هل العلم ضد الدين ام العكس؟- عماد علي

 

سؤال يمكن ان يطرحه المغرض و الانسان البسيط قبل العالم لبيان ما هو العلم و تعامله مع الموجود في الحياة و في مقمدته الدين وفحواه الذي لا يمكن التاكد من تنظيراته و ادعاءاته والتحقيق من صحة المقولات و ما يفرز منه مختبريا على العكس من العلم الذي لا يمكن ان يحمل الشك او الوقوف ساكنا دون التاكد من صحة النتائج التي تفرز منه، و لا يمكن ان يكون كماهو حال الدين المعتمد على الغيب. الفكر الموجه نحو الدين الذي يحتاج لاراء و ما موجود في الكتب المقدسة و المقولات المنقولة و التاريخ  و ما حمل لبيان جوهر الاعتقادات و  التوجهات التي تبدر من حامليها اعتمادا على الايمان دون التاكد من بيان صحتها عمليا او مختبريا.

اما العلم فلا صحيح عند المعني به الا بعد التاكد على صحته بشكل ملموس و بالالية المستندة على قاعدة علميةرصينة  مؤكدة الصحة و غير مطلقة في ادعاء الصحة الكاملة التي لا تقبل النقاش كما هوالدين و مدعي صحته و عدم قبوله الشك، و اما العلم و الية بيان صحته فانها قابلة للتطور والتغيير كلما اكتشف افضل او اصح منه دون اي خجل او تردد وعلى العكس من الدين الذي لا يمكن الشك في النصوص و فحواها و ان بدا التاويل حديثا حول المتشابهات و حتى المحكمات ايضا في نصوصها القرآنية لدى الاسلام  اكثر من غيره نتيجة عدم التوافق ما فيها مع العصر و ما فيه.

السؤال البارز المتكرر الدائم هو هل يعرقل الدين العلم ام العلم عائق دائمي و كاشف لزيف ايغيبي غير مؤكد او  دين او حقيقته؟ هل الدين يعرقل الفكر العلمي و يقاوم البحث فيه ام العلم يفضح الدين و التضليلات النظرية التي تبرز و تفرز منه؟ هل الدين مفيد للانسان ام العلم اما نهما مفيدان و متساويان لما يدقمان كما ديعي المتدينيين و هل هما اضداد للبعض ام يمكن التوافق بين الدين و العلم و ما ينتجان؟ هذا و هناك الاسئلة الهائلة حول هذا و يمكن للعلم ان يجيب عنها بمعادلات وحسابات علمية حقيقية دقيقة قابلة للشك ايضا وغير مطلقة الاعتقاد، و لا يتمكن الدين ان يقنع بالاجابة عما يسال عن علاقته بالعلم او عرقلته له الا بالكلام و الخيال و الغيب و تاجيل ما يحمله من الاسئلة الفلسفية الدنيوية عنه و ما له من ما يحمل التفكير فارضا لنفسه ازاء العلم سلبا و ايجابا؟ ماهي غايات الدين و ما الفرق بين تلك الغايات و ما يهدفه العلم و ايهما الاهم للانسان و حياته ؟ ايهما يعتمد على القواعد الرصينة الحقيقية التي يمكن الاستناد عليها في بيان صحة الادعاءات لغرض و غاية كل منهما و الاسباب الموجبة لبقاءه او الاعتماد عليه في مسيرة الحياة لمن يؤمن به او يعتقده عقليا بعيدا عن العاطفة. هل الظروف المحيطة بالملتزم دينيا هي الدافع الاقوى للالتزام به ام حقيقته و صحته هما اهم العوامل للالتزام و الاقتتناع الفكري و الفلسفي باهميته و الذي يكون هو العامل الحاسم للتمسك به؟

اما اليوم فان مسار العلم و ما نراه قد ارتفع منحنيه مخلفا الدين كثيرا وراءه في اكثر المناطق المتقدمة غير مبال بما يدعيه الملتزمون به من ما يبدر منهم من الصياح و الصريخ لوقف قافلة التقدم التي لا تنتظر اي شيء مزيف او مضلل او تجرفه جانبا. اما الدين فقد بقي على الذين يفكرون و يعتقدون و يؤمنون بما يُقال و ان لم يكن منطقيا و بمجرد ما نقل من السلف و هم من اكدوا صحته و ليس مقومات عوامل بيان صحة الفكر المؤكد لصحة اي موضوع عصريا كما يعتمده العلم اليوم.

