رواية حازم القوشي عن الأنفال..1 – صباح كنجي

 

حازم القوشي من الأنصار المميزين الذين يدمجون العفوية بالإخلاص والصدق في السلوك والعمل.. مازالت ذاكرته طرية .. ويتحدث عن الانفال وما حل بالمحاصرين في بهدينان.. من خلال ادق التفاصيل والاسماء.. كأنه يعيش الأحداث اليوم .. تابع الحلقات التي نشرت على الانترنيت.. و لديه بعد ثلاثة عقود مضت على الأحداث المريرة في الأنفال ما يرويه هو الآخر..

من السويد.. حيث يواصل عمله في منظمة ستوكهولم للحزب الشيوعي العراقي.. سرد لنا الكثير من التفاصيل المهمة عن الأنفال ومراني ومجموعات الانصار والبيشمركة.. الذين لجأوا للنفاذ من طوق العنكبوت.. في تلك المحنة الكبيرة.. التي اختلطت المشاعر فيها لحدٍ كادت ان تموت معها الاحاسيس.. وتداخلت صفحات الموت.. وزهت فيها الأرواح.. و تناثرت الدماء بين خطوة و أخرى.. مع المفاجآت التي تكررت والصعوبات التي تواصلت لتخترق الحدود وتلاحقهم في مخيمات اللجوء.. حيث يتواجد العملاء والجحوش.. الذين  اندسوا فيها وواصلوا برنامجهم الاجرامي.. بعد ان استبدلوا العلاقة الأمنية في دولة المخابرات البعثية بجهاز المخابرات التركي ـ الميت ..

يقول حازم مستذكراً تلك الأيام:

التحقت بالأنصار عام 1984 وكنت في 18 من عمري.. ونسبت للعمل في القاطع ومفارز البريد بين المقرات والمفارز .. وساهمت من خلال وجودي في فصيل الاسناد بمرافقة هيئة التحقيق والسجن في المقر الرئيسي لقاطع بهدينان..

في فترة الانفال.. يذكر انه كان في الوج الثالث ـ كلي هسبه .. حينما كلف بمرافقة ابو عمشه.. والذهاب في مهمة بريد مع الند وابو سامر المصور ومستلزمات اعلام خاصة وضعت على بغل.. بتاريخ 20 /8/1988..

حيث انطلقت هذه المجموعة نحو الفوج الأول في مقر مراني .. وكانت مهمتهم وفقاً لتوجيهات ملازم هشام.. سحب العوائل من مراني الى الفوج الثالث.. بدون تأخير .. مستذكراً.. قال لي هشام :

ـ يجب ان تذهبوا وتعودوا بسرعة بصحبة العوائل .. والأهم الأطفال والنساء و الشيوخ .. وسيكون معك النصير الند من مانكيش.. ومخلص الصغير.. ومجموعة شباب من العوائل يمكن ان يساعدوكم.. وأكد.. سوف نرسل برقية للفوج الأول.. لكي لا تتأخروا..

هكذا انطلقنا نحو معبر طاجيكا و آشوا المواجه لمنطقة سوار و سبندار.. عبرنا بسهولة و يسر.. ولم تكن هناك تحشدات للجيش في الشارع العام.. الذي يتوسط سواره توكه و سرسنك.. فقط كنا نسمع اصوات الطائرات الحربية التي تحوم في الليل ..

ووصلنا مقر مراني الساعة 12 ليلاً من نفس اليوم.. كنا نسير دون توقف.. الاّ لاستراحات قصيرة وكان ابو عمشه يحثنا على مواصلة السير.. رغم معاناته مِنْ مشاكل صحية.. بسبب الروماتيزم المزمن الذي كان يهد مفاصله و عظامه..

بعد أن سلمنا البريد الى ابو امجد فوراً.. وقلنا له ننتظر منكم سرعة العودة كما اوصانا هشام.. قال انتظروا سوف نبلغكم بالحركة .. وتوقعنا ان نعود في اليوم التالي .. او في ابعد احتمال بعد يومين.. أي بتاريخ 22/8/1988 .. وبقينا ننتظر الساعة التي يطلب منا الاستعداد للعودة .. لكن لا اعرف لماذا و منْ كان سبباً لتأخيرنا لغاية 26 /8/1988.. حينا انطلقنا مع العوائل للحركة نحو معبر طاجيكا..

