الجميع كان على اطلاع عما قيل كثيرا عن انتخاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمساعدة روسية و حكيت على التدخلات الكترونية و ما الى ذلك من الاتهامات الكثيرة جدا في جور روسيا مما اثار الشكوك داخليا في امريكا. ربما لا يمكن لاحد ان يصدّق ان تنتخب دولة اخرى رئيس لاعظم دولة في العالم، الا ان اليوم و على الرغم من دور الكبير لمراكز البحوث الموجودة في امريكا المخططة و المؤثرة و المؤلفة من الاف من الموظفين و التي تختص بامور الدولة من كافة النواحي، فعند التمعن في عملها و نتاجاتها و تطبيقاتها لا يمكن ان تشك في ان امرا كانتخاب رئيس هذه الدولة ايكون بسعي و مشاركة و دعم دولة منافسة حقيقية. و لكن ان كان هناك تنافسا كبيرا و خلطا في الامور و وجد هناك مجالا في التدخل الالكتروني او التاثير على الراي العام يمساعدة مالية و اعلامية فيمكن ان يؤدي ذلك على تغيير المعادلة لصالح المراد. و ان انكرت في حينه روسيا و ترامب بنفسه عما قيل عنه و كيف وصل الى البيت الابيض و لكن افعاله و توجهاته السياسية و بالاخص الخارجية منها تشي باشياء يمكن ان تثبت الشكوك التي حامت حول انتخابه.
لو دققنا ما فعله ترامب خلال سنين اعتلاءه كرسي الرئاسة و بالاخص ما يمكن ان يمس مصالح روسيا في سياساتها الخارجية لا يمكن ان لا نشك بصدقية الاتهامات و صحة الاحتمالات. فاهتمام ترامب بالامور الداخلية لامريكا و العمل على ضمان صوته بالشعبوية التي تسيطر عليه و على حساب مستقبل و موقع و ثقل بلاده يدل على قضايا كثيرة و منها صحة ما قيل و ما يمكن ان يتلقاه من الاشارت كي يؤدي واجبه كجزء من وفاء لمن ساعده في الوصول الى مبتغاه. في مدة حكمه شهد العالم بروز و قوة روسيا في المواقع الكثيرة على حساب امريكا، اي لم يكن تمدد روسيا سهلة لولا تمهيد الارضية التي ساعدت سياسات ترامب على تنفيذها، هذا عدا ما شهدت الدبلوماسية الامريكية تلكؤا كبيرا ابان حكم اوباما الا انه لم يستسلم لامر الذي كان تفرضه روسيا كما يفعل ترماب و ما هو عليه اليوم.
فان سياسات ترامب ازاء الشرق الاوسط و تمدد روسيا والصين بسهولة كبيرة يدل على الكثير من الاحتمالات و ربما ما قيل عن دور روسيا في انتخاب ترامب هو احد منها. اضافة الى ذلك فان امريكا هي بثقلها وامكانياتها العسكرية و المالية الكبيرة قد اصيبت بمآزق و ازمات مالية كبيرة قد نخرت كيانها و لا يمكن ان تعيد دورها الا بالانكفاء و التقوقع ذاتيا من اجل تقليص مصروفاتها الخارجية لصالح احتباجاتها الداخلية. و ربما قد تكون بداية الخطوة الاولى لتراجع الراسمالية كنظام عالمي قاصر او كنظام مرحلي متنقل و عابر وفق الفكر و الفلسفة الماركسية، و ليس لديها حيلة للنجاة من ما يفرضه الواقع و مراحل التطور البشري والتسلسل العلمي المتلاحق للانظمة لحين الوصول الى نهاية الامر من تقدم حياة الناس و التوصل الى الملائم لتسيير امورهم في النهاية. او ان امريكا و بعد ان احست بانها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لم تستفد داخليا و تريد لفترة معينة ان تعير الاهتمام داخليا و تقوي نفسها اكثر من الناحية الخارجية و هذا غير منطقي لان كل المعالات مرتبطة مع البعض و لا يمكن ان تدير امورها الداخلية بمعزل عن ثقلها الخارجي.
اننا هنا لسنا بصدد تقييم السياسة الامريكة التي تديرها القوى الداخلية المتنوعة و لكن الخطوات الاخيرة لترامب في منطقة الشرق الاوسط قد فرضت علينا الشكوك في نيته او انه قد يوفي بوعوده او يضحي بامور تهم سياسات امريكا الخارجية من اجل ضمان انتخابه للمرحلة الاخرى و على حساب مستقبل امريكا كدولة، و بالضد من كل مراكز القوى الامريكية التي تكتشف يوما بعد اخر ما تحتويه خطوات ترامب و تفرده في كثير من الاحيان على ضد من السلطات الاخرى الواقفة له بالمرصاد له وعلى الرغم من النظام الامريكي المعلوم عنه و السلطات المتنوعة و المنتشرة و المتوزعة فيها بشكل يمنع التفرد و المزاجات و الطموحات الفردية، الا ان هناك فجوات استغلها ترامب لصالح شخصه و طموحاته المادية الجشعة.
و نستنتج من ما حدث اخيرا في سوريا و المنطقة بشكل عام و ما ادي من دور امريكا و تراجعها في خطات قد اتخذتها هي سابقا و ما غيرت في السياسات المتبعة فيما تمت بمستقبل المنطقة و دور القوى العظمى فيها، فان ترامب سلم زمام الامور الى روسيا بشكل كامل اما متقصدا او وفاءا او توليه لامور الداخلية فقط على حساب ما يهم امريكا خارجيا او ما تفرضه عليه نياته و نرجسيته في الاستمرار في شعبويته و التقرب على ضمان استمراره في السطلة لدورة اخرى.
فلنرى ما يحدث و نكشف الاكثر و ما نراه متقبلا يمكن ان يثبت الاحتمالات المتوقعة من سياسات ترامب الجنونية و افرازاتها التي تحدث لاول مرة في تاريخ امريكا.