و عليه، فاننا نرى العلم قد يقود حتى الملتزم بالدين، و هو يفرض نفسه نتيجة ما يطرحه من المنتوجات التي لا يمكن  حتى لاي ملتزم ديني ان لا يفكر بها و ان كانت تناقض اعتقاداته غير الذين همشوا عقلهم و تركوا اي جدال او نقاش حول اصحية فكرهم و ايمانهم. فان اعتمد الاثنان على الاستدلالات العقلية في بيان صحة اي عقلية و توحهات و تفكير اي منهما على انفراد، فان العلم يمكن ان يؤكد صحته باستناد عملي و مختبري على العكس من الدين، و المنهج المعتمد علميا يمكن ان يتغير وفق بيان الاصح بالخطوات الصحية المتتالية و بالتدريج و بمسار يبدا من الصحيح نحو الاصح، اما الدين فان صحته لا تقبل النقاش عند من يؤمن به ايمانا عاطفيا كان ام استنادا على الظروف المختلفة التي تحيط المعتنق و تتمخض عن تلك الظروف العقلية التي يحملها و يتعامل بها مع الموجود و كيفية التقدم عقلانيا و التاكد من المحمول فكرا و فلسفة. اما ما يفرض نفسه على من يؤمن بالعلم بشكل مجرد من القيم و اكثرها موكابة مع الدين و ان كان بعضها عصرية حديثة نتيجة التطورات العلمية التي انتجت غير ما كانت على العكس من الدين الذي برز منه و بقي و توارث منه الاجيال من السلف دون التاكد من فحواه و حقيقته واصحيته. و هنا يمكن البيان ما المعتمد للتاكد من اصحية الادعاءات حول اي موضوع محل الجدل هل العقل و ما وصل اليه نتيجة التراكمات التي افرزها الدين خلال التاريخ و ما ورثها  المعتنق بالدين ام المختبر و المقياس العلمي غير المشكوك فيه و في صحته. هل التغييرات التي تفرض نفسها على الناس جيلا بعد اخر و تكون مصدرا لفرض التغييرات على الاعفقاد او الايمان ام ما موجود من النصوص يكفي لمن يؤمن كي لا يتجادل حول المشكوك، و الامر الوحيد المعتمد هو العودة الى النص و المعتقد بانه الذي يحل كافة الامور و القضايا و المشاكل التي تفرضها التغييرات و ما تجعل من يحملها الشك فيها استنادا على النصوص التي ورثت من السلف من المقدسات فقط متقاطعا او مصادما مع ما يفرزه العلم في العصر الحديث. ما دور المصلحة العامة و الخاصة في ما تُمليه على الناس من النصوص التي يمكن الشك بها بتقدم العلوم وكشف الاسرار الحياتية التي تدع الشك يكبر و يسيطر على العقل في قبول الغيبيات التي يستند عليها لجواب ما لم يعرف جوابه بشكل مؤكد و صادق.

اما الاهم في امر الدين و العلم هو  ما يطرحه الزمن و التقدم السائر على قدم و ساق، و هو الذي سيجيب عن ما يطرحه اي عاقل على نفسه و هو ما يحدث مستقبلا اكثر و اوسع مما يهمش الدين المعتمد على النصوص و المنقول فقط، و عليه يمكن التاكد منة جوابسؤال؛ ايهما سينقرض بفعل التقدم و التغييرات الحياتية متى ما كان قريبا او بعيدا و ايهما يثبت نفسه و اصحيته دون منازع؟ و هناك من يتاكد من الجواب منذ اليوم استنادا على فكره التقدمي العلمي و عقليته و تفكيره الدقيق و ذكائه و ما يمتلك من المقومات التي تدفعه الى اعتقاد الجواب الصحيح و يؤمن بتاصحيته عقلانيا و لا يمكن ان لا يكون مشكوكا او مطلقا لان هذه  مقولة غير علمية. و الجواب الوافي يمكن ايجاده بعد مقارنة الملتزمين بالدين او المنفكين منه  المنعتقين و نسبة من يؤدي الطقوس و ينفذ الشرائع ايمانا عقلانيا و مؤكدا مع نفسه بصحة عقليته و تفكيره و سلوكه وفقه بعيدا عن الظروف القاسية المحيطة به سواء كانت اقتصادية او ثقافية او سياسية عامة فرضت عليه الالتزام بالدين و ما يحمل للتهرب من الصعوبات و قسوة ما يفرض عليه نفسه دون ارادته.