بالرغم من ان ابو داود الختاري ـ خديدا حسين.. سكرتير محلية نينوى السابق.. كان قد وصل هو الآخر المقر آتياً من سوريا بعدنا.. بعد مروره في الفوج الثالث من معبر طاجيكا.. قد قال لقادة الفوج الأول:

ـ انه تجاوز الطريق من طاجيكا بصعوبة.. بسبب كثافة التواجد العسكري.. وانكم مطوقون.. وانتقدهم على هذا التأخير والبرود في التعامل مع الأحداث..

هذا ما عرفته لاحقاً.. ولم ابلغ بهذه التطورات السريعة من قبل قيادة الفوج .. بعد ان بدأنا التحرك بصحبة العوائل من خلال ثلاثة جرارات زراعية ـ تراكتورات.. احدها يعود للنصير دكتور عزيز ـ القاضي احمد حسن كيكي حالياً ـ .. الذي كان قد ترك الانصار وأخذ يعمل في نقل البضائع وبيع بين الأغذية بين القرى المحررة ..

هكذا وصلنا برفقة العوائل الى مسافة قريبة من طاجيكا.. و اذكر ان عددا من الانصار والشباب رافقونا.. كنت امر المجموعة.. و الدليل الند.. مع شقيقين هما صفاء و كريم.. وعدد من رفاق العوائل اذكر منهم النصير صلاح اصغر شقيق لصباح وكفاح كنجي.. 

وعموما كان العدد كبير وشمل غالبية العوائل .. (عائلة الشهيد هرمز عين بقرة ـ ابو نصير.. عائلة كنجي .. عائلة توفيق .. عائلة ابو فؤاد .. عائلة ابو ماجد .. ام زيا وام سربست.. والكل تقريباً ).. كانوا فرحين ويأملون الوصول لمناطق آمنة..

كنت في الجرار الأول مع الدكتور عزيز و الند.. وحينما تقربنا من الموقع قررنا استطلاع المعبر وتقدمنا انا والند.. واخذنا نراقب الشارع .. كانت العجلات والسيارات العسكرية تتحرك وتتواصل في العبور بلا توقف .. عدنا خائبين وبلغنا العوائل بعدم امكانية العبور .. شعرنا بتغير ملامح الوجوه.. والانزعاج قد بدا واضحاً .. لم يكن لنا خيار الا ان نواجه هذه الصدمة الكبيرة ..

قررنا العودة الى المقر في مراني .. كنت احتسب الزمن والأيام التي ضاعت بلا سبب ونحن ننتظر وقلت محدثا نفسي .. لو كنا قد تحركنا قبل 25 /8/1988 ..لكنا قد تجاوزنا الطوق المحكم.. الذي بدأ يلتف حولنا ونحس بخطورته الآن في هذه اللحظات القاتلة والمخيبة للآمال..

وصلنا مراني الساعة الواحدة فجراً من يوم 27/8 .. وبدأ الناس يتركون قراهم ومنازلهم وممتلكاتهم  ويهربون باتجاه الغرب نحو قرى الزيبار .. وأخذ في نفس الوقت الجيش والجحوش يتقدمون نحونا من محور سواره توكة.. حيث وصلوا الى قرية ميزة القريبة من المقر.. ومن محور اتروش قلعة كانيكا.. و وصولوا الى قرية كاني ماصي المواجهة لمقر مراني.. و بات الطوق محكماً من ثلاث جهات هي الغربية والجنوبية و الشمالية.. ولم يبق الاّ جهة الشرق.. دشت نهلة وقرى الزيبار في مناطق عقرة يمكن التفكير بالتوجه اليها حينها..

كنا في حالة فوضى.. وشعر البعض باليأس و العجز .. واخذنا نراقب ونستطلع تحركات الجيش والجحوش القريبة منا .. والتفكير بخلق منافذ ومعابر من الطوق المحكم حولنا .. تقرر التحرك والتوزع على شكل مجموعات ..

