل نفسیإجتماعی خلفیة واضحة المعالم للأوضاع الراهنة فی كوردستان نشرته شبكة صوت كوردستان بتأریخ  ٦\ ١\ ٢٠١٧:

وهنا أود تكملة ذلك التحلیل بوصف للحرب النفسیة الموجهة حالیا من قبل السلطات الفاشیة الحاكمة فی الدول المحتلة لكوردستان، فی الوقت الذی یعیش فیه الشعب الكوردستانی منقسما بفعل أحزابه السیاسیة فی التعامل مع تلك السلطات متكلا علیها سواء” كان فیما یتعلق بطرق الإستیراد والتصدیر أو التحالف والتبادل الإستراتیجی والتكتیكی أو بإبرام الإتفاقات والعقود الطویلة والقصیرة الأمد التی توقعها هذه الأحزاب من موقع الضعف مع تلك السلطات إنطلاقا من أمر الواقع وحسب فهم تلك الأحزاب لتعریف السیاسة ب”فن الممكنات”. فإن معظم هذه الأحزاب لازالت تسیر وفق قیم ومبادێ فرزتها الحركات التحرریة المسلحة فی مختلف أجزاء كوردستان تفجرها جماهیر شعب كوردستان المتعطشة للحریة والإسقلال والتی سرعان ما تقع فی خندق القیم والعادات والتقالید العشائریة القدیمة فتجد نفسها تحت قیادة زعماء وقیادات لاتۆمن بقدرات الشعب وطاقاته وقضیته العادلة ولاتقبل بإرادته وحریته ولا تتخذ أهداف الشعب أهدافا” لها بل تسعی لإرضاء سلطات الإحتلال فتتفاوض معها متنازلة عن إرادة الشعب وأهدافه من أجل تحقیق مصالح شخصیة لا علاقة لها بمصلحة الشعب بل تعاكسها فی معظم الأحیان.

لا أعتقد بأن الشعب فی كوردستان مغفل أو غیر مدرك لما یجری, بل الحقیقة هی أن الشعب لازال متعطشا للحریة والإستقلال، كما ظهر جلیا فی الإستفتاء الأخیر فی أقلیم كوردستان. وقد إزداد الوعی والإدراك خاصة لدی الشابات و الشباب الذین ینظرون بتمعن لما یجری من أمور ومۆامرات خلف الكوالیس ویعرفون علم الیقین بما هو صالح و ما هو طالح ویفرقون بین الخیر والشر ویخططون ثورتهم السلمیة بعیدا عن التحزب والعنف. ولكن الشعب مغلوب علی أمره لكونه واقع بحكم القیم والعادات والتقالید النفسیإجتماعیة تحت إمرة سلطات دینیة وإجتماعیة فی مجتمع جماعی متأخر تقوده أحزاب ملتزمة بالقیم القدیمة و لازالت ترزح تحت شروط وعقود وإتفاقات مع سلطات الإحتلال التی تفوق أحزابنا علما وخبرة وقوة مادیة وعسكریة. فتقع هذه الأحزاب فی فخ سلطات الإحتلال وحلفائها وتجد نفسها مجبرة علی تنفیذ مخططات هذه السلطات حفاظا علی مصالحها التی تبتعد عن مصالح الشعب كلما إرتبطت بسلطات الإحتلال فتقع تحت تأثیر الحرب النفسیة وعملیات غسل الدماغ.

عندما تبدأ القیادات الكوردیة مفاوضاتها مع سلطات الإحتلال تجد نفسها مدفوعة من قبل الشعب نتیجة لقیامه بالثورة المسلحة ضد ظلم وطغیان هذه السلطات، فتصبح بحكم موقعها الجغرافی ونفوذها الإجتماعی أو الروحی فی واجهة المفاوضات التی غالبا ما تطالب بها سلطات الإحتلال لعلمها بسذاجة الشعب وضعف شخصیة وإدراك وعلم ومعرفة قیاداتها وتختار بذلك الشروط والبنود حسب مصالحها التی تتفق مع مصالح الطبقات القیادیة الموالیة لها والتی تصبح ضحیة لمخططاتها المتقدمة فی تطبیق عملیات غسل الدماغ ونشر الدعایات المغرضة وبث التفرقة والفتنة بین تلك الأحزاب التی بدورها تعمم هذه المعلومات المضادة والمخططات المفرقة والمفسدة بین الجماهیر.

من أمثلة هذه الحروب النفسیة هی ما تقوم به السلطات التركیة والإیرانیة من حین لآخر بتقدم عسكری لإحتلال مواقع ومناطق حدودیة جدیدة فی أقلیم كوردستان العراق، ومایرافق ذلك من قصف مدفعی وجوی عشوائی متكرر للمناطق المحیطة بها مما یۆدی إلی خسارة فی أرواح الأبریاء من أهالی القری وحرق وتدمیر لتخویف الأهالی ودفعهم إلی ترك بیوتهم وحقولهم وزرع الحقد فی نفوسهم ضد أحزاب أو أشخاص كردیة تستعملهم تلك السلطات كحج واهیة لتقنع بها سكان هذه القری وتحرضهم علی معاداة الجهات الكردیة المعارضة لسیاسات سلطة الأقلیم. تساعدها فی ذلك تصریحات ومواقف بعض المسۆولین من سلطات الأقلیم التی تخالف مبدئیا أو مصلحیا تلك الجهات والأحزاب الكردیة التی تحاربها سلطات الإحتلال وتتخذها ذریعة للعملیات العسكریة دون إعتبار للأهالی العزل أو النساء والأطفال، و حتی المواشی ومزارع النحل لا تنجو منها كما حدث فی الأسبوع الماضی فی قریتی “مایێ”، ناحیة كانیماسێ ضمن قضاء العمادیة. ویرافق هذه العملیات العسكریة تخویف كجزء من مخطط الحرب النفسیة وتوجیه التهم فی الإعلام المدعوم من قبل سلطات الإحتلال لتلك الجهات الكردیة المعارضة لها، وكذلك العمل علی نشر وتطبیع كل ما یسئ إلی الهویة الكوردیة من لغة إلی ثقافة وإلی تراث وإنتاج محلی فی كوردستان وتبدیلها ببدائل تركیة وذلك ضمن عملیات غسل الدماغ مدبرة ومجربة فی الداخل والخارج منذ تأسیس الدولة التركیة محاولة منها لإمحاء الهویة الكوردیة. وقد باءت تلك المحاولات بالفشل نتیجة للمقاومة المستدیمة لشعب كوردستان ووحدة أرضه وشعبه وقواه المختلفة فی جمیع أجزاء كوردستان التی أصبحت تستعمل الأسالیب السلمیة والدیموقراطیة لحل الخلافات الداخلیة والأقلیمیة والخارجیة. و من الملاحظ أن تزاید وعی الشعب فی أقلیم كوردستان قد وصل إلی درجة متقدمة فی التمدن والتمتع بالأمن والإستقرار بحیث أصبح یكره إستعمال العنف والكفاح المسلح للدفاع عن حریته وإستقلاله، بل یعوضه بالطرق السلمیة والوسائل الدیبلوماسیة لحل الخلافات، وهی حقا” أقوی وأفضل لنا من الكفاح المسلح. وهذا یبعث علی التفاۆل ویبشر بالخیر والتقدم والإزدهار رغم إستمرار الأعداء علی مۆامراتهم وعملیات غسل الدماغ والحرب النفسیة ضد شعب كوردستان، فهم “…فی غیهم یعمهون…”.