 

3 Comments on “هل العلم ضد الدين ام العكس؟- عماد علي”

  1. ١: العلم من الفعل عَلِمَ ، وهو إدراك الشيء على حقيقته ، ويعرف بمجموعةٌ من النظريّات والوقائع والحقائق ، أما الدين فهو من الفعل دَانٓ أي إعتقد وإعتنق ، ويقصد به أفكار أو معتقدات ميتافيزكية ، أي لاعلاقة له بالواقع والملموس ؟

    ٢: لقرون عديدة كان الدين محركاً للعلم ، والان غدى العلم محرك للدين الصحيح المستند على الحقائق التاريخية وعلم الاثار وليس على علم العنعنة وألله أعلم ؟

    ٣: وأخيراً
    العلم والدين الذين لا يرتقيان بحياة وأخلاق البشر ، فهمًا لا يصلحان حتى للحمير والبقر ، سلام ؟

  2. العلم ليس ضد الدين ، أو يالأحرى هما ضدان متكاملان , الإنسان هو الذي يتصرف بشكل يجعلما عدويين , لكن الحقيقة أنهما فلقتا الحياة لا يُمكن لأحدهما دون الآخر ( تماماً كما قال زرادشت العالم مكون من الخير والشر ) ضدان متكافئان بدونهما لا توجد طبيعة علمية ولا حياة ميثولوجية …… ولا شيء , الجسم هو المادة العلمية والدين هو الحياة الشاعرة المفكرة , تصور كان عندك إنسان متوفي , هل هو إنسان وبم يفرق عن صخرة ؟ لقد إنتهى ولم يعد موجوداً, ثم تصور نظرية أينشتاين هل تتلمسها أو تراها , إنها موجودة ولم تمت ولن تموت لكنك لا تراها فهي في الإذهان .
    وهكذا العالم مقسم بحسب زرادشت إلى نوعين من العلوم . العلوم الطبيعية المادية وهي الفيزياء والكيمياء والأحياء وهذا هو العلم المادي , ثم العلوم الآداب وهي يختص بها العقل المفكر أي الإنسان وهي وليد ونتاج نشاطاته عبر التاريخ ومن كل الوجوه وهذا هو الدين , فالدين هو تاريخ الإنسان العاقل المفكر المحتاج إلى المعرفة دون توقف , والتفاعل مستمر وسيستمر

  3. من هنا…. يجب علينا ان لا نختطلت مثلآ.. (خلط…. الحابل بالنابل) العلم الحقيقي مع توجهات الدينية وافكار الالحادية اللهم ايهما يمتلك الحقيقة والبراهين تركزان على مطلوب اثباته نظريا وعمليآ
    إنّ التفسير المادي، يقف مكتوف الأيدي أمام عددٍ من الخصائص الإنسانية ويعجز كلّ العجز عن تفسيرها أو التعليق عليها، لقد نجح التفسير المادي في تفسير النمو البيولوجي للإنسان وظواهر حياة الإنسان، لكنّه في المقابل يعجزُ كلّ العجز عن تفسير جوهر إنسانية الإنسان. يتميز الإنسان بإنسانيته، والتي تعد مفرق الطريق بيّنه وبين الحيوان الكامل المتطور حسب التفسير المادي. 
     آيات القرآن الكريم تعطينا إشارةً واضحة على أنّ التطور قد يكون حقيقة، شئنا أم أبينا، فآيات القرآن تحمل هذا الوجه، ولست معنياً كثيراً في أن تَثبُت النظرية أو لا، تصح أو لا تصح، كلّ الذي يعنيني أنّها لا تعني الإلحاد مطلقاً، والذي يريد أنّ يرفضها عليه أنّ يرفضها بالعلم لا بالدين، ثمّ إنّ الذي يستخدمها من أجل إثبات إلحاده عليه أنّ يعلم أنّها لا تعني الإلحاد البتة. ولكن.. هل أعطت نظرية التطور تفسيراً كاملاً لخصائص الإنسان بإنسانيته وأخلاقه وشعائريته؟ كلّا!