كانت اول مجموعة تتحرك نحو الدشت في الأول من أيلول .. وكلفت مع مجموعة المقر بدفن الحاجيات المهمة.. واخفاء السلاح الثقيل.. ونقل الارزاق الى شعاب الجبل.. خلف موقع الدوشكا التي تم رفعها و دفنها هي الأخرى.. وهكذا بالنسبة لأجهزة الإعلام والوثائق والاوراق .. كنا تقريباً بحدود 100 نصير ونصيرة في المقر ..

وتحركت مجموعة ثانية نحو عقرة .. وحينما وصل الجيش لقرية محمود آغا في جماني وهي اقرب قرية للمقر.. من جهة وادي مراني.. قررنا ترك المقر .. صعدنا نحو كاره.. و في الليل عاد موكب العوائل للمرة الثانية الى المقر.. بسبب قطع طريق كافيا ـ الزيبار من قبل الجيش ..

اعلمنا بالنبأ الحزين ابو سربست وقال عدنا خائبين.. كان ذلك في السابع من ايلول.. بعد العفو المزيف بيوم واحد ..

في 8/9/1988 علمنا بنزول العوائل .. كنت في شعاب كاره حينما ذهب زيا و كامران القوشي ابن اخت شوكت.. و شقيق نسيم.. وعدد آخر من الأنصار لمرافقة العوائل الى قمة صوصيا .. وفي الطريق قال كامران لزيا: انه لن يترك عائلة ابو نصير وحدها.. ولا نعرف ما حل به للآن.. إذ كان من المفروض ان يعود.. مع من عادوا حينها.. من الذين رافقوا العوائل لقمة صوصيا في ذلك اليوم الحزين ..

هل رافق العوائل وانتهى معهم؟..

 ام انه اسر وغيب في مرحلة لاحقة؟..

 ام انه قد صفي في نفس اليوم؟.. .. كما حدث مع خورشيد ـ ابو حازم خورزي.. الذي قيل ان الضابط امر بإعدامه فوراً في قرية كاني ماصي ..

كذلك الحال مع جمال اطوش.. شقيق ابو ماجد الذي فقد في منطقة كفركي على بعد كيلومترين من المقر.. ولم يعرف شيئاً عن مصيره هو الآخر .. هل اسر أم قتل .. كل ما يمكن ان نقول عنه اختفى في لجة الحدث وضاعت اخباره للان..

بقينا  بين طيات شعاب كاره على شكل مجموعات.. أخذنا نبحث عن منافذ وطرق للخلاص من الطوق الذي اخذ يضيق علينا.. وتقرر الانطلاق نحو الدوسكي .. كانت اول مجموعة مكونة من 12 نصير..   ( 1ـ حازم القوشي.. 2ـ الند الدليل المعتمد عليه.. 3ـ  ابو حامد 4ـ ابو رشدي 5ـ يونس مانكيشكي وهو من الموصل ومتزوج رفيقة من مانكيش .. 6ـ صفاء شقيق ابو حياة 7ـ كريم شقيق ابو حياة ايضا ..8ـ  مزهر ـ ابو رشا كان قد فر من الداخل بعد كشف تنظيم ابو مناف واعتقاله مع زوجته نغم اثناء وجوده في الداخل .. وكان ابو رشدي لا يرتاح له ويتوجس منه.. 9ـ ابو سمرة هو الآخر رافقنا كان مع ابو رشا في الداخل ايضاً ..10ـ  11ـ 12ـ) ..

وبعد انطلاقنا  و وصولنا  لكلي آفوكي.. على بعد كيلومترين من المقر فقط .. توقف ابو رشا وزميله ابو سمرة عن السير.. تحججاً بالتعب والارهاق.. وطلبا العودة للمقر.. مما دفع بالنصير ابو رشدي للشك بأمرهم .. وعدنا بهم ثانية لشعاب كاره .. حيث يتواجد بقية الانصار ..

ــــــــــــــــــ

صباح كنجي

17/10/2019

 ـ اجري الحوار من خلال الفيس بوك منتصف تشرين الأول 2019.. سينشر لاحقاً في مجلة بيرموس