    ولكن.. هل تعني نظرية التطور الإلحاد؟ كلّا! إنّ هناك عدداً من آيات القرآن الكريم ”ربما” تشير إلى أنّ نظرية التطور قد تكون حقيقة فعلاً، دون أن تتعارض مع قصة الخلق ووجودِ الإله، في الحقيقة لقد استطاع القرآن الكريم احتواء نظرية التطور – إنّ كانت حقيقة – بل واستطاع تفسير الجانب الإنساني والروحي للإنسان، والذي عجزت عن تفسيره الفلسفة المادية بأسرها. في البداية إنّ القرآن الكريم يحفّزنا على أنّ نتفكر ونتدبر في كيفية بدء الخلق 1. “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ” العنكبوت 20.
    نظرية التطور لصاحبها ”داروين” السلاح الأقوى الذي يستخدمه الطرف الملحد في مناظراته مع الطرف المؤمن، ولا تكاد تمر معركة بين الإيمان والإلحاد دون ذكر نظرية التطور وحيثياتها وتبعاتها، ظنّاً من الطرف الملحد أنّها تعني القضاء على قصّة الخلق التي جاءت بها الأديان.
    وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)) السجدة، في هذه الآيات الكريمة دلالة واضحة على أنّ خلق الإنسان من طين مجرّد بداية تلته عدّة مراحل بينها فواصل زمنية قبل الوصول الى صورته الأخيرة.. وقد تكرر ذكر كلمة ”ثمّ” التي تدل على الترتيب مع التراخي في الزمن، فالمسألة ”ربما” ليست مسألة لحظية بين الخلق من الطين والتسوية والنفخ، وإنّما التراخي في الزمن هنا قد يدلُ على أنّ المسافة بين كلِّ مرحلة قد تكون طويلة وطويلة جدا.
     
    “وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ” (11) الأعراف، في هذه الآية الكريمة أيضاً إشارةً على أنّه قد يكون هناك مدة زمنية بين الخلق والتصوير، نستدل عليها من خلال استخدام ”ثمَّ التي تكرر ذكرها في هذه الآية. “وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) الأنعام، لو غضضنا الطرف عن تفسير المفسرين لهذه الآية الكريمة، ونظرنا إلى  “كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين” دون أن نتحيّز هنا أو هناك، لو نظرنا إليها هكذا بكلِّ بساطة لوجدنا أنّها قد تتفق مع نظرية التطور في أننا قد جئنا من ذرية أُخرى ومن قومٍ آخر غير الإنسان الذي نعرف.
     
    لماذا تُصر الآيات القرآنية على هذا التفصيل في مراحل خلق الإنسان، إنّ الله قادرٌ على كلِّ شيء، كان من الممكن أنّ تذكر الآيات القرآنية فقط أنّه قال للإنسان كنّ، فانتفض كائناً إنسانياً مكتملاً تدب فيه الحياة مباشرة دون ذكر عددٍ من التفاصيل التي قد تعطينا معانٍ ربما تحمل الوجه الذي نتحدث فيه؟

    ما المانع في أنّ هذا الإنسان الذي أُعد للأمانة الكبرى في الوجود، أن تكون مراحل تكوّنه قد استغرقت مدّة زمنيّةً طويلة جداً تحت العناية والإشراف والتدبير الإلهيّ الدقيق المحكم؟ ما المانع في أنّ هذا الكائن عندما وصل إلى أعلى درجات التطور كرّمه الله ونفخَ فيه من روحه وأخذه الى الملأ الأعلى وأسجد الملائكة له ليدلل على الشأن العظيم الذي ميّزه الله به عن باقي المخلوقات، ثمّ خلق حواء من ضلعه حتى يكون النسل القادم نسلاً مميزاً منفصلاً عن نسله القديم؟ أليست هذه المدة الطويلة، تحت مجهر التدبير الإلهي، والإعداد على هذا النحو الطويل المتراخي أكرمُ للإنسان الذي اُعدَّ لهذه الأمانة الكبرى؟

    النظر لنظرية التطور بسطحية، دون سبر أغوارها، ودون سبر أغوار النصوص القرآنية، جعلت كلّاً من الطرفين يتصلّب ويتجمّد على موقفٍ واحد، المؤمن يعتبر نظرية التطور أكذوبة علمية كبيرة يدحضها بنصوص القرآن الكريم، والملحد يعبترها حقيقة علمية تُدرّس في معظم الجامعات العريقة ويستغلها استغلالاً بشعاً مثيراً للغثيان في دحض قصّة الخلق ونفي وجود الإله كليّة. هذا الفهم السحطي من قِبل الطرفين، أدى في نهاية المطاف إلى حالةٍ من التطرف، فالطرف المؤمن يرفضها، والطرف الملحد يقبلها ويجدُ فيها ضالته المنشودة لدحض قصة الخلق ونفي وجود الإله .

    إنّ التاريخ الإنساني حافل بالمشاهد التي خرج فيها عن طبيعة الحيوان الكامل الذي يريده المادّيون، إنّ الحيوان الذي جاء منّه الإنسان، قائم على المنفعة والكفاءة الذاتية، كائن يخضع لقوانين الطبيعة الحتمية الصارمة.. لو تطور الإنسان إلى أعلى درجات التطور، فمن أين له أنّ يجيء بالأعمال التي قام بها بروحه مثل الفنّ؟ إنّ الرسم والشعر والموسيقى، قد أبدعها الإنسان بروحه لا بكيانه المادي، فكيّف يمكن لحيوانٍ كامل وصل لأعلى درجات التطور في طبيعة تسير بقوانين حتمية صارمة أنّ يجيء بهذه الأشياء الخارجة عن طبيعة الحيوان والمادة؟
    إنّ الإنسان يتمتع برأسِ مالٍ أخلاقيّ هائل، والأخلاق تتعارض مع طبيعة الحيوان، فالأخلاق فيها رفض كاملٌ وتمرد على المبدأ الحيواني القائم على المنفعة، من أين جاء بها الإنسان، كذلك الخير والشرّ، الظلم والعدل، الصواب والخطأ، كلّ هذه المعاني خارجة عنّ عالم الطبيعة الحتمية والحيوانية، إنّها جاءت من عالمٍ آخر غير الذي يعرفه الحيوان المتطور. حتّى الدين، كيف للحيوان المتطور أنّ يجيء بالدين؟والشعائرية؟ كلّ هذا خارج عنّ إطار العالم المادي الحتمي.
    إنّ هذه الأشياء التي تملأ العالم الإنساني، لا يمكن تفسيرها الا في ظلال الدين، التمهيد السماوي، العالم الآخر الذي جاء منه هذا الإنسان بهذه الصورة الإنسانية. لا يعلم الملحد أنّ ذكره للمبادئ الأخلاقية، فكرة الخير والشر، الظلم والعدل.. إلخ، تعني نهاية إلحاده، فمن أين له بهذه المعاني ما دام هو ابن الطبيعة والمادة بقوانينها الحتمية؟ هذه القضايا، لا يمكن تفسيرها دون التمعن في الماورائيات والميتافيزيقا. نعم .. لقد نجح الدين في تفسيرها، وعجزت الداروينية والمادية عن تفسيرها، لقد عجزت الداروينية عن احتواء الدين، ونجح الدين في احتواء الداروينية!
    إنّ الداروينية لا تعني الإلحاد مطلقاً، وليس علينا أنّ نهتم إن ثبتت النظرية أم لم تثبت، فهي لا تعني أيّ شيء للدين ولا تدحض أيّ شيء فيه. في النهاية، ليست هذه الأفكار بنات أفكاري ونتاجي الخاص، فإنّي إنّ قلت هذا قد تحليت بحلية السرق، وإنما هي مجردُ أفكارٍ قد تكرر ذكرها، أحببت ان انبه المتراهنين من كلا طرفيين اصحاب الاديان السماوية وافكار الاحاديين الذين.. يلبسون ثياب العلم زورآ وكذبآ

Comments are closed.